في منزل بسيط يقع غير بعيد من مستشفى "فان" في ضواحي العاصمة السنغالية داكار تروى مريم وهي سيدة في عقدها السادس قصة لجوءها إلى المستشفيات السنغالية بعد ثلاث سنوات من علاج حفيدها وعدم تحسن صحته في موريتانيا، مريم وحفيدها مثال حي لآلاف المرضى الموريتانيين الذين يسافرون بشكل يومي إلى السنغال من أجل تلقى العلاج في المستشفيات السنغالية بعد أن فقدوا الثقة وضاقت بهم المستشفيات في موطنهم الأم موريتانيا، لكنهم يواجهون ظروفا صعبة تبدأ من دخولهم إلى الأراضي السنغالية ولا تنتهي في أروقة ودهاليز مستشفيات داكار.
رحلة الاستشفاء
بشكل يومي يعبر عشرات المرضى الموريتانيين النهر إلى السنغال لتبدأ رحلة جديدة طلبا للشفاء و خدمات صحية أفضل في الجارة الجنوبية، لكن الطريق إلى المستشفيات السنغالية ليس بهذه السهولة، فأغلب المرضى الذين التقيناهم في مستشفيات داكار ومنازل الموريتانيين هناك ليسوا من الأغنياء وميسوري الحال، فأغلبهم من متوسطي الحال، لكن الظروف أرغمتهم على أن يخوضون غمار رحلة العلاج في المستشفيات السنغالية بعد أن خذلتهم المنظومة الصحية في بلدهم.
تبدأ رحلة المريض الموريتاني في السنغال من عبوره إلى الحدود ووصوله إلى داكار حيث يقيم أغلب المرضى في منازل يملكها موريتانيون يقومون بتأجيرها بأسعار معقولة. أحد المشرفين على هذه المنازل يقول إن المرضى الموريتانيين يأتون إلى السنغال بشكل يومي، وأكثرهم يملك مالا قليلا ولا يعرفون إجراءات المستشفيات مما يجعلهم ضحية للإبتزاز.
في منزل قريب من مستشفى "فان" بالعاصمة داكار تتحدث السيدة مريم بنت عبد الله للسراج عن قصة لجوءها إلى المستشفيات السنغالية، مريم قدمت بحفيدها المريض ذي 11 شهرا فمنذ ولادته -تقول مريم - لم يكن طبيعيا دخلنا به في كل مستشفيات البلاد، ذهبنا به إلى كل طبيب و أخصائي، أجمع الأطباء في موريتانيا أنه مصاب بمرض عصبي و هو ما نفاه السنغاليون. وقالت مريم إن معاملة المستشفيات في السنغال معاملة جيدة، والأطباء يستمعون إليهم بشكل جيد،و تضيف مريم "إن ذهابها إلى السنغال ليس بسبب انعدام الثقة في أطباء موريتانيا، لكنها تريد التأكد فقط وتحسن صحة ابنها ".
في المستشفى
مستشفى دانتيك بعد الإقامة و الإستقرار يبدأ فصل آخر من الرحلة و هو إجراءات العلاج داخل المستشفيات، فأغلب المرضى يفضلون اللجوء إلى المستشفيات الحكومية لقلة تكاليفها، لكن جهل المرضى بالإجراءات تجعلهم فريسة للابتزاز من بعض المرشدين الذين يستغلون وضعيتهم الصعبة دون مراعاة لجانب الأخوة و الوطن و الإنسانية.
إذا دخلت إلى أي من هذه المستشفيات لن تجد مشكلة في أن تتعرف على المرضى الموريتانيين، يقبل المرضى الموريتانيين على مختلف الأجنحة و التخصصات في المستشفى السنغالية، لكن جناح الأطفال و الأعصاب هي الأكثر إقبالا.
كما يقبل المرضى الموريتانيون على العيادات الخاصة، لكن اسما واحدا من بين كل الأطباء السنغاليين حاز على أكبر قدر من السمعة لدى الموريتانيين، إنه البرفسور بيير نداي، حيث لقب هذا الرجل الذي حاز على ثقة المرضى الموريتانيين بطبيب الموريتانيين.
عيادة بيير نداي تكون قبلة للموريتانيين بشكل يومي حيث يقومون بحجز أماكن لهم في طابور من ساعات الصباح الأولى. لكن بشهادة الطبيب نفسه موريتانيا لا ينقصها كادر بشري فلديها أطباء أكفاء، إذا يحق لنا التساؤل، ما هو سبب هذه الهجرة الطبية عن بلادنا؟؟
لماذا خارج الوطن؟
لماذا العلاج خارج الوطن؟ طرحنا هذا السؤال على كل المرضى الذين التقيناهم، لكن الإجابات جاءت مؤكدة أن المشكلة أصبحت مشكلة ثقة بين المنظومة الصحية الموريتانية و مريض موريتانيمريض موريتانيالمرضى الموريتانيين. صدام ولد سيدي يرافق والدته المصابة بصداع مزمن منذ ثلاث سنوات، يقول إنه جاء مع والدته بعد أن انعدمت الثقة أولا في الأطباء و ثانيا في الأدوية التي تباع في البلاد. وقال ولد الشيخ إن موريتانيا تمتلك كفاءات لكنها لا زالت لم تستطع أن تطور الخدمات الصحة العمومية في البلد". أما السيدة فاطمة فترى أن المشكلة من نوعية الأدوية، فكل الأدوية الموزعة في صيدليات موريتانيا أكثرها مزور و بشهادة الأطباء أنفسهم، تقول فاطمة إن الدولة إذا قامت بحل مشكلة الأدوية عندها لن تكون هنالك أي هجرة ولا مشقة على المرضى الموريتانيين.
في مستشفى "دانتك" بداكار التقينا الدكتور الموريتاني عبد الله ولد محمد السالك وسألناه عن سبب هذه الهجرة الصحية من الوطن. فكان رد ولد محمد السالك أن مشكلة الصحة في موريتانيا هي مشكلة تنظيم، فموريتانيا لا ينقصها كفاءات لكن مستوى التنظيم و الإدارة يبقى هو العائق أمام تطور الصحة في البلاد. يقول ولد محمد السالك إن أغلب الأمراض التي يسافر أصحابها إلى السنغال كان يمكن معالجتها في البلاد، لكن مستوى الثقة والدواء جعلت المواطن الموريتاني لا يرتاح إلا عندما يقوم باستشارة لدى طبيب سنغالي أو أجنبي".
بعد إلقائنا نظرة عن كثب عن رحلات علاج المرضى الموريتانيين إلى السنغال، تأكدت لدينا معلومة أن الهوة تتسع يوما بعد يوم بين قطاع الصحة العمومية بشكل خاص و الأطباء الموريتانيين بشكل عام، وبين المرضى الموريتانيين الذين فضلوا الغربة ومشقتها على العلاج داخل الوطن وبين الأحبة ليتضاعف الألم..لكن يبقى الأمل موجودا في مستشفيات موريتانية قادرة على استيعاب مرضانا وتشخيص أمراضهم سبيلا لعلا جها.