عندما تتلخص مهمة الصحافة في الحديث عن القبيلة وتجريد أسماء الأشخاص وتوزيع الاتهامات جزافا على الجميع، فاعلم أنها قد انحرفت عن جادة الصواب، وتخلت عن مهمتها التي وجدت من أجلها أصلا.
وعندما يكون الشغل الشاغل لأي صحفي هو تتبع عورات الناس وإذكاء الفتن والصراعات وتشجيع القبيلة على حساب الدولة الوطنية، فاقرأ على رسل صاحبة الجلالة السلام.
قبل أيام تناولت بعض وسائل الإعلام المحلية أشخاصا بعينهم ليس بصفتهم الوطنية وإنما بانتمائهم الاجتماعي، وقامت بنشر صورهم وأسمائهم وصلات قرابتهم، متهمة إياهم بتكوين ثروات هائلة في ظرف قياسي، أغلبها جاء بدعم من النظام الحالي عبر صفقات "مشبوهة".
والواقع أن قبيلة أولاد باسباع كغيرها من القبائل الموريتانية، لايجب أن تدفع فاتورة رئاسة ولد عبد العزيز للبلاد، وإذا كان الأخير قد عرف بالتسامح حيال كل ما ينشر في وسائل الإعلام فإن بعض الأشخاص قد يلجأون للقضاء لدفع الضرر المترتب عن التشهير بهم والتعريض بهم أمام الجميع، وعلى الصحافة أن تعي هذه الحقيقة, فالصحفيون ليسوا معصومين من الخطأ ولا حصانة قانونية لديهم، وعليهم احترام خصوصيات الناس، وعدم التعريض والتشهير بهم إلا بدليل قطعي.
إن امربيه ولد الولي والدكتور محمد الإمام ولد أبنه ومحمد الأمين ولد بوبات على سبيل المثال كانوا أثرياء قبل الحكم الحالي، ولم تزدد ثروتهم بفلس واحد من الدولة، وهم ككل رجال أعمال موريتانيا من مختلف المشارب والقبائل والاتجاهات.
وقس عليهما الكثير ممن وردت أسماؤهم ضمن لائحة المشهر بهم خلال الأسبوع الماضي.
إننا في موريتانيا نحتاج إلى فهم الحرية ومعرفة الحدود القانونية التي رسمها لها الدستور، ولايعني فتح وسائل الإعلام وإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر أن الساحة باتت مفتوحة لمن هب ودب، وإن لكل من يحمل ترخيصا الحق في نشر خصوصيات الآخرين والتعريض بهم متى ما أراد ذالك.
ليس هذا تهديدا لأحد، ولا دعوة لتكميم الأفواه، لكنها بصراحة وقفة جادة للتأمل فيما وصل إليه حال الصحافة الوطنية، ودعوة لعقلاء المهنة لإعادة ترتيب البيت الصحفي من الداخل، ولانريد هنا أكثر من تفعيل القانون المنظم لحرية الصحافة فقط، وتنظيم دورات تكوينية للصحفيين لمعرفة ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات تجاه القارئ اولا، والرأي العام الوطني ثانيا، والوطن ثالثا.
وإلى أن يتحقق ذلك في القريب العاجل نأمل من الزملاء الصحفيين تحري الدقة والموضوعية، واحترام أعراض الناس وخصوصياتهم.
سيدي محمد ولد بوجرانه