على الرّغم من أن حزب الاتحاد من اجل الجمهورية، ظلّ يتصدر المشهد السياسي منذ إنشاءه على يد الرئيس المؤسس الأخ محمد ولد عبد العزيز، إلا أنه تأثر في بعض الأوقات من تصرفات أيادِ خفية لم ترد لهذا المشروع السياسي الطموح ان يصل الى بر الأمان، بل سعت جاهدة لجعله يتصدّع من الداخل! لتعصف بأول تجربة في البلاد تقوم على القناعات السياسية والانضباط الحزبي، لولى تدخل ذوو الحكمة والتبصّر.
صحيح ان قيادة الأحزاب الحاكمة تحتاج الى باعِ طويل وقدرة على التكيّف مع ظرفيات سياسية مختلفة والتعامل مع الأحداث مهما كانت صعوبتها، وهذا بحق ما أدركه المجلس الوطني للحزب حين انتخب الاستاذ سيدي محمد ولد محم لاستكمال المسيرة التي بدأها الرئيس المؤسس قبل ستة سنوات وسايرها الرؤساء اللاحقون..
هذه الفترة بالذات مرت بمراحل خاصة كان من أصعبها رئاسة الأخ : محمد محمود ولد محمد الأمين فترة "الخصوبة" السياسية حيث كان يولد من رحم الحزب كل يوم حزب جديد يتبرأ منه لاحقا ، كما صادفت ما سميً بالربيع العربي وما صاحبه من تجاذبات محلية ودولية كادت تعصف بالحزب لولى أخلاق وصبر رئيسه آنذاك السفير: محمد محمود ولد محمد الأمين و تواصله الدائم بالرئيس المؤسس، وتسلح الحزب بإنجازاته العملاقة مع عجزه عن تبنيها في بعض المناطق، وظهر ذلك جليا إبان الاستحقاقات النيابية والبلدية حيث أخفق الحزب في مقاطعات نجح فيها رئيس الجمهورية في الرئاسيات بنسبة معتبرة .
غير ان ولد محم؛ وعلى الرغم من صعوبة الظرفية التي استلم فيها المشعل، استطاع - وفي وقت وجيز- أن ينتهج استيراتيجية جديدة تمكن كافة مناضلي ومناضلات الحزب من لعب دورهم كل من مكانه وأن يجدوا ذواتهم انطلاقا من مبدأ "المساواة" في الحقوق والواجبات بغية اعادة الثقة في الهيئات الحزبية وإشراك المناضلين في القرار.
ولم يكن قرار الحزب الشجاع بعدم تجديد الثقة في رؤساء اللجان داخل الجمعية الوطنية؛ مع انه قوبل من طرف البعض بشيء من الاستياء - إلاّ تأكيداً على النهج الصحيح الذي سلكه الاستاذ سيدي محمد ولد محم كتكملة لجهود من سبقوه وإن اختلفت الظروف، وتشعبت الأحداث السياسية التي واكبت كل مرحلة على حدة،
غير ان الجديد في سياسة الحزب هو "القرب" من الطبقات الهشة ومشاطرتهم احلامهم وآمالهم بدءاَ بإنشاء لجان خاصة لتلقي مطالب المواطنين عن طريق الهيئات الحزبية المحلية محاولة لنفخ الروح من جديد في هذه الهيئات التي كانت في موت سريري وربط القوعد الحزبية بها من جهة، وتوصيل هذه المطالب الى الجهات المختصة في الإدارة ومتابعتها حتى تتم تلبيتها، وأشرف ولد محم بنفسه على افتتاح أربعة فصول لتدريس اللغات الوطنية ما يمكن المواطنين من فهم بعضهم البعض وذلك أنجعطريق لتوطيد الوحجة الوطنية وتابع سيرالدراسة فيها شخصيا من خلال الزيارات المتكررة رغم انشغالاته الجمة ، وكذلك مواكبة الحزب لزيارات رئيس الجمهورية للولايات الداخلية ، والمشاركة في حملة النظافة في جميع بلديات انواكشوط ، ودعم قدرات طلاب الباكالوريا عن طريق توفير الدروس المجانية لهم طيلة الشهر الأخير من السنة ، وانتهاء بتوزيع الماء والغذاء على الفقراء والمحتاجين وحملة إفطار الصائم التي شملت كافة مقاطعات العاصمة وتستمر طيلة شهر رمضان وهي لعمري أقصر وسيلة للالتقاء المباشر بالمناضلين ومجالستهم والإحساس بهم في أماكنهم بدون وسيط.
وهذا السلوك إن دل على شيء إنما يدل على قناعة الرجل بأن عهد المطالبة بالديمقراطية والحرية قد ولى وعلى الأحزاب أن تنزل الى المواطن وتعيش معه همومه وتطلعاته وتقدم له الخدمات الازمة في وقتها، وهذا ما قاله ولد محم حرفيا بعد أن فعله حين قال : "إن الإنجازات العملاقة التي عرفتها الأمم كانت دائما بمجهود التطوع والتضحية ، وأن الاتحاد بدوره يؤسس لثقافة التطوع وروح التضحية من أجل إرساء قيم التضامن والبذل والعطاء في المجتمع".
وعليه فإن حزب الاتحاد من اجل الجمهورية يعيش اليوم فترة "استثنائية" ليست في الحضور القوي ضمن المشهد السياسي الوطني فحسب، بل وحتى على الصعيد الدولي والإقليمي حيث شارك في عدة مؤتمرات عالمية كان لها الأثر البالغ في إبراز التجربة الديمقراطية في موريتانيا، مثالا على ذلك "تصريح السيد : حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال أعرق الأحزاب في المغرب بأنه على الحكومة المغربية أن تتعامل مع المعارضة طبقا للتجربة الموريتانية مع المعارضة" كما ان الحزب سهر على تقييم الأداء الحكومي ومتابعة المشاريع التنموية بوصفه حزباَ حاكماَ يتبنى البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية ويسعى لتطبيقه بالحرف الواحد.
وخلاصة القول أن ربَّان سفينة حزب الاتحاد اليوم الأستاذ : سيدي محمد ولد محم يخطو متقدما بالحزب وفق المقاربة التي أسسه عليها أول رئيس له فخامة رئيس الجمهورية السيد : محمد ولد عبد العزيز وقد أعاد للحزب ما أفسد الدهر من رونقه ، وليس من المبالغة إن قلنا أنه بحنكته المعروفة وتاريخه الناصع ، جعل من الاتحاد من اجل الجمهورية الوجهة السياسية المفضلة للسواد الأعظم من الشعب الموريتاني، على الرغم من وجود من يسعون للتأثير على تلك المسيرة الناجحة.
بقلم : احمد مختيري