ظاهرة (الإدارة الصفراء)

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
اثنين, 2015-07-27 11:08

عتبر الإدارة الذراع الفنية للجهاز التنفيذي و حسب أقرب مدارس القانون العام إلي البيئة السوسيو إدارية الموريتانية فإن الإدارة  ينبغي أن تكون محايدة بامتياز حتي تسع الجميع موالاة و معارضة و "سياسيين رماديين" تماما كما أن الحكومة يحسن أن تكون سياسية باعتزاز حتي تعكس  التنافس الإيجابي البناء المطلوب للتداول السلمي علي السلطة.        
والإدارة العمومية الموريتانية علي غرار الإدارات العمومية في غالبية دول العالم الثالث هي حاضنة النخب و الكفاءات الوطنية و تعلق عليها آمال عِراض في أن تكون رافعة التطوير التنموي و الاجتماعي و لا مراء في أنها ساهمت و تساهم في حسن تدبير و تسيير شؤون المواطنين.               

لكن من باب النقد  الناعم الهادف  إلي التغيير نحو الأمثل و الذي هو أحدث الشكر و أصدقه و أعذبه و هو أيضا فرض عين علي المثقف الملتزم و الموظف السامي الناصح فإن العديد من المراقبين يلاحظون تراجعا كبيرا خلال العقود الثلاثة الماضية في جودة الخدمة الإدارية المقدمة للمواطنين مما أفسح المجال لنوع جديد من الإدارة أطلق عليه البعض ظاهرة "الإدارة الصفراء".
 و من أهم أمارات تحول  العديد من الإدارات الموريتانية إلي إدارات صفراء:
أولا:تفشي الدكتاتورية البيروقراطية: و يتجلي ذلك من خلال التعامل الدكتاتوري الاستعلائي للموظفين و خصوصا الموظفين السامين مع بسطاء المراجعين من المواطنين  غافلين أن عقد الوظيفة  العمومية ينص علي أن الموظف العمومي و إن علا و سما مجرد أجير و أن المواطن و إن كان نكرة  مدفوعا بالأبواب هو  دافع الضرائب و رب العمل.      
كما تتجسد البيروقراطية في المسار الأخطبوطي شديد التعقيد و عدم المقروئية للعديد من الإجراءات الإدارية التي ترتبط بها الحياة اليومية للسكان فيندر أن يحصل مواطن علي الحق في استصدار وثيقة إدارية ما إلا بعد ضياع وقت طويل من الجيئة و الذهاب و المواعيد العرقوبية و الإهانات المعنوية و اللفظية أحيانا..                                        
 و في هذا السياق يحكي أن بعض الحكماء الظرفاء اكتوي طيلة عامين بمتابعة ملف إداري لدي إحدي الإدارات العمومية الموريتانية فاقترح بعد تلك التجربة المرة و المريرة في رسالة موجهة إلي وزير العدل إدراج متابعة عدد معين من  الملفات الإدارية ضمن قانون العقوبات المدنية و الجنائية معللا ذلك بأن  الغرامة المالية والسجن أهون  و أخف مرارة من مطاردة الملفات الإدارية لدي الإدارة الموريتانية الصفراء.                                   
ثانيا:تدني مستوي التحرير الإداري:يتندر الرأي العام بالمستوي المتدني لتحرير الأعمال الإدارية كلها(رسائل، مذكرات، محاضر، تقارير، بيانات، مقررات،مراسيم،... ) مما يفقد الوثائق الإدارية الكثير من هيبتها و ألقها حيث يندر أن تخلو وثيقة إدارية ما من أخطاء إملائية و صرفية و نحوية تخل بالمبني و المعني معا  بل تبدلهما تبديلا، عرفت بذلك ابتداء الوثائق المحررة باللغة العربية لكن لحقت بها مؤخرا الوثائق المحررة باللغة الفرنسية بل أضحت أقل جودة و أسوأ تحريرا و أفسد لسانا...                                                    
ثالثا: التركيز علي المستعجلات وغياب البرمجة و التخطيط: لا حديث اليوم إلا همسا و لماما عن أدوات التخطيط و التسيير العام من  الرؤية الاستراتجية العامة و القطاعية و ترجمتهما  إلي خطط خمسية أو ثلاثية و إسقاط تلك الخطط إلي خطط عمل سنوية مشفوعة بجداول تنفيذ زمنية و مؤشرات متابعة و تقييم  بل إن كل ذلك "وَرِقٌ كَهْفِي" أو مفاهيم و أدوات تخطيط و برمجة "نائمة" أو "مُنَوًمَةٌ" و لا يبدو أنها واجدة قريبا من يوقظها.      
و يصف البعض الإدارة الموريتانية بأنها " إدارة مستعجلات" ذلك أن وقت دوام الموظف العمومي ابتداء من الوزير إلي البواب مقسم إلي خمسة أقسام خمس لتصفح مواقع الإنترنت  "البيضاء" و"الصفراء" و خمس لاستقبال و إصدار المكالمات المهنية و الخصوصية من الهاتف النقال و خمس لإنعاش الحديث مع " مدمني المكاتب العمومية" من الزوار الفضوليين و خمس لحضور الاجتماعات الروتينية و الملتقيات الكرنفالية و خمس أخير لمعالجة المستعجلات الإدارية.                                                           
و ترجع ظاهرة تحول العديد من الإدارات الموريتانية إلي إدارات صفراء إلي جملة عوامل أذكر منها:                                                                                                   
1.تراجع المستوي العلمي لمخرجات التعليم: من الملاحظ أن الوافدين مؤخرا إلي الوظيفة العمومية بواسطة المسابقة التي هي  الطريق الشرعي و الوحيد  يعكسون في الغالب التراجع الكبير في المستوي العلمي لمخرجات التعليم الوطني مما يدق مرة أخري أجراس إنذار واجِبِ مُرَاجَعَةٍ كاملة للنظام التربوي و التعليمي الوطني.                                   
2. تماهي الإدارة مع السياسية: يعتبر تسييس الإدارة و تغليب معايير التكلف و التزلف و الولاء الأعمي علي مؤشرات المهنية و الكفاءة و الاستقامة و الذي ميز حقب الأحادية السياسية و لا زالت بعض رواسبه عصية رغم عنفوان رياح الإصلاح من أهم أسباب تحول العديد من الإدارات الموريتانية إلي إدارة صفراء و حرمان البلد في بعض الأحيان من كفاءة ثلاث فئات من الموظفين هم الموظفون غير المتسيسين مطلقا و ليس عددهم بقليل و الموظفون الموالون بنصح و إحسان و إجمال في الطلب من غير تزلف و لا تكلف و لا إسفاف و كثير ما هم و الموظفون المنتسبون للمعارضة وذلك حقهم السياسي الذي لا يحجب مطلقا حقوقهم المواطنية.                                                                        
3.احتلال" المهاجرين غير الشرعيين" من غير الموظفين للعديد من مراكز القرار: ربما يكون من أهم أسباب  انتشار الإدارة الصفراء ظاهرة احتلال مراكز القرار الإداري من فئة غير الموظفين العموميين من القادمين من القطاع الخاص أو الفاشلين في ولوج الوظيفة العمومية من باب المسابقة الشرعي و الذين هم فعلا " مهاجرون غير شرعيين" يفتقد أغلبهم الأهلية النظرية و التجربة المزكاة لمزاولة المهام الإدارية وغالبا ما مثلوا عناوين و رموز الإدارة الصفراء وإن وجب الاعتراف و التنويه بأن منهم استثناءات عديدة مبرزة شكلت إضافات نوعية لترقية العمل العمومي.                                                        
 وإذا تمهدت أمارات تحول العديد من الإدارات العمومية الموريتانية إلي إدارات صفراء و اتضحت أسباب ذلك فإن إصلاحات عاجلة يتعين اتخاذها أكثرها استعجالا إنشاء " مكتب وطني للإرشاد و ضبط الأعمال الإدارية" علي غرار مجلس الدولة الفرنسيle Conseil d’Etat يعهد إليه بتقديم النصح و المشورة و الإرشاد للحكومة في مجال مراقبة جودة مشاريع القوانين و  المراسيم و المقررات  وسائر مخرجات العمل الإداري شكلا و مضمونا و قياس مدي مطابقتها للدستور و القوانين المعمول بها و كذا تناغمها مع الأعمال الإدارية السابقة منعا للتكرار و التعارض  و التلاغي وهي مهمة موكلة الآن إلي الإدارة العامة للتشريع  ويخيل إلي أن  الحمل أكبر من البعير و أن المهمة أصبحت أكبر حجما و أكثر تعقيدا من  جهازي إداري كلاسيكي.
المختار ولد داهي
خبير إعداد و تقييم السياسات العمومية