توصل باحثون في علم الإجرام إلى استنتاجات تعتبر غاية في الأهمية من أجل معرفة الصفات التي تميّز القاتل المتسلسل، وعلاقة هذه الصفات بطفولته وتعرضه لتجارب عنيفة أثناءها، إضافة للتحقق من وجود اختلاف في مبنى الدماغ أو فعاليته مع الناس الأسوياء أو مرتكبي الجرائم العادية.
ففي دراسة أجرتها د. إليزابيث ياردلي، رئيسة مركز “علم الإجرام” بجامعة بريننغهام البريطانية، توصلت للصفات الخمس المشتركة بين القتلة المتسلسلين والتي من الممكن أن تدل عليهم وتمكن الآخرين من تمييزهم.
هنا تجدر الإشارة إلى أن أهمية هذه الأبحاث تكمن في كونها تتيح المجال أمام التدخل المبكر إذا ما تم الانتباه لوجود صفات بارزة من الممكن أن تؤثر على السلوك لاحقاً. إحدى الصفات المميزة التي تحدثت عنها د. ياردلي هي “عشق السلطة” و”حب السيطرة”، فتقول إن القتلة المتسلسلين لديهم انجذاب حقيقي للسلطة والقوة حتى عندما يلقى القبض عليهم، ويدركون أن طريقهم إلى السجن المؤبد أو فقدان حياتهم هو طريق بلا رجعة.
إذ يبدو عليهم باستمرار محاولات السيطرة على من حولهم من الناس، أو المساجين إذا كانوا في السجن، كما يحتفظون بمعلومات خطيرة دون الإفصاح عنها من أجل الحفاظ على جزء من قوتهم، ومن أجل جذب الانتباه والإحساس بشعور السلطة طوال الوقت.
الصفة الثانية هي “المراوغة” والمناورة، وهي صفة بارزة عند السفاحين، إذ استخدموها بذكاء شديد في مواقف متعددة وأوقات مختلفة، فيحاولون إرضاء الآخرين والتعامل بلطف زائد بحسب الموقف لكي يصلوا للهدف المخفي والمراد، وليخبئوا الشخصية العدوانية والشريرة التي بداخلهم.
– سفاحون أذكياء
وفي هذا السياق قال خبراء شاركوا في الدراسة، إن جزءاً كبيراً من أشهر السفاحين بالعالم كانوا شديدي الذكاء ولديهم قدرات مبهرة على التحكم بمن هم تحت سيطرتهم، وبدفعهم للتصرف وفقاً لإرادتهم دون الكشف عن الشخصية المؤذية الحقيقية، وبحسب الدراسة، ووفقاً لتحليل علماء النفس للتحقيقات مع السفاحين، فإنهم كانوا يجمعون معلومات ودراسات علمية كثيرة ويكتسبون معلومات غزيرة سواء في علم النفس أو علم الاجتماع أو الطب، لتفسير جرائمهم علمياً أو تصرفاتهم المؤذية.
ومنهم أيضاً من كان يستغل منصباً عملياً معيناً ليرتكب جرائمه، فعلى سبيل المثال استخدم د. هارولج شيبمان منصبه كخبير طبي ليقتل ضحاياه بالأدوية، وبعد موتهم أظهر أسفاً كبيراً عليهم وحاول نسب أسباب موتهم لتفاصيل طبية متخصصة جداً لن يفهمها العامة.
أما الصفة الثالثة فهي مدمجة بين التفاخر والأنانية، وهنا تقول د. ياردلي إن غالبية السفاحين يعتزون ويتفاخرون بالأعمال الوحشية التي قاموا بها، وبالحيل التي اتبعوها لينفذوا الجرائم، وبالخطط التي وضعوها وإعجابهم بذكائهم ودهائهم؛ حتى وإن كان ذلك سوف يقدم دعماً للشرطة وأجهزة الأمن لجمع الأدلة ضده وإدانته لاحقاً.
رابعاً، تقول د. باردلي، إن السفاحين لديهم “سحر خاص” من ناحية الشخصية، فهم قادرون على فهم مشاعر الآخرين بشكل كبير مما يجعلهم يميزون نقاط ولحظات بشكل الضعف جيد، ويستغلونها ليدفعوهم لارتكاب سلوكيات غير اعتيادية بالنسبة لهم، وهنا يستخدمون المنطق والإطراءات بشكل كبير.
أما الصفة الأخيرة فتراها باردلي أنها الأكثر رعباً وهي “الحضور الاجتماعي القوي”، فليس بالضرورة أن يكون القاتل التسلسلي شخصاً منبوذاً في المجتمع أو من طبقة معيشية متوسطة أو أقل، فهو من الممكن جداً أن يكون شخصية عامة في مجتمعه وناشطاً ضد العنف وصاحب مؤسسات حقوقية ونشاطات مجتمعية إصلاحية.
فهو بهذه الطريقة يكتسب الثقة ويمارس السلطة التي يحبها، ومن ثم يستخدمها لجذب ضحاياه والسيطرة عليهم وقتلهم، وهنا تأتي بمثال على قاتل أمريكي يدعى “وايني غيسي” الذي كان ناشطاً اجتماعياً في شيكاغو ومنظماً لحفلات كثيرة لأهل الحي، وكان يؤدي دور “المهرّج” لإسعاد الأطفال، لكنه في الوقت نفسه كان يغتصب ويقتل الأطفال ويدفن جثثهم داخل بيته.
– خلل دماغي… أم نفسي؟
وبعيداً عن تحليل الشخصيات حاولت الدراسات الإجابة على سؤال ما إذا كان هناك اختلاف بالوظائف أو المبنى الدماغي بين هؤلاء السفاحين والناس الأسوياء؛ فوجدت عدة دراسات أن هناك خللاً في الجزء الأمامي من الدماغ وفي منطقة الحصين وسط الدماغ وفي الجهاز “الحوفي” (limbic system) والذي يتسبب بسلوكيات عدوانية متطرفة، كفقدان السيطرة واتخاذ قرارات خاطئة.
ومن الناحية النفسية أوضحت دراسات بأن جزءاً من السفاحين شخصوا على أن لديهم أمراضاً نفسية خطيرة وشخصيات معادية للمجتمع، وهو ما يجعل الشخص رافضاً للخضوع لعادات المجتمع وقوانينه ويزيد عدوانيته ويقلل من قدرته على التعاطف.
– من أشهر السفاحين
بالطبع لا يمكن الحديث عن القتل التسلسلي دون التطرق لـ”ريا وسكينة”، فعلى الرغم من عدم شيوع الظاهرة في الثقافة العربية والتراث العربي القديم إلا أن “ريا وسكينة” احتلتا مكانة مهمة، وأنتجت عن قصتهما الأفلام والمسرحيات والقصص، وأصبحتا مادة للنكت والضحك على الرغم من فظاعة جرمهما.
وبحسب ما ورد عنهما فهن أخوات من الإسكندرية قمن بقتل 13 امرأة بعد سرقة ما بحوزتهن من ذهب، وقمن بدفنهن داخل المنزل واحدة تلو الأخرى، واعترفت سكينة بعد القبض عليها أمام النيابة بأنها اشتركت هي وأختها بقتل النساء فعلاً، إذ قمن بدعوة النساء إلى المنزل بحجة اللقاء برجال في حين أن الحقيقة هي أنهن موعودات بالقتل.
وقبل ريا وسكينة، يشتهر في التراث الفرنسي السفاح “جيل دي رايس″ المولود عام 1404 للميلاد، وهو نبيل فرنسي اشتهر بأنه اغتصب وقتل مئات الأطفال (200-600) الذين تراوحت أعمارهم بين 6-18 عاماً، وكان يختار الأطفال الذين يشبهونه في طفولته ويقتلهم، وكان محباً لشراء القصور وتصفيق الجماهير.
وفي العصر الحديث اشتهر القاتل الأمريكي المتسلسل، جيفري دامر، الذي عرف بقتله للشباب الذكور بعد دعوتهم إلى بيته، وكان يمثل بجثثهم ويحتفظ بهياكلهم العظمية أو رؤوسهم ويدفن بقاياهم في ساحة منزله، وقد استطاع عام 1988 بعد القبض عليه إقناع القاضي بالإفراج عنه لتلقي العلاج، إلا أنه خرج ليستمر في القتل حتى قبض عليه مرة أخرى عام 1991 وسجن مدى الحياة.