إن جرائم المخدرات متعددة ومتنوعة وهذا التعدد والتنوع يقوم على طبيعة الأفعال المكونة لهذه الجرائم، مثال على ذلك: جريمة جلب المخدرات وجريمة تصدير المخدرات، ونقل المخدرات، والاتجار بالمخدرات وإنتاج المخدرات وصنع المخدرات وزراعة المخدرات وحيازة أو إحراز المخدرات وتعاطي المخدرات وغيرها من الأفعال المكونة للركن المادي لجرائم المخدرات. أن انخفاض ملحوظ في سن التعاطي ليصل إلي مرحلتي الطفولة والمراهقة حيث تدني سن بدء التعاطي إلي 11 عاما وسن بداية التدخين إلي 9 سنوات بينما كان في السابق يتراوح ما بين 30 إلي 40 عاما، محذرا من غياب دور الأسرة حيث إن 58% من المدمنين يعيشون مع الوالدين.
مازالت مشكلة المخدرات من المشكلات المعقدة حتى الآن ؛ فهي تتطلب مزيداً من البحث والدراسة من مختلف جوانبها وتداخلاتها مع غيرها من مشكلات السلوك الأخرى ، فجرائم المخدرات من أخطر المشكلات التي تواجه المجتمعات الإنسانية ، حيث تهدد أمنها واستقرارها ، وتشكل عبئاً ثقيلاً ومتزايداً عليها ، حيث تأتي المخدرات على رأس قائمة الشرور التي تقف أمام التنمية والتحديث . ولم تعد جرائم المخدرات مقصورة على الرجال ، بل أصبحنا نلاحظ تورط النساء في تلك الجرائم ، وما يترتب على ذلك من تورطهن في أنشطة إجرامية ، وأن مساوئ جرائم المخدرات ، لا يقتصر على مرتكبات جرائم المخدرات ، بل يمتد ليشمل أيضاً أطفالهن ، فالمشكلة لا تتمثل في هذا الجيل بل في الأجيال المقبلة أيضاً ( محمد رمضان ، 37:1982 ) .
والمخدرات بوصفها مشكلةً اجتماعية ، وليدة خلل يصيب نظم المجتمع الاجتماعية و الاقتصادية ، فالتاجر والزارع والمهرب والصانع والموزع يرغب كل منهم في تحقيق الثراء السريع ، أما المدمن فهو يريد الهروب من الواقع المعايش إلى العالم الغيبي والانغماس في الاتجاهات والنزاعات المتطرفة ( شادية قناوي ، 2000 : 198- 199 ) ، وتنتشر جرائم المخدرات في معظم دول العالم ، مما يمثل تحدياً خطيراً يتعين مواجهته ، وتتضافر عوامل داخلية في كل مجتمع مع العوامل الخارجية المرتبطة بالعولمة والنظام الاقتصادي الجديد لكي تزيد المشكلة تفاقماً( علا مصطفي , 2000 : 96 ) . حيث إن زراعتها ، وإنتاجها ، وتحويلها ، وتصنيعها ، وتخليقها ، وتخزينها، وتهريبها ، والاتجار فيها، وعرضها، وترويجها، وتعاطيها ، وإدمانها لم يقتصر على دولةٍ بعينها ولا إقليمٍ بذاته ، وإنما أصبح هذا النشاط متعدد الحلقات ، عابراً للدول والقارات وشاملاً لقارات العالم بأسره ( علاء الدين شحاتة ، 2004 : 1095) .
فلقد زاد الإنتاج العالمي للمخدرات ، وكان لتكنولوجيا الاتصال والمواصلات دورُُ حيويُُّ في تسهيل انتشار المخدرات من ناحية ، ونَشْر ثقافة الجنس من ناحية أخرى ، وهي الثقافة التي تؤدى دوراً في انتشار المخدرات وتعاطيها ، فإذا كانت ظاهرة المخدرات القديمة شأناً قومياً في الأساس ، فإن المخدرات المعاصرة شأنُُ عالمي .
وتتمثل خطورة المخدرات في أنها تعطل الإرادة الإنسانية ، حيث يتحول الإنسان إلى عبد لعاداته الإدمانية ، الأمر الذي يجعله يفقد عقله وإرادته ، ويصبح مستعداً لأن يقدم أي شيء في سبيل الحصول على المخدر حتى ولو كان ذلك على حساب شرفه وعرضه ، هذا بالإضافة إلى ارتكاب السلوكيات الإجرامية أو المنحرفة ( علي ليله ، 2007 : 7-12 ) ، كما أن حجم تجارة المخدرات - كما تم تقديرها في عام 1999م – وصل إلي خمسة آلاف مليار دولار سنوياً ، وهذا الرقم يكفي - لو انفق على الخدمات - أن يحيل الكوكب الذي نعيش فيه إلى جنة ، لا يشكو منه أحد من بني الإنسان ، كما كان إجمالي المبالغ التي تم غَسْلها من تجارة المخدرات 120 مليار دولار في شبكة القطاع المالي الدولي ( فرج طه ، 2005 :429-430) .
فالمخدرات تدمر الاقتصاديات القومية للدول ، والاقتصاديات الأسرية ، وتنزل بإنتاجية المدمن إلى الحضيض ، وتزيد من الحوادث المميتة في وسائل المواصلات( عادل الدمرداش ، 1982 : 91) .
وتؤدي المخدرات إلى الانهيار الثقافي في أي مجتمع حيث نجد أن التاجر والمدمن ينفصلان عن ثقافة المجتمع الذي يعيشان فيه بحيث يساعد على زيادة الشقاق بينهما وبين المجتمع ، مما يدفعهما إلى الاندماج في ثقافة المخدرات، كما تتمثل خطورة المخدرات أيضا في أنها تهدد الأمن الخارجي والأمن الداخلي ، فهناك قوي خارجية تحاول تسريب بعض المواد التي يؤدي تعاطيها إلي الإضرار بشرائح عديدة من البشر ، وقَتْل روح الفاعلية في المواطنين ، كما أنها تهدد الأمن الداخلي حيث إن المخدرات تشيع حالة من الاسترخاء لدي شرائح عديدة في المجتمع ، وخاصة الشرائح الفاعلة في إطاره ، كالشباب ، فتجعل قطاعات كبيرة منها مغيبة عن الوعي وغير فاعلة في عمليه الإنتاج ، ومنسحبة من عملية تنمية المجتمع وتحديثه , كما أن المخدرات تؤدي إلي اقتطاع جزء كبير من الدخل للإنفاق علي السموم والإضرار بالصحة وعدم الوعي بالمشكلات المختلفة ، هذا بالإضافة إلي أن المخدرات ترتبط بالعديد من الجرائم كالبلطجة والاغتصاب والسرقة. وعلى أية حال، فأن مصر كما يقول محمد الجوهري تتعرض إلى ما يشبه الكارثة القومية من خلال تآمر بعض القوى الخارجية وتعاون قوى داخلية على إغراق الأسواق المصرية بكم هائل من المخدرات ،الأمر الذي يجعلنا ننادي بضرورة الاهتمام بحراسة بوابات مصر وضرب تلك القوى المدمرة ( محمد الجوهري وآخرون , 2006 : 54 ) .
لقد كانت جرائم المخدرات قديماً تنتشر بالأساس بين الذكور ، وذلك باعتبار أن المجتمع كان أكثر حماية للإناث ، وهي الحماية التي تتجلى في تنشئتهم الاجتماعية على أساس من القيم والعادات والتقاليد ، إلا أنه تحت تأثير التحولات التي خضعت لها المجتمعات ، وما بدأت المرأة تؤديه من دور فى المشاركة في تفاعلات المجتمع ، فإنه كان منطقياً أن تشارك المرأة في بعض الظواهر السلبية ومنها جرائم المخدرات .
وحينما تدخل المرأة في مجال الجريمة أو الانحراف بشكل عام ، فإن المجتمع يميل إلي التعامل معها بأسلوب نمطي مبتذل لا يحيد عنه ، فالنساء اللاتي يدخلن فى علاقات جنسية متعددة مع آخرين ، يُنْظر إليهن بشكل فيه درجة عالية من التحقير والازدراء أكثر من الرجل الذي يكون له هذه العلاقات نفسها ، فالآراء الثقافية والاتجاهات تؤثر في كيفية إدراكهن ووصمهن بالإجرام ، ويؤكد المنظور النسوى أيضاً علي أن الانحراف والجريمة بين الرجل والمرأة يرتكز أساساً علي العلاقات الاقتصادية ، حيث إن الرجال يكسبون مادياً بشكل أكثر من زوجاتهم ، و لذا فإن الزوجات نادرا ما يتقدمن إلي السلطات لعرض مظاهر سوء معاملة الأزواج لهن ، حيث إن ذلك يؤدي إلي فقدان الأَوَلِيِّات والأساسيات لهن بل ومصدر الدخل الوحيد . وفي أماكن العمل يمتلك الرجال مكانة أفضل من النساء بل ويحصلون علي أجور أفضل منهن ، بما يتيح للرجال فرصا أكبر في الاندماج في جرائم مثل الاختلاس والاحتيال والنصب ، وأنه حينما تحصل النساء علي دور أكبر في المنزل والعمل , فإن التباين النوعي في مجال الانحراف والجريمة يميل إلي التقلص
.وتتوقع المدرسة النسوية زيادة هائلة في جرائم المرأة ، خاصة في جرائم ذوي الياقات البيضاء وسلوك السُّكْر ، وتعاطي المخدرات ،ومعدلات الأحكام المتباينة بين الذكور والنساء ، حيث إن مثل هذه الموضوعات تعد من الأمور الجوهرية في كيفية تحديد الانحراف والجريمة من وجهة نظر المدرسة النسوية ، ويأخذ علماء الاجتماع منذ أكثر من قرن العديد من المداخل لدراسة الانحراف من الزوايا المتعددة
كما تشير الإحصاءات في كثير من الدول إلى أن إجرام المرأة يختلف عن إجرام الرجل سواء من حيث الكم أو الكيف ، ويفسر بعض الباحثين ذلك باختلاف الوضع الاجتماعي والوضع الثقافي لكل من المرأة والرجل ، فالرجل يواجه أعباء الحياة الاقتصادية في مرحلة مبكرة من حياته ، أما المرأة فهي تعيش في كنف الرجل وتخضع لكثير من القيود ووسائل الحرية ، الأمر الذي يؤدي إلي زيادة فرص الضبط لديها ، ويفترض بعض الباحثين أن الاختلافات البيولوجية قد تكون سببا في اختلاف معدل الجرائم بين المرأة والرجل ، حيث إن التنشئة الاجتماعية تؤدي إلي خلق ذكر يتسم بالعدوانية والاستقلالية والإيجابية ، في حين تؤدي هذه التنشئة بالمرأة إلي أن تكون تقليدية وإتكالية ، وأن العوامل التي تؤدي إلي ارتكاب النساء للجرائم بشكل عام راجع إلي رفض النساء مرتكبات الجرائم للسمات والخصائص الأنثوية ، في مقابل رغبتهن الحادة في اكتساب القيم والخصائص الذكورية
وتشير كثير من الدراسات إلي أن نمط الجريمة له علاقة بالنوع ، فالذكور أكثر ميلا إلي ارتكاب الجرائم ضد الأشخاص ؛ والجرائم ضد الأموال ، في حين أن الإناث أكثر ميلا إلي ارتكاب الجرائم ضد النظام العام ، كالدعارة ، ففي إحدى الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1995 أتضح أن حوالي 64 % من الإناث اللاتي يتعاطين المخدرات قمن بعملية مبادلة الجنس بالنقود Exchang sex من أجل شراء المخدرات ، كما أن هناك بعض الإناث قمن بعملية المقايضة الجنسية Bartered sex من أجل الحصول علي مُخَدِّر الكوكايين ، وتتم عملية المقايضة الجنسية من خلال إقامة كثير من الإناث في بيوت لمدة كبيرة من الزمن ، يقمن خلالها بتقديم أفضل ما لديهن من مهارات جنسية للرجال الطالبين للمتعة ، وذلك لضمان الإمداد المستمر لهن بالمخدرات ولذا يجب تفسير جرائم المرأة في ضوء عمليات التهميش الاقتصادي لهن ، كما أنه لابد من التفرقة بين المرأة التي من الطبقة المتوسطة ، والمرأة التي من الطبقة العاملة ، فالمرأة في الطبقة المتوسطة استفادت من التغيرات الحادثة في سوق العمل ، أما وضع المرأة في الطبقة العاملة فقد ازداد سوءا ، ولذا فإن الدعارة تعد منطقة الانحراف النسائية الوحيدة ، وهي تعد بمنزلة اختيار عقلاني للمرأة في الطبقة العاملة ، حيث الإذعان لموقف الفقر ، كما أنه يعد بمنزلة معبر اقتصادي للنساء اللاتي يحتجن إلي رعاية أنفسهن وأطفالهن ، وعندما تكون الأسرة منحرفة أو بها أشخاص منحرفون ، هنا يصبح قدر الانحراف الذي تتعلمه المرأة أكبر وأخطر ، ولذا فإن الحرية للمرأة في الطبقة العاملة تساوي ارتكاب الجرائم ، فتحرير المرأة بمعني خروجها للعمل والحياة ، قد منحها أيضا الحرية في ارتكاب الجرائم ( فهد الثاقب ، 1986: 160 ) .
وتشير اتجاهات الدراسات العالمية التي تمت على الجريمة النسائية إلى أن جرائم النساء أقل من جرائم الذكور ، وأقل خطورة وعنفاً ، كما أنها أقل من حيث التكرار ، وكذلك بالنسبة إلى اعتماد تجارة المخدرات بصفة أساسية على الذكور ، وإن تغير الوضع في أواخر التسعينيات مع تطور وسائل الاتصالات وطرق التوزيع ، مما فتح المجال للاعتماد بصفة أساسية على النساء ، حيث زادت نسبة المسجونات في تُهَمٍ تتصل بالمخدرات إلى 300% ، في كل من انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1979 وحتى 1997( سهير عبد المنعم ، 2009 : 302) .
ويمكن تحديد مشكلة الدراسة الحالية على نحو دقيق فى تساؤل رئيسي مؤداه ما مدى الاختلاف أو التشابه بين الرجال والنساء مرتكبي جرائم المخدرات من حيث أنماط الجرائم التي تم ارتكابها ، وظروفهم الأسرية ،وتاريخهم الإجرامي ، وسوابقهم الإجرامية ، وأنواع جرائم المخدرات التي تم ارتكابها ، والعوامل التي أدت إلى ارتكابهم لتلك الجرائم ، والعوامل التي أدت إلى عودة البعض منهم إلى ارتكاب تلك الجرائم ، والأساليب التي يمكن من خلالها الحد من جرائم المخدرات .
ويأمل الباحث في أن يُوَفَّقَ ، في توضيح ملامح جرائم المخدرات بين الرجل والمرأة في مصر . ولتحقيق ذلك اشتملت الدراسة علي ثمانية فصول تضمنت مدخلاً لمشكلة المُخَدِّرات ، والاتجاهات التفسيرية لجرائم المخدرات ، والدراسات السابقة ، والإجراءات المنهجية للدراسة ، وأنماط وحجم الجرائم في مجتمع الدراسة ، والخصائص الاجتماعية والديموجرافية لمرتكبي جرائم المخدرات ، وتاريخهم الإجرامي ، وعوامل ارتكاب جرائم المخدرات والعودة إليها ، وكيفية مواجهتها .
أن العلاقة وثيقة بين التدخين وإدمان المخدرات مشددا علي أن عقار الترامادول يأتي كأكثر أنواع المخدرات انتشارا يليه مشتقات القنب ثم المورفينات والمهدئات والمنشطات. وأكد تقرير اللجنة، أن هناك معتقدات خاطئة وشائعة بين الشباب عن المخدرات تتمثل في أن 30.6% من المدمنين يتصورون أن المخدرات تؤدي إلي زيادة القدرة البدنية لفترات أطول و36.6% يعتقدون بالخطأ أنها تؤدي إلي نسيان الهموم و 34.8% يلجأون إليها للتغلب علي الاكتئاب.
وكشفت تقارير وزارة الصحة عن ارتفاع نسبة التعاطي في القاهرة لتصل 7% مع تصاعد نسب استعمال المخدرات في مصر خلال ال 5 سنوات الأخيرة بشكل مطرد حيث قفز مؤشر استخدام المخدرات في الفئة العمرية فوق 15 سنة إلي 30% .
وانتقدت اللجنة فى تقريرها اعتبار أقسام علاج الإدمان جزاء من مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية مما يؤدي إلي مردود غير مرغوب فيه، وكذلك الاختلاط في المصحات بين الحالات المحولة من المحاكم والحالات التي تأتي متطوعة مشيرا إلي أنه مازال من غير الممكن حجز المدمنين الأقل من 18 عاما عندما يتقدمون من تلقاء أنفسهم أو من خلال أسرهم نتيجة لمشكلات تتعلق بالتشريع الخاصة بهم.
ويعد الشخص مرتكباً لجريمة المخدرات إذا توافر في سلوكه إحدى تلك الصور من الأفعال، أي أن يكون سلوكه أو نشاطه متضمناًَ أي فعل من تلك الأفعال المكونة للركن المادي لجرائم المخدرات إضافة إلى وجود رابطة سببية بين فعله والنتيجة الإجرامية أي أن هذه النتيجة حصلت بسبب أو الفعل الأفعال التي قام بها ، والى جانب هذا الركن المادي يجب أن يتوافر ركن معنوي لقيام جرائم المخدرات يتمثل في القصد الجنائي والذي يعني اتجاه إرادة الجاني إلى الارتباط بالمادة المخدرة على النحو الذي يخالف القانون مع علمه بذلك إلا انه إلى جانب هذا القصد العام اشترط القانون اليمني توافر قصد خاص في بعض جرائم المخدرات لا سيما جريمة حيازة أو إحراز المخدرات إذ قرر عقوبات مختلفة ومتدرجة تتناسب مع كل قصد من المقاصد التي يتطلبها القانون في تلك الصور المختلفة لهذه الجريمة وهذه المقاصد التي يعتد بها قانون مكافحة المخدرات هي : قصد الاتجار وقصد الترويج وقصد التعاطي والاستعمال الشخصي وقصد التقديم للمتعاطي أو تسهيله للغير .
ولذلك فإن من الأهمية أن يبين الحكم القضائي القصد الخاص في الجريمة إذ تختلف العقوبة المقررة لكل صورة من هذه الصور تبعاً لنوعية القصد الخاص. كشفت الإحصائية عن تزايد وارتفاع مؤشر الجنايات من 8105 خلال عام 2012 إلى 8938 جناية في 2013 بزيادة بلغت 10 في المائة، أما في قضايا الجنح فتم تسجيل 26440 جنحة عام 2012 ارتفعت إلى 27200 في عام 2013 بنسبة زيادة 2 في المائة.
فيما أفادت الإحصائية أن عدد القضايا المعلومة والمجهولة التي لم تحل كالتالي:
عام 2009 تم حل 15294 قضية مقابل 7563 قضية مجهولة، وفي عام 2010 تم حل 15277 قضية مقابل 8416 قضية مجهولة، وفي عام 2011 تم حل 14151 قضية مقابل 10252 قضية لم تحل، وفي عام 2012 تم حل 14928 قضية مقابل 11512 قضية مجهولة، وفي عام 2013 تم حل 15725 قضية مقابل 11277 قضية مجهولة.
وعلى صعيد محافظات البلاد، سجلت محافظة العاصمة انخفاضا في معدلات الجريمة من 4515 جريمة خلال عام 2012 إلى 4217 خلال عام 2013فيما سجلت بقية المحافظات ارتفاعا ملحوظا في معدلات الجريمة، وتصدرت محافظة الشرقية بـ7131 جريمة عام 2012 ووصلت إلى 7281 عام 2013، تليها الجيزة بـ5674 جريمة في 2013 وصلت إلى 5946 عام 2013، ثم القليوبية .
وعن الجنسيات، تصدر المواطنين المركز الأول بـ 3104 جرائم عام 2012 ارتفعت إلى 3609 عام 2013، يليهم غير محددي الجنسية «البدون» بـ 806 جرائم عام 2012 مقابل 853 جريمة عام 2013، فالمصريون بـ 737 جريمة عام 2012 وصلت إلى 816 عام 2013 ويليهم السعوديون بـ 257 جريمة عام 2012 وصلت إلى 314 جريمة عام 2013، فالسوريون بـ 300 جريمة عام 2013 ويليهم الهنود بـ 421 جريمة عام 2012 وصلت إلى 280 جريمة عام 2013 ثم الجنسية البنغالية بـ 192 جريمة، فالإيرانيون بـ 119 جريمة ثم الأردنيون بـ 102 جريمة، وكان اقل الجنسيات ارتكابا للجريمة اللبنانيون بمعدل 51 جريمة عام 2012 تقلصت إلى 24 جريمة عام 2013.
وربطت الإحصائية زيادة معدل الجريمة للوافدين بزيادة أعداد بعض الجاليات عن المعدل وارتفاع «الكوتا» للبعض الآخر . وأوضحت الإحصائية بعض الملاحظات على قصور الأداء الأمني وأرجعته إلى نقص العناصر الأمنية في جهاز الشرطة لمواجهة تزايد عدد السكان، وهو الأمر الذي تسعى وزارة الداخلية إلى مواجهته بزيادة استقطاب الشباب للعمل في الجهاز ألامني، وكذلك تطور إشكال الجريمة ونوعية الجرائم، لاسيما المستحدثة، وهي الجرائم المتصلة بالشبكة العنكبوتية ووسائل الاتصال الاجتماعي، مثل السب والقذف والاحتيال والتحريض على الفسق والتشهير وغيرها، وقد واكبت الوزارة هذه الجرائم وأنشأت الإدارة الالكترونية في المباحث الجنائية لمواجهتها وضمان حق التقاضي للمشتكين من أصحاب الحقوق، وكذلك عدم تفاعل مؤسسات المجتمع المدني وغياب دور الأسرة، وهو ما جعل وزارة الداخلية تعمل مستقبلا للتواصل مع تلك الفعاليات لتعزيز الأمن المجتمعي.
وأشارت الإحصائية إلى تقلص واضح في معدلات الوفيات بسبب الحوادث المرورية، وعزت ذلك إلى الإجراءات والخطوات المتشددة التي أخذت بها الوزارة ممثلة بقطاع المرور، مثل ملاحقة المستهترين وسحب المركبات وحجزها ووضع بلوكات على مخالفي السرعة وتجاوز الإشارة الحمراء، وتطبيق عقوبات الحجز والسجن، إضافة إلى تفعيل العقوبات المعطلة
إن للمخدرات أسباب كثيرة تساعد على انتشارها بين أفراد المجتمع وخاصة الشباب منهم ويمكن أن نحصر هذه الأسباب فيما يأتي:
1) انعدام التربية السليمة في البيت :
إن السبب الأول في انحراف الشباب هو التربية الغير سوية من طرف الوالدين ,فالطفل كالصفحة البيضاء ترسم فيها ما تشاء فإذا كانت تربيته منذ البداية مبنية على أسس ومبادئ الدين الإسلامي فالنتيجة هي إنسان صالح بإذن الله تعالى ,ولا اقصد في قولي بأن كل اللوم يكون على الوالدين فهناك الأسرة والمدرسة والمجتمع ولكن ما أقصده هو أن الطفل أول ما يفتح عينه يرى أمه وأباه , فإذا وجد الطفل الأب يدخن مثلاُ وهو يعتبر هذا الأب قدوة له فإنه والحال هذا يكون من الصعب إقناعه بعدم التدخين إذ كيف يستطيع الأب أن يمنع ابنه عن شيء هو يفعله , وكما قيل قديما فاقد الشيء لا يعطيه , والعكس بالعكس فإذا كان الأب ذا أخلاق وبعيد عن الرذائل , فالنتيجة تكون بإذن الله طفل صالح.
2) الفـراغ عند الشباب وخطـورته :
الوقت هو حياة الإنسان ولا بد من استغلاله فيما يعود عليه بالنفع، فكم من أناس يقضون أوقاتهم في غير فائدة تذكر، أو منفعة تسطر!! ولما كان الفراغ قاتلاً للأوقات، خاصة وقت الشباب الذي هو أغلى شيء؛ كان الاهتمام به أبلغ وأشد إن الفراغ في حياة المرء أمره خطير، وشره مستطير، وخاصة عند الشباب.
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
لأن الفراغالسيئة:لمرء إن لم يوجه في الخير فإنه يسبب مشاكل كثيرة؛ ولذا لا بد أن يملأوا أوقاتهم بما يفيدهم ويفيد أمتهم , وإلا كان وبالا عليهم , وقضيتنا هذه من هذا القبيل , فالفراغ قد يؤدي بصاحبه إلى تناول المخدرات إن لم يستغله فيما ينفعه , إن الفراغ نعمة في حق العبد إذا استعمله فيما يعود عليه بالنفع في دنياه وأخراه، أما إذا لم يغتنمه الشاب تحول من نعمة إلى نقمة، ومن منحة إلى محنة، ويصبح شبحًا مخيفًا يحول الشاب إلى ألعوبة بيد شياطين الجن والإنس , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ﴾ , و قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ﴿إني لأمقت الرجل أن أراه فارغًا، ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة﴾.
3) الرفقة السيئة :
إن الاتصال بقوم منحرفين و مصاحبتهم يؤثر كثيرا على الشباب في عقله و تفكيره. إن من أهم عوامل وقوع بعض الشباب في بعض الرذائل والتي من ضمنها موضوع بحثنا هذا هي الرفقة السيئة ,فالحذر الحذر من رفيق السوء، فإنه يُفسد عليك دينك ودنياك ، يجرّك إلى الرذيلة، ويباعدك من كل فضيلة، حتى يُجرّئك على فعل الموبقات والآثام، والصاحب ساحب، فقد يقودك إلى الفضيحة والخزي والعار، ويوقعك في المحذورات من التدخين وشرب الخمر و المخدرات.
4) البيئة المحيطة بالشباب :
قال صلى الله عليه وسلم: ﴿كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه﴾ , فكل إنسان يولد على الفطرة التي فطره الله عليها , وإنما ينحرف بسبب ما يجد عليه من حوله , ويتغير بما يجده أمامه , فالنفس البشرية قابلة للخير والشر، وعندها استعداد للاستقامة أو الانحراف والبيئة هي التي تعزز ذلك وتيسره , فللبيئة تأثير خاص على الإنسان، فإن تربى في بيئة تعتز بالفضيلة والأخلاق الحسنة، صار الإنسان كذلك ، وإن عاش في بيئة فيها من الفساد الأخلاقي والفكري، أصبح على حسب ما فيها منه ، فالإنسان يؤثر ويتأثر.
5) الأعلام : إن الإعلام سلاح ذو حدين من الممكن أنالشباب,فعًا، ومن الممكن أن يكون عاملاً من عوامل الانحراف، ولكن ما نشاهده اليوم عبر الصحون الفضائية , إبتداءا من أفلام الكارتون إلى المسلسلات والأفلام وغيرها من البرامج فيها من نشر الانحراف كالرقص والزنا وشرب المخدرات وجرائم السرقة الشيء الكثير ,فكل هذا ما هو إلا طريق للانحراف الفكري والسلوكي لدى أبناء مجتمعنا.
هذه بعض الأسباب الرئيسية التي تكون سببا في انحراف الشباب , هذا وثمة أسباب أخرى لوقوع الشاب في شبح المخدرات فهذه الأسباب على سبيل المثال لا على سبيل الحصر إذ الموضوع أكبر من أن يحاط بهذا البحث البسيط. والآن وبعد أن عرفنا أسباب الانحراف وجب علينا أن نبين الآثار الاجتماعية والصحالتعاطي, المخدرات وهي موضوع بحثنا الثاني.
الآثار الاجتماعية والصحية لتعاطي المخدرات
للمخدرات آثار على الفرد والمجتمع من أهمها ما يلي :
1) الإدمان سبب في انحراف أفراد الأسرة
حيث يقوم المتعاطي أو المدمن بشراء المواد المخدرة من قوته وقوت أولاده تاركا أسرته للجوع والحرمان , الأمر الذي يؤدي بأفراد أسرته إلى السرقة والتسول.
2) نقل عادة التعاطي إلى أفراد الأسرة
فإذا تكرر تعاطي المخدرات من رب الأسرة فهذا سوف يثير فضول أبنائه ويدفعهم إلى التعاطي , كما قد يرسل الآباء أبنائهم لجلب المخدرات من بعيد , ومن المعروف أن الطفل سريع التأثر بأبيه وتقليد أفعاله.
3) عدم الأمان في البيت
حيث يكون البيت بصفة مستمرة عرضة للتفتيش من جانب أجهزة الأمن بحثاُ عما بحوزة الشخص من المخدرات التي يتعاطاها , مما يشعر أفراد الأسرة بعدم الأمان داخل البيت ، بالإضافة إلالأتي:دثه أقران رب الأسرة المدمن من الفوضى والتعدي على البيت و على أفراد الأسرة مما يحدث القلق المستمر لدى الأم و الأولاد.
4) التفكك الأسري
يؤدي تعاطي المخدرات إلى انتشار التفكك الأسري لما يسببه من مشكلات ينتج عنها الطلاق أو الهجرة بالإضافة لما يسببه من سلوك سيء بين أفراد الأسرة الواحدة .
5) إنجاب أطفال مشوهين
قد يؤدي تعاطي المخدرات خلال فترة الحمل إلى تشوه الجنين وذلك حسب إحدى الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة حيث بلغت نسبة ولادة أجنة ميتة للنساء التي يتعاطين المخدرات 35 في المائة ونسبة المشوهين 55 في المائة.
6) التأثير الصحي على متعاطي المخدرات بصفة خاصة
حيث يؤثر تعاطي المخدرات على الجهاز الهضمي , والجهاز التنفسي , كما يؤثر على الأعصاب , ويسبب فقر الدم.
هذه هي الآثار الاجتماعية والصحية التي يسببها تعاطي المخدرات , وهي ليست كل الآثار إذ ثمة أثار أخري لا يمكن تغطيتها بهذا البحث المختصر.
العوامل التي تساعد على القضاء على المخدرات
إذا ما نظرنا إلى أهم العوامل التي تساعد على القضاء على انتشار المخدرات بين أفراد المجتمع وجدنها وبصورة خاصة هي تلك العوامل التي ذكرنها في المبحث الأول إذا ما قومت التقويم الحسن وهي على النحو الأتي :
1) التربية السليمة في البيت
فإذا ما كانت تربية الابن من الأساس صالحوالهواجس،المستبعد أن يخرج ذلك الابن على غير ذلك , فعليه يجب أن يكون الأبوان على قدر من الأخلاق والسلوك الحسن حتى يكونا قدوة له , وكما قيل :الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق.
2) استغلال الوقت
فالفراغ كما قلنا في المبحث الأول من أسباب الوقوع في الرذائل , وقد قرر علماء النفس والتربية في الغرب أن فراغ الشباب يعد واحدا من أكبر أسباب الجرائم فيها. وأجمعوا على أن الشاب إذا اختلى بنفسه أوقات فراغه وردت عليه الأفكار والهواجس ، والأهواء ، فلا يجد نفسه الأمارة إلا وقد تحركت وهاجت أمام هذه الموجة من التخيلات والأهواء والهواجس، فيتحرك لتحقيق خيالاته مما يحمله على الوقوع في كثير مما هو محظور. وعلاج هذه المشكلة إن يسعى الشباب في تحصيل عمل يناسبه من قراءة أو تجارة أو كتابة أو غيرها مما يحول بينه و بين هذا الفراغ و يستوجب أن يكون عضوا سليما عاملا في مجتمعه لنفسه و لغيره.
3) الرفقة الحسنة , و البيئة المحيطة بالشباب
فقد قررنا سابقا أن كلا من الرفقة السيئة والبيئة المحيطة بالشخص لها التأثير المباشر عليه فهي إما أن تكون له أو تكون عليه وخير من مثل ذلك هو رسولنا الكريم في الحديث السابق الذكر وهو قوله صلى الله عليه وسلم ﴿مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك : إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة﴾متفق عليه , فمثل صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك , والرفيق السوء بنافخ الكير , ثم بين صلي الله عليه وسلم عاقبة كل من رفقة الاثنين , فالأول أقل شيء تجده منه هو الريح الطيبة , والثاني أقل ما تجده منه أن يحرقك أو يحرق ثوبك , فوجب على الإنسان أن يتحرى الصديق الصالح ويبتعد عن الجليس السوء.
4) الإعلام إن للإعلام تأثيرا سلبيا على عقول الناس جميعًا كبيرهم وصغيرهم وقد تنوع الإعلام بين مرئي ومسموع ومقروء كلها تقصف العقول قصفا فلهذا وجب على المختصين أن يكافحوه بنشر كل ما هو من شأنه توعية المواطن , بحيث يكون همه الوحيد هو نشر كل ما هو مفيد , والتحذير من كل ما هو مشين فبهذا يمكننا القضاء على كل ما هو مخالف لعاداتنا الإسلامية والأخلاقية.
وظاهرة تعاطي المخدرات كأي سلوك انحرافي في المجتمع ما هي في الواقع إلاّ نتاج للكثير من المعطيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة… هذه المعطيات التي تشكل في مجملها أسباب حقيقية لانتشار هذه الظاهرة أو تلك.
قد أصبحت المخدرات ظاهرة ملحوظة في أوساط الشباب خصوصاً في السنوات الأخيرة كما دلت عليه الأرقام السابقة الذكر… وأصبحت هذه الظاهرة مركز لاهتمام العديد من الجهات الرسمية منها أو غير الرسمية من مؤسسات شعبية وجماهيرية وأفراد مختصون، حيث عقدت العديد من الندوات الاجتماعية حولها ولم تخلو الصحف والجرائد المحلية يوميا من الحديث عن هذه الظاهرة، باكتشاف محاولة تهريب أو وفاة احد الشباب… وغيرها من أحداث متتالية عن هذه الظاهرة. وبالرغم من أن العديد من الدراسات التي حاولت أن تتناول أسباب انتشار ظاهرة المخدرات في المنطقة قد وقفت على جزء من الأسباب الحقيقية التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة، إلاّ أنها ـ المحاولات والدراسات رغم شحتها ـ كانت أما رسمية لا تتوخى الموضوعية للمخدرات بعوامل وأسباب ذاتية ذات صفة شخصية في المتعاطي، وهذا خطأ كبير وقعت فيه هذه الدراسات الرسمية ـ وأما كانت محاولات ودراسات نثق بجديتها وموضوعيتها في الطرح، إلاّ أنها ليست حرة، وكانت محكومة بطبيعة الظروف السياسية التي لا تسمح للباحث إن يطرق أبواب معينة لتبيان حقيقة هذه الأسباب.
وتأكيداً على بعض ما جاء في هذه الدراسات والندوات الجادة حول هذه الظاهرة فأننا نرى بان هذه الأسباب تتلخص في الجوانب التالية:
ـ الأوضاع السياسية التي تعيشها المنطقة ودور السلطات في تخريب الشباب.
ـ المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي رافقت الطفرة النفطية في المنطقة منذ عام 1973 م.
ـ الأسرة ودورها في تربية أبنائها.
ـ المدرسة والمستوى التعليمي.
ـ الإعلام.
ـ العمالة الأجنبية.
هذه الأسباب التي نراها في مجملها وتداخلاتها المختلفة قد لعبت الدور الرئيسي لبروز وانتشار ظاهرة تعاطي المخدرات كإحدى المظاهر العديدة السيئة التي برزت في الخليج بشكل عام. هذه الأسباب التي سوف نأتي على تناولها بشئ من الإيضاح والتفصيل.
أولاً ـ دور الأوضاع السياسية في بروز الظاهرة:
منذ إن تسلطت الأنظمة العشائرية في الخليج على دول المنطقة وهي تعاني من عزلة جماهيرية خانقة ـ حيث ألحقت المنطقة بكل ما تملكه من ثروات مادية وبشرية لمصالح الدول الغربية وأمريكا التي جعلت من منطقتنا جزء من مناطق نفوذها وهيمنتها في مقابل الحفاظ على عروض ومصالح الأمراء والملوك من غضبة وسخط جماهير المنطقة.
وعلى مدار العشر السنوات الماضية اجتاحت المنطقة أوضاع سياسية خانقة، حاولت السلطات من خلالها إن تكبل حرية المواطن وتفرض عليه قيود متعددة من جانب ـ وانتفت فيها كافة إشكال الحريات الديمقراطية وازدياد حياد القمع والإرهاب في صفوف الشباب بحملات متتالية من الاعتقال والمطاردة والمضايقات ـ ومصادرة حقه في التعبير والمشاركة في اتخاذ القرار السياسي وحتى حقه في المعارضة وحريته في تشكيل نقاباته ومؤسساته الجماهيرية المختلفة التي يمكن إن تعبر عن حقيقة هموم الشباب في المنطقة.
بالإضافة إلى كل ما رافق هذه الإجراءات السياسية من ظروف اجتماعية خانقة للشباب، أبرزها تفشي حالة البطالة بين المئات منهم، وحالة الفراغ التي خلقتها تلك الإجراءات اللا ديمقراطية في المنطقة التي فرضت على ما هو قائم من المؤسسات والأندية الاجتماعية والجمعيات النسائية والطلابية من قيود وقوانين، إلى الدرجة التي أفرغتها من محتواها الاجتماعي الذي كان يجد فيها الشباب نسبة من إملاء أوقات فراغهم فيما مضى من السنوات، حيث لم تعد تلعب تلك المؤسسات والأندية هذا الدور الاجتماعي في الوقت الحاضر، بل تحول بعضها إلى أوكار للتجسس وأداة تخريب للشباب عن طريق الهائهم فقط بالرياضة وتأجيج النعرات الإقليمية من خلالها بين أبناء المنطقة الواحدة، ليسهل لهذه الأنظمة العشائرية إن تمسك وتدير دفة هذه النعرات وتعمل في تعميقها في صفوف الشباب!!.
وحيث كانت مختلف فئات الشعب المقهورة تعاني من وطأة هذه الأوضاع والقوانين التي تكبل حريتها وكرامتها التي لا عد لها ولا آخر، وبات تذمر المواطن جريمة واستيائه خروج عن القانون يعاقب عليه!!
وبهدف تخدير الشباب وضياعه وإبعاده حتى عن التفكير بهمومه الوطنية والقومية وجعله إنسان غير مبالي وغير منتج في المجتمع ـ لم تتردد بعض الأنظمة الخليجية ـ كالبحرين وقطر والإمارات مثلاً بنصيحة الأسياد في الغرب وأمريكا باستخدام سلاح المخدرات لمواجهة هذا السخط والتذمر من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الخانقة التي تسير عليها الأنظمة في علاقاتها مع الجماهير ـ وروجت للمخدرات في المنطقة وتغاضت، بل وتساهلت مع المتاجرين فيها من الأجانب وأبناء الطبقات الحاكمة ودفعت بخلق الشبكات للتهريب والتعاطي في وسط الشباب الغير واعي، وخاصة بين المساجين والمنحرفين ـ حيث يبرز دور ضباط امن بدلاً من دورهم في مكافحة هذه الظاهرة فأنهم يقومون بتهريب المخدرات لعملائهم حتى في داخل السجن لإغراء العديد من السجناء للعمل معهم في سلك المخابرات مقابل التساهل معهم في المتاجرة بهذه المادة ونشرها في أوساط الشباب دون أي اعتبار لخطورتها على المجتمع ككل ـ وذلك انطلاقاً من إصرارهم على تحقيق الهدف السياسي من وراء المخدرات والذي سبقهم في تحقيقه الكثير من الدول الغربية والتجارب التاريخية تشهد على فاعلية هذا السلاح في تحقيق هذا الهدف.
ومن جهة أخرى فقد كانت لمجمل نتائج الوضع السياسي الخانق الذي يصطدم به الشباب وعدم قدرتهم على مواجهة هذا الواقع المتمثل في سلب الحرية والكرامة ـ وعجزه عن تحقيق جزء من الحلم الذي ظل يراوده في تحقيق أمنه وسلامته ـ قد دفع العديد من الشباب الغير واعي والعاجز عن مواجهة هذا الواقع إلى الانخراط في متاهات هذا السلوك ألانحرافي اعتقاداً منه بأن المخدرات وغيرها من المسكرات قد تبعد عنه، أو تبعده عن هذه الهموم.
ثانياً ـ المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية:
بعد الطفرة الاقتصادية التي بدأت في المنطقة مع ارتفاع أسعار النفط منذ عام 1973، وما أحدثته هذه الطفرة من توفر للسيولة النقدية الهائلة في الدول الخليجية بشكل عام، في الوقت الذي لم توظف فيه العائدات المالية بشكل سليم في الاستثمارات الإنتاجية التي من شأنها تقلل من الاعتماد على الخارج أو استثمارها في المشاريع والبرامج الاجتماعية والتعليمية التي تزيد من الكفاءات الوطنية وتستغل أوقات الفراغ في برامج نافعة للمجتمع نجدها قد صرفت (العائدات المالية) على السلع الكمالية والمظاهر الاستهلاكية في المجتمع حيث نمت نزعة الاستهلاكية والنظرة المظهرية عند الكثير من أفراد المجتمع وتفشت معها الكثير من المظاهر السلبية وخاصة خلال العشر السنوات الأخيرة التي لعبت دور كبير في تفشي ظاهرة المخدرات وغيرها من مظاهر السلوك الانحرافي في المجتمع. ولعل من ابرز هذه المتغيرات:
1 ـ طغيان الحياة الاستهلاكية على أفراد المجتمع ونظرتهم السطحية لكل الأمور.
2 ـ في محاولة البعض لمجاراة الآخرين في البذخ والاستهلاك والتفاخر بشراء الكماليات الشكلية لجأ الكثير إلى التجارة وفتح محلات لتقديم مختلف الخدمات. أو العمل الإضافي مما أصبح له تأثير سلبي على العمل التطوعي الاجتماعي، مما افقد الأندية والمؤسسات الاجتماعية الدور الذي كانت تقوم به في السابق لتوفير الجو الملائم للشباب والاستفادة من أوقات فراغهم بما هو مفيد، لذلك أصبح الشارع بما فيه من جماعات السوء بديلاً عنها .
3 ـ النزعة الاستهلاكية دفعت البعض إلى الجري وراء الكسب السهل والسريع مما دفع بهم إلى التجارة بالمخدرات، خاصة أنها تجارة مربحة جداً تصل إلى نسبة 5900% (تشتري من المنشأ بـ دينار وتباع بـ 60 دينار للكيلو غرام الواحد) ـ مما أدى إلى زيادة توافرها وسهولة الحصول عليها.
4 ـ تمكن الكثير من السفر بسهولة إلى الدول المنتجة لهذه المخدرات كالهند وجنوب شرق آسيا وأوربا مما دفعهم إلى تجربتها ومن ثم التعود عليها وجلبها معهم.
5 ـ صعود الكثيرين في السلم الاجتماعي دفعة واحدة وبأقصر الطرق شجع آخرين إلى التطلع إلى فوق ومحاولة تقليدهم ـ وبما أن الطريق مسدود أمام الأغلبية، فأنهم يصابون بالإحباط وفقدان الثقة بالنفس والشعور باليأس وضياع المستقبل مما دفعه بهم إلى المخدر لينسيهم همومهم ويخلق عندهم عالماً آخر يحققون فيه ـ خيالياً ـ ما عجزا عن تحقيقه في الواقع.
6 ـ تفكك القيم الاجتماعية وبروز روح الفردية بين الكثيرين في سعيهم وراء تحقيق الكسب والصعود في السلم الاجتماعي والمناصب الإدارية العليا.
7 ـ جلب العمالة الأجنبية بأعداد متزايدة إلى المنطقة وما لعبته هذه العمالة من ادوار سلبية على الوضع الاجتماعي في الخليج ـ حيث جلبت معها عادات وأنماط من السلوك أضرت بالمجتمع ابتداء من المشاكل الأخلاقية والاغتصاب والأجرام وانتهاء بالمتاجرة في المخدرات وتشجيعها بين المواطنين.
8 ـ تفشي حالة البطالة المقنعة والكاملة في صفوف المئات من الشباب المواطنين وحتى الأجانب، الأمر الذي يدفع بالكثيرين منهم إلى ارتكاب عمليات الأجرام وتعاطي المخدرات وغيرها.
هذه المتغيرات الاجتماعية بشكل عام التي أحدثتها الطفرة النفطية بعد 1973 م بالإضافة إلى دور الأسرة والمستوى التعليمي الذي سنأتي على ذكره تباعاً، قد لعبت دور كبير في تهيأت الأجواء، وكانت سبباً رئيسياً في تفشي ظاهرة المخدرات وغيرها من ظواهر وانحرافات سلوكية في المجتمع الخليجي التي ما زالت مستمرة.
ثالثاً ـ الأسرة والظروف العائلية:
تعتبر الأسرة من الجماعات الأولية التي يتصل فيها الفرد اتصالا مباشراً وقوياً، وهي عامل أساسي في تكوين الفرد لأنها تشبع حاجاته الرئيسية وتبرز شخصيته، وفي إطارها الضيق يتلقى الفرد المؤثرات الاجتماعية الأولى ويلتقي لأول مرة بنماذج الثقافة ويتشرب المعايير الاجتماعية والخلفية. وحيث تتأثر هذه الأسرة في أحيان كثيرة بالقيم المرتبطة بأخلاقيات نمط الإنتاج السائدة وبذلك يتأثر أسلوب التنشئة الاجتماعية التي يخضع لها إفراد الأسرة.
وفي الخليج بشكل عام كنتيجة مباشرة لمجمل الظروف السياسية والاقتصادية واستشراس النمط الاستهلاكي والتباهي بالمظاهر التي سادت في دول الخليج المختلفة وما تركته من تبعات سلبية على تركيبة المجتمع والوضع الاجتماعي للعديد من الأسر التي عجزت عن مسايرة هذه الحياة وعانت من التفكك بين أفرادها، وخلق الخلافات الأسرية واضطراب العلاقة بين الوالدين والى جنوح أبنائهما،
حيث أثبتت أكثر من دراسة أجريت في الفترة الأخيرة على بعض دول الخليج كالبحرين مثلاً أشارت الدراسة المتعلقة بالحالة الاجتماعية ـ الصادرة في نوفمبر 1984م بأنه بين كل خمس زيجات تنتهي منها بالطلاق وتزداد هذه النسبة بين الأسر الغير متعلمة حيث إن نسبة المطلقات في البحرين تبلغ 17% بسبب الخلافات الأسرية الناشئة عن نمط الحياة الاستهلاكية وبروز الضغوطات الاقتصادية على معيل الأسرة.
وفي قطر والإمارات أشارت دراسات حديثة إلى إن غالبية المتعاطين للمخدرات ينتمون إلى اسر مضطربة، كما وجد إن العلاقة التي تربط الأب بأبنائه علاقة غير سوية وذلك نتيجة لعدم قدرة الآباء على تفهم الكثير من احتياجات أبناءهم غير المادية.
حيث يجد الشباب الأبناء نفسهم مضطربين إمام مجمل هذه الظروف الأسرية فيهرب من همومه العائلية والفراغ الذي يتركه هذا الوضع في نفسه ويتجه ليتعاطى المخدرات والإدمان عليها لملأ هذا الفراغ والابتعاد عن هذه المشاكل التي يصطدم بها واقع الأسرة…
وتبرز الأمور أكثر خطورة حين يبدو الآباء النموذج السيئ الذي يدفع ويشجع الأبناء على تقليده والتأثر به!! مما لوحظ على نتائج خرجت بها عدة دراسات ميدانية في بعض دول الخليج إن ظاهرة تعاطي المخدرات تنشأ بين أشخاص ينتمون إلى أسر يتعاطى أحد أفرادها هذه المخدرات، أو أن تكون رقابة الآباء على الأبناء ضعيفة جداً أو معدومة… وأكثر الاضطرابات والمشاكل الأسرية تزداد بمدى تعلق أحد أشخاصها على المخدر وإدمانه وما ينتجه هذا الإدمان إلى ارتكاب أعمال غير مشروعة مثل السرقة والبغاء والتسول وحتى الإجرام والإضرار بنفسه وبالآخرين من إفراد الأسرة والمجتمع.
رابعاً ـ المستوى التعليمي والمدرسة:
تعتبر المدرسة من أهم المجموعات في المجتمع بعد الأسرة في التنشئة الاجتماعية وبناء شخصية الفرد وتوجهاته المستقبلية.. وحيث إن المدرسة تتلقف الطفل بعد الأسرة منذ سنوات طفولته الأولى وتستمر معه في المرحلة الابتدائية ثم الإعدادية فالثانوية وحتى الجامعة حيث يكون لها دور فعال ومؤثر بشكل مباشر في تربيته وإصلاح أية انحرافات قد تنشأ معه لسوء دور الأسرة. حيث يلعب مستوى الفرد التعليمي في بناء شخصيته ومستوى وعيه وفكره وبالتالي دوره في الإنتاج وتنمية المجتمع ونهضته.
ورغم تراثنا التعليمي الوفير في الخليج حيث بدأ التعليم في البحرين منذ عام 1919 كأول دولة يدخلها التعليم. إلاّ إن الملاحظة السائدة في معظم دول المنطقة هي تدني المستوى التعليمي بشكل عام، وما زال هذا التعليم يعاني الكثير من الإرباكات وسوء التخطيط وأساليب التدريس وضعف مستوى المناهج التعليمية ويعاني من ظاهرة التسرب وارتفاعها وخاصة بين طلبة المرحلة الإعدادية والثانوية التي يضطر الكثير من الطلبة ترك مقاعدهم الدراسية والبحث عن مصدر رزق يقتات منه ويواجه به الوضع الاقتصادي السيئ الذي يعصر عائلاتهم فيصطدم بواقع البطالة وثم الانحراف والجنوح!!
بالإضافة إلى استمرار نسبة الأمية المرتفعة التي لم يجد الجهاز التعليمي في كل الدول الخليجية حلا جذرياً لها بالرغم من تاريخ التعليم الطويل في المنطقة!! حيث لوحظ من خلال دراسة ميدانية أجريت على طلبة المدارس في الإمارات وقطر وكما لوحظ أيضاً في البحرين والكويت أن الأغلبية العظمى من المدمنين على المخدرات ومتعاطيها هم من طلبة المرحلة الإعدادية والثانوية أو من هم تركوا الدراسة في هاتين المرحلتين بالإضافة إلى العاطلين عن العمل.
والأخطر من كل هذا فأن المدرسة فقد أصبحت مكان للتعاطي ومصدر للتعرف على هذه المواد المخدرة بين طلبة المدارس، حيث أشارت نتائج الدراسة التي أجريت على طلبة وطالبات المدارس في الإمارات حول ظاهرة استنشاق الغازات والمواد المخدرة إلى إن 92% من إفراد العينة هم من الذين في سن (10 ـ 19)سنة وفي إجابتهم على سؤال عن مصدر تعرفهم على هذه المواد، كان جوابهم من أهم مصادرها: المعارف والأصدقاء والزملاء في الفصل. بالإضافة إلى الكثير من حالات الإغماء التي انتشرت في مدارس الإمارات والبحرين بين الطالبات والطلبة على السواء، حيث أشارت بعض الدراسات إلى انتقال هذه الظاهرة إلى صفوف الفتيات أيضاً وبنسب تتزايد باستمرار. حيث أكدت نفس الدراسة التي أجريت في الإمارات على إن "مجتمع الممارسين لاستنشاق الغازات يتميز بزيادة معدل الذكور عن معدل الإناث بنسبة 55% للذكور، و45% للإناث" .
ولا تختلف المناطق الأخرى المجموعات.بروز ظاهرة الجنس الثالث والرابع في الكويت خلال السنوات الأخيرة كمؤشر واضح لمدى انتشار المخدرات في صفوف الفتيات ـ المجموعات.لمخدرات من أهم صفات هذه المجموعات .. أما في البحرين فما زالت حادثة موت الشابة في تموز 1983 م التي أفاقت السلطات من نومها العميق على هذه الظاهرة وأبرزتها على السطح بعد إن تناولتها الصحف المحلية وكتب عنها مراسل الصحافة الفرنسية في البحرين ـ بالإضافة إلى العديد من الحالات التي يتم اكتشافها في صفوف طالبات المدارس وآخرها الكشف عن طالبتين في مدرسة الرقاع في شهر مايو 1985، وهم يتعاطون المخدرات عن طريق الوخز بالإبر!!
خامساً: دور الإعلام:
يلعب الإعلام بمختلف إشكاله (المرئي والمقروء) دورا كبيرا على الصعيد الثقافي وتنمية الوعي لدى الأفراد فيما إذا أحسن استخدامه في مصلحة الشباب لما يشكله من مادة تثقيفية فاعلة. إلاّ إن الإعلام الخليجي بشكل عام وفي البحرين خاصة لم يلعب هذا الدور من خلال طبيعة برامجه وطرق وأساليب معالجته للعديد من أنماط السلوك ألانحرافي ومن ضمنها ظاهرة تعاطي المخدرات.
وتبرز خطورة الإعلام والمرئي منه خاصة في طبيعة البرامج المتدنية التي تقدمها للشباب الذي أصبح شبه مدمن على مشاهدة التلفزيون والفيديو بما يعادل الخمس ساعات يوميا إمام المسلسلات والأفلام الإجرامية المنقولة عن الغرب والتي تعزز الكثير من الإمراض الاجتماعية مثل الإجرام والثأر والدعارة وتعاطي المخدرات وغيرها
وتزرع الإحباط في نفوس المواطنين تجاه مختلف قضاياهم الوطنية والقومية المصيرية. واستخدام هذا المجال (الإعلام) لترويج كل ما هو سلبيا في المجتمع،
في الوقت الذي يختفي فيه دور الرقابة الرسمية على مثل هذه البرامج وأفلام الفيديو التي تجلبها محلات تأجير الفيديو وأصبحت في متناول حتى الأطفال في كل بيت تقريبا ـ حيث تقع المسؤولية الرئيسية في ذلك على هيئة الرقابة التي لم تأخذ دورها ولم تلعب مسؤوليتها المطلوبة منها على صعيد المجتمع.
لما لهذا الإعلام المرئي من دور وأثر في توجه النشء عن طريق غرس القيم والمبادئ الوطنية والأخلاقية بدلا من الأفلام والمسلسلات التي تتحدث عن الجريمة وينتصر فيها المجرم في النهاية!!
سادساً: العمالة الأجنبية مصدر أساسي للمخدرات:
كل الدراسات التي أجريت في دول الخليج حول ظاهرة تعاطي المخدرات تؤكد على أنه بسبب ازدياد عدد العمالة الأجنبية في المنطقة كان له دوره الكبير في تسرب المخدرات إلى المنطقة بكمياته الكبيرة التي نشاهدها عليه اليوم.
وشهدت المنطقة بشكل عام خلال العشر السنوات الأخيرة توافد الملايين من هذه العمالية من مختلف البلدان الآسيوية وخاصة من الهند ـ باكستان ـ تايلاند ـ الفلبين ـ بالإضافة إلى البرتغال والدول الغربية وأمريكا (حيث تشير الأرقام الأولية لمجموع العمالة الأجنبية في دول الخليج إلى وجود أربعة ملايين من الأجانب في المنطقة) وجلبت هذه العمالة معها العديد من العادات والسلوكيات المنحرفة من دول المنشأ إلى بلدان المنطقة. وكان أبرزها عادة تعاطي المخدرات بمختلف أنواعها وأساليبها.
ومن جهة أخرى فقد اثر هذا التوافد الكبير للعمالة الأجنبية في بنية المجتمع الخليجي بشكل مباشر ـ حيث الخلل السكاني الذي تعيشه معظم دول الخليج والذي تصل نسبة الأجانب في بعضها إلى أكثر من السكان الأصليين بكثير ـ في الإمارات مثلا لا يتعدى السكان الأصليين من 14% فقط.
الظاهرة والحل الصحيح:
من خلال دراستنا ومحاولاتنا لتبيان الأسباب الحقيقية لبروز وانتشار ظاهرة المخدرات في الخليج بشكل عام وفي البحرين بشكل خاص، وبعد اطلاعنا على طبيعة الحلول الرسمية التي لا ترى في هذه الظاهرة بأنها مشكلة اجتماعية بقدر ما تعتبرها مشكلة قانونية أحادية الجانب (في القانون وتشديد العقوبة يمكن حلها!!).
فإننا نرى وكما أكدت عليه الكثير من آراء المختصين وأصحاب الاختصاص والشأن لهذه الظاهرة التي أصبحت أمر واقع سئ في البلاد وخطورته تستشري في أوساط الشباب باستمرار دون إن تثبت الجهات الرسمية حتى الآن قدرتها على مواجهتها منفردة من خلال قوانينها وإجراءاتها التي نعتقد بأنها ناقصة وغير جادة في إيجاد الحل ـ بالرغم من كل الآراء والمقترحات التي تقدم بها الكثير من المختصين في علم الاجتماع والطب والقانون وغيرهم من أبناء الشعب ـ تلك الآراء التي نرى أنها صحيحة وقريبة من واقع المشكلة القائمة… إلاّ إننا نرى أيضاً بأن الحل يكمن في التالي:
1 ـ إن المشكلة هي مشكلة اجتماعية يعاني منها المجتمع ككل، وبالتالي يجب مشاركة جميع الجهات الرسمية منها والشعبية في إيجاد هذا الحل… وإفساح المجال بشكل ديمقراطي أمام البحث العلمي لأسباب الظاهرة لتشمل كافة الميادين التي تتشعب منها المشكلة.
2 ـ إن للظاهرة جوانب متعددة (اجتماعية واقتصادية وسياسية) قد أدت إلى وجودها وانتشارها في المجتمع الخليجي ككل… لا بد من العمل بشكل جاد على حل هذه المعضلات المتعددة الجوانب التي يعاني منها المواطن أولاً ـ من سكن وتوفير العمل المناسب والحريات الديمقراطية وغيرها ـ لتنقية الأجواء وتخليصها من الشوائب التي تشجع على الكثير من الظواهر والأمراض الأخلاقية والسلوكية السيئة ومن ضمنها ظاهرة تعاطي المخدرات.
3 ـ تشكيل لجنة متخصصة من كافة الجهات الرسمية والشعبية (صحية، اجتماعية، اقتصادية، حقوقيين، مفكرين، مؤسسات شعبية من أندية وجمعيات مهنية ونسائية… الخ…) وذلك لمشاركة في الكشف عن الأسباب الحقيقية للمشكلة وفي وضع الحلول بشكل جماعي، بحيث تتناول مختلف جوانب المشكلة، مع توفير حرية البحث العلمي ووضع الدراسات العلمية التي تتناول المشكلة من جوانبها الاجتماعية والنفسية، وتوفير كافة التسهيلات والضمانات لنجاح عمل اللجنة في القيام بمهماتها، حتى أن يتم القضاء النهائي على المشكلة من المجتمع.
4 ـ الاهتمام بالتعليم التربوي وإتباع الأساليب التربوية العلمية المتطورة في المناهج التعليمية لبناء جيل المستقبل على قاعدة متينة من الوعي والتربية، والابتعاد عن سياسة التخبط وحقول التجارب الفاشلة المتبعة في السياسات التعليمية القائمة.
5 ـ توعية أفراد المجتمع عبر أجهزة الإعلام المختلفة للدولة بالإضرار الجسيمة ـ الصحية والاجتماعية والقومية الناشئة عن تعاطي المخدرات على ضوء ما تسفر عنه نتائج الدراسات والبحوث الاجتماعية والنفسية حول المشكلة.
6 ـ القضاء على مشكلة البطالة التي يعاني منها المئات من الشباب بتوفير فرص متكافئة من العمل والاعتماد على المواطن في البناء الاقتصادي بشكل رئيسي والعمل على تضييق حدة الاعتماد على الخبرات الأجنبية بتوفير فرص التعليم والتدريب المهني للعمالة المحلية لإحلالهم محل العمالة الأجنبية ووقف عملية جلب العمالة الأجنبية إلى المنطقة، وإغلاق مكاتب المتاجرة بها.
7 ـ توفير العلاج الصحي والاجتماعي للمدمنين والمتعاطين الذين يتم ضبطهم ـ على أنهم مرضى يجب علاجهم وليسوا مجرمين ـ وذلك بتوفير المصحات النفسية ومراكز التدريب المهني والتوعية، لكسبهم مهن توفر لهم شروط معيشتهم المادية ومعيشة أفراد أسرهم بعد فترة العلاج.
8 ـ التوسع في إنشاء العيادات النفسية وتزويدها بالاختصاصيين النفسانيين والاجتماعيين والعمل على تشجيع إقبال المرضى والمتعاطين للعلاج بها ـ على إن تبعد هذه العيادات تماما عن الطابع البوليسي بحيث يطمأن المريض المتعاطي على انه لن يكون مراقبا من أجهزة البوليس في الدولة.
9 ـ التأكيد على دور الأسرة في تهيئة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والصحية لتربية الأبناء على أسس وأخلاقيات سليمة تقيهم من شرط السقوط في تعاطي المخدرات وغيرها من إمراض اجتماعية أخرى.
10 ـ منع تسرب المواد المخدرة إلى داخل البلاد والقضاء على تجارتها بمعاقبة المروجين والمتاجرين الحقيقيين لها دون التمييز والتستر على الكبار منهم ومعاقبة الضحايا الصغار!!.
11 ـ القضاء على الكميات المصادرة والمضبوطة من المخدرات عن طريق حرقها وتلفها، ومنع استخدامها من جديد من قبل بعض رجال الأمن المستنفذين في جهاز الدولة لأغراض أخرى أكثر خطورة على المجتمع.
12 ـ العمل على إملاء الفراغ القاتل الذي يعاني منه قطاع الشباب وذلك بإطلاق الحريات العامة في البلاد ووضع البرامج الاجتماعية الثقافية الجديرة بتنمية وعي الشباب وفتح مداركهم، وتوفير كل فرص الإبداع لديهم من خلال النشاطات الثقافية والاجتماعية والرياضية عبر المؤسسات والجمعيات والأندية الشعبية والمسارح وغيرها.
وأخيرا وكمحصلة نهائية لكل نتائج الحلول السابقة يأتي دور القانون كجزء مكمل لها ـ رادع لمن لم تنفع فيه تلك الحلول آخذا بعين الاعتبار نتائج الدراسات والبحوث العلمية لأسباب الظاهرة التي تخرج بها اللجنة المختصة المقترحة بمكافحة المخدرات ـ وباعتبار أن المتهم يمكن أن يكون عضوا بناء في المجتمع وليس عضوا ميئوسا منه.
قد تكون هذه الحلول والمقترحات لا تفي بشكل كامل للمشكلة.. إلاّ أننا نرى بأنها تشكل الحلول الأمثل للحد من انتشار الظاهرة ومن أجل القضاء عليها، بالإضافة إلى الحلول والمقترحات التي تقدم بها الكثيرون من المختصين على الصعيد الاجتماعي والصحي والنفسي والقانوني والهيئات الشعبية في البلاد.
أما أية حلول تحاول تجاوز مختلف تلك الحلول وتبتعد بها عن واقع الأسباب الحقيقية لانتشار هذه الظاهرة… ستبقى حلولا ناقصة ونشك في جديتها للتخلص من المشكلة.