لا جدوى من وراء سياسة الرأس الناشفة ومحاولة لي الأذرع والأعناق والحديث عن حوار قادم بمن حضر، فقد جربنا الأمر سابقا وتبين أن عدم الحوار أفضل بكثير من أي حوار جديد لا يفضي إلى اجتثاث المشكل، وأن الفشل المتلاحق لن يؤدي إلا إلى زيادة درجة الإحباط السياسي، مع ما يترتب على ذلك من سقوط إلى حضيض قد لا تحمد عقباه.
والواقع أن الظروف الحالية مواتية جدا للخروج من عنق الزجاجة إن نحن أردنا ذلك، لكن هذه العملية ستحتاج إلى مجتمع سياسي يتمتع بقدر كبير من البراغماتية، ولديه من المرونة ما يكفي لتدوير الزوايا التي بقيت عصية حتى الآن.
فلو انطلقنا من مسلمة أن الأزمة السياسية الحالية هي وليدة انقلاب 6 أغسطس 2008 الذي أطاح بالجمهورية الثالثة والتجربة الديمقراطية الوليدة، سنخلص إلى أن انصراف الرئيس الحالي بعد انقضاء مأموريته الثانية، يفترض أن يشكل هو الآخر فرصة ذهبية لامتصاص بقايا تلك الصدمة وإعادة ترتيب البيت الداخلي.
لكن هذا الأمر يقتضي أولا وقبل كل شيء أن تتوقف المعارضة عن الشك في انصراف الرئيس، وأن تقتنع الموالاة في الوقت نفسه بأن ولد عبد العزيز سيغادر بالفعل في نهاية عهدته الرئاسية الثانية والأخيرة في آب/أغسطس 2019.
هذا الشرط سيكون بمثابة إعادة بناء شيء من الثقة المفقودة بين الأطراف، كما سيؤدي من جهة أخرى إلى تحييد نسبي لمؤسسة الرئاسة التي هي أصل الخلاف ومنبعه عن مشهد الحوار، مع ما يعنيه ذلك من زيادة فرص النجاح.
وأما الشرط الثاني فيتعلق بالمواضيع التي ستخوض فيها الأطراف، فعلى الحوار الجديد أن يركز على المسائل الجوهرية ويبتعد عن الخوض في كل التفاصيل والجزئيات، التي يمكن أن تتحول إلى مطبات على طريق الوفاق الوطني.
وأهم ما ينتظر أن ينبثق عن الحوار في هذه الحالة، هو خريطة طريق وطنية تتضمن إجراء انتخابات تشريعية وبلدية سابقة لأوانها، والتحضير لرئاسيات توافقية سنة 2019، تؤدي إلى حصول أول تناوب ديمقراطي على السلطة في البلد، وعبور موريتانيا نحو الضفة الأخرى بعد سنوات الانتظار الطويلة.