قال المخرج السينمائي الموريتاني، عبد الرحمن ولد أحمد سالم، إن كل الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في بلاده لم تهتم بـ"سيارة العفاريت" (يقصد السينما)، وإن السينما الموريتانية "تعيش مرحلة كفاح لترسيخ أقدامها في الحقل الثقافي في البلاد".
وأضاف ولد أحمد سالم، في مقابلة مع وكالة الأناضول، أن "هذه السينما (الموريتانية) لم تصل بعد إلى مرحلة توفير المتعة للمشاهد، ولم ترق إلى المنافسة الإقليمية". المخرج الموريتاني، الذي يدير "دار السينمائيين الموريتانيين" (مؤسسة غير حكومية)، حدد عددا من المعوقات يرى أنها تقف في وجه السينما الموريتانية، وهي: "غياب السياسات الرسمية الداعمة لقطاع الثقافة، إضافة إلى ضعف الاهتمام الشعبي بالثقافة السينمائية".
واعتبر أن "الاستثمار في السينما والتصالح معها قد يقود إلى التغلب على العديد من الإشكالات والتحديات الاجتماعية والثقافية التي يواجهها المجتمع الموريتاني".
ولد أحمد سالم بدأ حياته ممثلا في أول فرقة مسرحية بموريتانيا، ثم ترك العمل المسرحي تحت وطأة مضايقات رسمية إثر تقديمه مسرحية سخرت من الجيش، وبعدها عاد إلى الساحة الفنية، حيث أخرج عددا من الأفلام بين وثائقي وروائي، منها "رجل وخيمة وعلم"، و"تاكسي الديمقراطية"، و"نواكشوط مدينتي".
واستعرض المخرج الموريتاني، وهو في العقد الخامس من عمره، السياق التاريخي لتفاعل الموريتانيين مع السينما، قائلا إن "المجتمع الموريتاني تحفظ على السينما مع ظهورها قبل استقلال البلاد عن فرنسا سنة 1960 لاعتبارات سياسية ودينية".
وعن بداية تعرف الموريتانيين على "الفن السابع" (السينما)، وكيف كان تعاطيه معها، قال ولد أحمد سالم، الذي تلقى تدريبا في "المدرسة الدولية للسمعيات البصرية" في باريس (EICAR): "تعرف المجتمع الموريتاني على السينما من خلال القوافل التي كان يسيرها المستعمر الفرنسي نهاية خمسينيات القرن الماضي وبداية الستينات، والتي كانت تعرض أفلاما عما يعتبرها المستعمر نجاحات فرنسية".
وتابع بقوله: "لكون المجتمع الموريتاني كان يعتبر الفرنسيين غزاة لأرضه فقد ارتبط كل ما كان يتم تقديمه له من طرف الفرنسيين بالرفض، الذي يدخل ضمن المقاومة الثقافية للمستعمر".
وبشأن الاعتبار الديني في رفض الفن السينمائي، أوضح السينمائي الموريتناني أن "المجتمع كان ساعتها مجتمعا بدويا لا يعرف شيئا عن العالم الخارجي، لذا أطلق الكثير منه على السيارة التي كانت تحمل شاشة العرض اسم (سيارة العفاريت) واعتبروا أن هذه السينما نوعا من السحر، وبالتالي امتزج هذا اللقاء الأول بين السينما والمتلقي الموريتاني بالرفض، مما شكل قطيعة طويلة".
وبعد هذه الحقبة، بحسب ولد أحمد سالم، "بدأت قوافل المثقفين الموريتانيين تعود إلى البلد بعد الاستقلال، وتزامن ذلك مع تقديم المركز الثقافي المصري لبعض الأفلام العربية، مثل قيس وليلى، وغزوة بدر.. فبدأ على الأقل موريتانيو المدن يرون الشاشة للمرة الأولى بشكل مغاير، ويتعرفون على عوالم أخرى، وعلى قصص قرأوها كثيرا في بطون الكتب دون أن يروها بشكل تمثيلي".
وأردف: "ثم توالت هذه المحاولات بعد أن جاء الفرنسي كوميز، المتخصص في قاعات العرض، إلى موريتانيا، حيث أسس العديد من قاعات العرض على مستوى مناطق متعددة من البلد، لكن تأثير قاعات العرض ظل محدودا جدا؛ لأن المتلقي الموريتاني لم يجد ذاته فيما يُقدم على هذه الشاشات، التي كانت تقدم له أفلاما فرنسية وأمريكية، وبالتالي حدث شرخ آخر في العلاقة بين الموريتانيين والسينما.. فشلت الشاشة في خلق ألفة مع المتلقي الموريتاني، حتى بعد شراء أبو السينما الموريتانية، همام فال، لهذه القاعات وعرضها بشكل خجول أفلاما عربية، لم تصل هذه العلاقة إلي علاقة شراكة وتفاعل بين المتلقي والسينما".
لكن في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وفقا للمخرج الموريتاني، شهد البلد العربي "نهضة سينمائية على كافة المستويات، وتجلى ذلك في الحضور الكبير لأفلام عربية وأخرى محلية من إنتاج الراحل همام أفال، وإخراج الراحل محمد ولد السالك، مثل أفلام بدوي في الحضر، وميمونة، و"ترجيت.. وهي أفلام استطاعت خلق ألفة، وإن بشكل خجول، مع المتلقي الموريتاني".
وأضاف أنه: "على صعيد آخر، تزامنت هذه الفترة مع مغادرة بعض الموريتانيين إلى الخارج لدراسة فن السينما، مثل محمد دندو وسيدنا سوخنا وعبد الرحمن سيساكو، وبدأوا ينتجون أفلاما من المهجر بأوروبا، ولا سيما فرنسا، وهو ما بدأ يعطي صورة مميزة عن أداء المخرجين الموريتانيين".
وبشأن إن كان لـ"دار السينمائيين"، التي أسسها مجموعة من الشباب السينمائيين عام 2005، دور في بعث الروح في السينما الموريتانية، أجاب ولد أحمد سالم بأن "هذه الدار جاءت لتحقيق ثلاثة أهداف كبري، الأول هو العمل على المصالحة بين المتلقي والسينما بعرض أفلام تعالج الواقع اليومي للمتلقي، والثاني هو أن نعيد ثقافة الفرجة الجماعية، حيث بإمكان العائلة والأصدقاء مشاهدة منتج محلي، أما الهدف الثالث فهو تكوين جيل شاب من السينمائيين الموريتانيين يمكنه المساهمة في الحوار الوطني وفي تشكيل المخيلة الموريتانية من خلال استثمار الصورة كوسيلة لا تعرف حدودا".
وتابع بقوله: "أعتبر أننا توصلنا إلى حد كبير لهذه النتائج، فاليوم لدينا جمهور عريض جدا يحضر العروض السينمائية التي ننظمها أو حتى التي يقدمها آخرون، كما استطعنا تغذية الفضائيات التلفزيونية المحلية بطواقم في مجال الإخراج والسينما تكونت في دار السينمائيين".
وعن أبرز المعوقات التي تحول دون تطور السينما الموريتانية، قال المخرج الموريتاني: "للأسف الثقافة تأتي في مؤخرة اهتمامات كل الأنظمة التي تعاقبت على هذا البلد بكل جزئياتها، سواء كانت مسرحا أو رقصا أو فنونا جميلة أو سينما".
ثم استدرك قائلا: "السينما بالأخص لم تكن ذات حظ في سلم هذه الاهتمامات.. نعاني من غياب سياسيات رسمية داعمة لقطاع الثقافة، إضافة إلى ضعف الاهتمام الشعبي بالثقافة السينمائية".
وتابع: "الدولة عندنا استقالت عن دورها في دعم العمل السينمائي، وهو ما يتضح من خلال خلو البلاد الآن من أية قاعة للعرض، فلا توجد في (العاصمة) نواكشوط إلا قاعة عرض واحدة، مع أنه قبل عقود كان عدد قاعات العرض في نواكشوط أكثر من 15 قاعة، كما لا توجد أيضا معاهد للتكوين (التدريب) في المجال السينمائي".
وبشأن توقعه لمستقبل السينما في موريتانيا، حذر من أنه "في ظل غياب سياسيات لتطوير الثقافة سيبقي حال السينما على ما هو عليه".
وأشهر أفلام المخرجين الموريتانيين هو فيلم "تمبكتو"، الذي أنتجه العام الماضي المخرج الموريتاني العالمي، عبد الرحمن سيساكو، وتناول في قالب إنساني حال سكان مدينة تمبكتو، شمالي مالي، بعد سيطرة جماعات متطرفة عليها.
وعن تقييمه لهذا الفيلم، الذي حصد العديد من الجوائز الدولية، قال ولد أحمد سالم: "يصعب علي تقييم فيلم من إعداد أستاذي عبد الرحمن سيساكو، فمستوى الرجل يعلو على مستوى كل من يمارس العمل السينمائي في هذا البلد".
وأضاف: "لكن بصفتي مشاهدا، أعتبر أن هذا الفيلم خلط بين الشاعرية والفلسفة وعلم النفس، وقدم موضوعا شائكا ومعقدا بجمالية رائعة جدا، جعلتنا، سواء كنا مع أو ضد الفيلم، نستمتع بجماليات الفيلم الذي مزج بين عدة ثقافات في فيلم واحد دون أن يحس المشاهد بهذه الاختلافات".
وبعد دراسته السينمائية في فرنسا، درس سيساكو السينما في روسيا.
ودخل "تمبكتو" لائحة الأفلام المرشحة للتنافس ضمن مسابقة الأوسكار 2015 لأفضل فيلم أجنبي (لم يفز)، ليصبح أول فيلم لمخرج موريتاني يشارك في هذه المسابقة العالمية.
ورغم أن فيلم "تمبكتو" أثار جدلا كبيرا في الشارع الموريتاني، حيث اعتبره الكثيرون تسويقا للتدخل الفرنسي في شمالي مالي، إلا أن المخرج والد أحمد سالم يرى أن "المنتوج الثقافي بطبيعة الحال لا يمكن أن يتفق الجميع على طرحه.. الموضوع طُرح من وجهة نظر فنان، ولم يطرح من وجهة نظر سياسي.. اختلاف وجهات النظر بشأن محتوى الفيلم شيء إيجابي جدا، لكن ما جري لم يصل إلي مستوي الحوار العميق.. أن الموضوع طُرح من وجهة نظر فنان ولم يطرح من وجهة نظر سياسي. وفي النهاية، الفيلم قابل للنقاش".
وشهدت مالي انقلابا عسكريا في مارس/ آذار 2012، تنازعت بعده "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" مع كل من حركة "التوحيد والجهاد"، وحليفتها حركة "أنصار الدين" اللتين يشتبه في علاقتهما بتنظيم القاعدة، السيطرة على مناطق شمالي البلاد، قبل أن يشن الجيش المالي، مدعومًا بقوات فرنسية، في يناير/ كانون الثاني من العام التالي، عملية عسكرية لا تزال مستمرة في الشمال لاستعادة تلك المناطق.