جوار اللحوم .. والقمامات..
هناك سيل عارم من الأفكار وأساليب التفكير التي حملها الانسان الموريتاني معه من البادية وعن عقلية الحل والترحال إلى المدينة ومواطن التمركز الاستيطاني. وهذه الأفكار وطرائق التفكير كانت سببا في ترسيخ مخزون ضخم من المعاني والقيم المشوهة ، التي بقيت لابثة في نفوس الناس ، دون أن تجد اهتماما من صناع القرار المتعاقبين أو المختصين لتوضيح مضارها وسلبياتها وأوجه القصور في المحافظة عليها بالنسبة لسكان المدن. ومن هذه الممارسات، انتشار ظاهرة الذبائح الفوضوية وبيع اللحوم والخضار في نقاط معروفة بمحاذاة مكبات الأوساخ والقاذورات. فكثيرا هي نقاط بيع اللحوم الحمراء وأشكال الخضار على بعد أمتار مما نسميه بالحسانية " امنباليت" ، مكبات القمامة. ومن العجب أن المواطنين يتوافدون ، صباحا، على هذه النقاط ليشتروا حاجياتهم من هذه المواد وعم يضعون أكفهم أو أطرفا من ثيابهم على أنوفهم ، ليسدوا عنها نتانة الرائحة التي "تضوع" من القاذورات المتعفنة ؛بل إن ذباب هذه القاذورات والعفونات يقوم برحلات مكوكية بين اللحوم والخضار من جهة، وبين أكداس القمامة المجاورة، من جهة أخرى.
ليس هذا فقط، بل إن (سيارات الخردة) المكشوفة التي تنقل القاذورات والأوساخ ، كثيرا ما تقوم بعملها ضحى في ذروة ارتياد المواطنين لهذه "الأسواق- القمامة" ، بما يعني أنها تثير، أثناء حملها ونقلها للقمامة، مليارات المكروبات والفيروسات والحشرات وتنشرها على هذه المواد، وبين المنازل والمواطنين على طول الطريق الرابط بين المكبات الفرعية والمكب المركزي ، حيث يجري حرق مخزونات القمامة. فكم من المواطنين حملوا في ثيابهم ومركباتهم وجلودهم هذه المكروبات والفيروسات وحطوا بها على أبنائهم وذويهم في المنازل ؟. إنها الفوضى تضرب في كل مرفق من حياة شعبنا : فغياب الرقابة الصحية والكشف البيطري هو العملة السائدة. فكم مرة تحدث الاعلام المحلي عن اكتشاف جزارين يبيعون لحوم الكلاب أو الجيف أو الحمير... وحتى القردة، مؤخرا. والسبب هو الذبائح الفوضوية ، التي حملناها معنا من الصحراء، عندما كنا بدوا رحلا..
عن مجلة الدرب العربي