في هذا الوقت الذي نشهد فيه هجومًا كاسِحًا على "البيظان"، من خلال ما يوجه إليهم من ألفاظ نابية وما يُنعَتون به من أوصاف قدحية، يبدو أنّ تحديد هذا المفهوم أصبح يفرض نفسَه أكثر من أيّ وقت مَضَى. وذلك من أجل تنوير الرأي العام الوطنيّ والدوليّ حول هذا الموضوع الذي يُخشَى أن يؤثرَ سلبًا في تماسك نسيجنا الاجتماعيّ، ويشوّهَ سمعة بلدنا في الخارج. ولعلنا نتفق جميعًا على أنّ هذا الاسم، يُطلَق محليا على الذين يتكلمون الحَسّانيّة (كلام حَسَّانْ). ويدخل تحت هذه المظلة، جميع شرائح "البيظان": الزَّوَايَا (أو الطلبة)، لعْرَبْ (أو حَسَّان)، لحْرَاطِينْ، لمْعَلمِينْ، إگاونْ، إلخ.
وقبل قيام الدولة الوطنية الحديثة، كان الانتماء القبليّ هو السائد، بحيث نجد جميع هذه الشرائح مندمجة في بوتقة القبيلة الواحدة.
وبصرف النظر عن اللون أو الأدوار التي تقوم بها هذه الشرائح داخل مجتمع "البيظان" التقليديّ، فإنّنا لم نسمع قط –حسَب علمي-بأنّ "الحرطاني" غير "بيظاني"!.
وبعد قيام الدولة الحديثة، كان من المفروض أن تختفي هذه التسميات وتذوب فيما أصبح يُعرَف بدولة المُوَاطَنة التي تحقق العدالة بين مواطنيها وتجعلهم متساوين في الحقوق والواجبات (دولة القانون)، وتضمن لهم تكافؤ الفُرَص في الحصول على حقوقهم كاملة غير منقوصة، وهو ما ينص عليه الدستور الموريتانيّ والأحكام والنصوص الجاري بها العمل.
ويبدو- والله أعلم-أنّ بعض الأفراد الموريتانيين. تدفعهم-ربما دون أن يدركوا ذلك-جهات خارجية للنيْل مِن وحدتنا الوطنية وتماسكنا الاجتماعيّ، الأمر الذي لا يخدم غير أعداء الوطن. وسبق أن تعرضت بلادنا لمحاولات مشابهة، عن طريق بث الشقاق بين "لكْوَر/ الزنُوجْ" و "البيظان"، وباءت تلك المحاولات-لله الحمد- بفشل ذريع. وتتجسد الموجة الجديدة من هذه المحاولات اليائسة في التركيز في الوقت الراهن-بشكل غير مسبوق- على بثّ الخلافات بين شرائح "البيظان" المختلفة.
ولعلّ "البيظان"- بجميع ألوانهم ومسمياتهم-ينتبهون جيدًا لخطر هذه التحركات التي يحاول أصحابها (وهم قلة لله الحمد) تفتيت أهمّ وحدة من مكونات الشعب الموريتانيّ (وهي: البيظان). ويقع العبء الأكبر في هذا الشأن على السلطة القائمة التي يجب أن تتحمل مسؤولياتها في حماية الوطن والمواطن، عن طريق تطبيق القانون، وفرض احترام الدستور والنصوص المنظمة التي تحظر النيل من الوحدة الوطنية. وعلى نخبنا الوطنية كذلك أن تقوم بدور فاعِل في هذا المجال، لتنوير الرأي العام الوطنيّ والدوليّ، وتكوين رأي ضاغط على الجهات المعنية والمهتمة من أجل اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب. وذلك قبل فوات الأوان. والأمل معقود على أن تختفي هذه الظاهرة المقيتة، بحيث لن نقرأ أو نسمع مستقبَلًا: فلان من الشريحة الفولانية وعلّان من الشريحة الفولانية...رفقًا بنا أيها السادة!...وطننا أمانة في أعناقنا جميعًا. حفظ الله موريتانيا من كل مكروه.