بقلم: محمد حيدرة مياه
أخيرا تكاملت أضلاع مثلث الإلحاد والجريمة ضد الدين في موريتانيا، فمنذ أن تعالى دخان محرقة الكتب المالكية، بدا واضحا أن ثمة مسارا يتجه إلى التكامل وخطوات حثيثة للحرب على الله ورسوله والمسلمين وهويتهم في هذا البلد.
انتهت جريمة محرقة الكتب ، ثم ارتفع الضلع الثالث من الجريمة ضد الدين يوم كتب محمد ولد الشيخ ولد امخيطير مقاله المسيء الذي كال فيه الشتائم والبذاءات لجناب أشرف البشر محمد صلى الله عليه وسلم، ثم جاءت الخطوة الثالثة عبر مقال محمد ولد عبد العزيز ولد الشيخ محمد المامي التي تجاوز فيها كل حد وتخطى فيها كل جريمة وذلك بسبه لله جل جلاله.
أضلاع المثلث الإلحادي جزء من حملة كبيرة تستهدف الشعب الموريتاني وهويته، ينخرط فيها عصابات الإلحاد والجريمة الأخلاقية والمنظمات التنصيرية التي تنشط بقوة بل وبحماية من النظام الحاكم في موريتانيا.
في سياق الجريمة
مع كل هزة من هذه الهزات الإلحادية المدروسة، ترتفع غضبة المجتمع الموريتاني،تخرج المظاهرات، الغاضبة، يندد العلماء والأئمة والمرجعيات والأحزاب السياسية، تعترض الشرطة المسيرات، توزع بسخاء آلة القمع، حتى تغرس الرصاص في كبد طاهرة، يخرج وزيرا الإعلام والشؤون الإسلامية التنقيب في قاموس أقبح الأعذار عن كلمات مناسبة، تتفتق عبقرية الحكومة عن تحميل معزاة المسؤولية، ثم تظل تردد " معزاة ولو طارت"
يخرج الرئيس الملثم، ليرعد ويزبد ويتوعد، وكأنه صلاح الدين على أبواب القدس، تطلق أجهزة الأمن والاستخبارات دفعة جديدة من المعتوهين تحت شعارات متعددة،"أحباب الرسول، أنصار الشريعة".
ينطلق مساران، مسار الدعاية التي يقودها معتوهو الأمن السياسي، ومسار الاعتذار والتذلل للسفارات الغربية في موريتانيا وإشعارها بأن الأمر مجرد مزايدة سياسية للحفاظ على صورة النظام.
وبعد أيام يبدأ النظام في استغلال الحادثة لكسب نقاط سياسية جديدة، وتشويه جزء من خصومه وخصوصا أولئك المستفيدين من الحمية الإسلامية والعاطفة الإيمانية للشعب.
ويمكن باستقراء وباستقراء بسيط أن نعود إلى تلك الجرائم واحدة إثر الأخرى، لنرى كيف استغل النظام وبكل وقاحة لا تقل عن الجريمة الأصلية، ففي جريمة حرق كتب الفقه المالكية، عاد النظام وبكل صفاقة إلى معزوفة حماية الهوية الخاصة للمجتمع الموريتاني ومنظومته المالكية الأشعرية الجنيدية، وفي المقابل بدأ حملة لتشويه خصومه السياسيين وخصوصا التيار الإسلامي الوسطي في موريتانيا ليحمله مسؤولية تلك الجريمة، وبدأ كتاب النظام وأبواقه وطبوله في العزف والتهريج، وتواصل النيل من أعلام البلد وعلمائه وشخصياته السياسية المحسوبة على التيار الإسلامي، مع التلويح بإمكانية حل حزب التجمع الوطني للإصلاح، وعلى الضفة الأخرى انشغل محققو الأمن بترويع المتورطين في جريمة حرق الكتب، وذلك للحصول على المعلومات عن مسارهم وهيئاتهم وعلاقاتهم، وعندما حصلوا المطلوب أبرموا الصفقة وانتهت القضية بهدوء لا يناسب بدايتها العاصفة.
أما في الجريمة الثانية والثالثة، وهما جريمة سب النبي صلى الله عليه وسلم وتمزيق المصحف الشريف، فقد مارس النظام نفس الأسلوب أيضا، وهو الدعاية السلبية والظهور الكاذب بمظهر حامي الحمى والدين.
وفي المقابل كانت آلة القمع والاستغلال أكثر بشاعة هذه المرة، وذلك عبر تجنيد الهمج للاعتداء على العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو، ولم تكن جريمة الاعتداء معزولة عن سياقها الاستغلالي ولم تكن أصابع النظام خافية أيضا في هذا المسار، حيث كان المعتدي قد ربط علاقاته القوية مع أجهزة الأمن الموريتاني قبل ذلك بأشهر وتم ترفيعه ضمن خلية أو إطار للعمل مرتبط بوزير الشؤون الإسلامي الحالي قبل أن يتم ترفيعه لاحقا ليعمل ملحقا بالحراك السلفي في موريتانيا.
وهكذا حققت السادية السياسية التي تتحكم في أعمال النظام الحالي وتوجهاته هدفها الأول بالاعتداء البدني على العلامة الددو، وأطلقت في المرحلة الثانية حملة أخرى للنيل منه ومحاولة تشويه صورته بكل الوسائل مستخدمة في ذلك جرائها المعلمة من أيتام القذافي وإذاعة محمد الشيخ التي تحولت بالفعل إلى دار الندوة يشرف عليها شيوخ نجديون كثر.
وفي حادثة تمزيق المصحف بالتحديد، وبعد أن وجد محققو الأمن الخيوط الكاملة للجريمة، وأطرافها المتورطة فيها تمويلا وتحريضا ومتابعة وتنفيذا ثم استغلالا، قرر أن يضرب الذكر صفحا عنها لأسباب كثيرة منها
- ارتباط المتورطين بسفارات ومنظمات تنصيرية دولية قوية.
- ارتباط المتورطين بعدد من الزمرة العسكرية الحاكمة التي توفر لهم الحماية والإنقاذ من الورطات.
وهكذا قرر النظام أيضا الانتقال إلى الضفة الأخرى والبدء في إجراءات غريبة الشكل والمضمون والإخراج ضد التيار الإسلامي في موريتانيا تمثلت في:
- حل جمعية المستقبل للدعوة والتعليم في موريتانيا وتحميلها المسؤولية عن غضب الجماهير.
- مضايقة المؤسسات العلمية والدعوية في موريتانيا.
- إطلاق حملة شحت دولي لاستهداف الإسلاميين وتحصيل التمويلات مقابل مضايقتهم وإهانتهم، وأكثر من ذلك نقل أكثر من مرة أن رأس النظام يردد أن الأسلوب الأحسن لمواجهة الإسلاميين في موريتانيا هو أسلوب السيسي مع الإخوان المسلمين.
والآن بعد الهزة الثالثة ضد العقيدة والهوية الإسلامية، يحق التساؤل أيضا عماذا يخطط له النظام وعن أي جهة سينالها غضبه الاصطناعي ومن سيكون ضحية الحملة الرسمية للاستفادة من الإلحاد وآثاره.
الأكيد جدا والثابت دائما أن الهوية وحمايتها والدين والرفع من شأنه؛ والوطن وترسيخ كرامته؛ والإصلاح ومد أطنابه؛ هو آخر ما يفكر فيه النظام، بل هو ما لن يفكر النظام فيه مطلقا.
وإلى أن تظهر الأيام القادمة مسار النظام وتعامله مع هذه الهزة فإن من الضرورة التنبيه إلى عدة أمور بالغة الأهمية:
- للإلحاد في موريتانيا رموزه ومؤسساته، وأفراده الذين ينشطون بقوة وبظهور دون أن ينالوا أي متابعة أو رقابة أو حتى استفسار من النظام الحالي.
- يتقارب مسار الإلحاد ويتناغم مع ملف التنصير الذي ضرب بأطنابه منذ فترة طويلة في موريتانيا وأطلق مؤسساته ومبشريه ومنذريه؛ يجوبون موريتانيا كلها ويملك النظام ومؤسساته الأمنية بنك معلومات هائل حول ملف التنصير، ولكنهم لا يريدون اتخاذ أي إجراء لمواجهته ولا التشويش عليه، وذلك خوفا على التمويلات وحذرا من غضب الغرب، وربما حصولا أيضا على نصيب من الكومسيوهات"
- حجم الاستفزاز ضد مشاعر الموريتانيين باستهداف دينهم تجاوز في الحقبة الأخيرة كل حد وتصور، والأكيد أن دور النظام في مواجهة هذه الجريمة كان بالغ السلبية إن لم يكن له دور في "صناعة الحدث".