لا تجد الكثير من الأسر الموريتانية ضيراً في تزويج بناتها وهن قاصرات، فالتقاليد الاجتماعية تنظر إلى الأمر على أنه طبيعي. وأشارت دراسة قامت بها وزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة سنة 2011، إلى أن 37% من الفتيات يتزوّجن قبل بلوغهنّ سنّ الثامنة عشرة، و15% يتزوّجن قبل بلوغهنّ سن الخامسة عشرة.
وقد أكدت الدراسة أن "النسبة ترتفع بشكل ملحوظ كلما ابتعدنا عن العاصمة، وتوغلنا في المناطق الريفية في موريتانيا"، فقد لاحظت أن 41% من فتيات الأرياف، تزوجن قبل سن البلوغ.
يحدد القانون الموريتاني سناً للزواج هي 18 سنة، لكنه فتح المجال أمام استثناءات، ووضع بيد والد الفتاة سلطة "تقدير المصلحة"، وهي سلطة تتيح له تزويجها قبل بلوغها السن القانونية.
في حديث لرصيف22، قال المحامي الموريتاني محمد المامي ولد مولاي أعل، إن "زواج القاصرات محكوم بمدونة الأحوال الشخصية، وقد نصت عليه بالمادة 6 التي تقول إن أهلية الزواج تكتمل بالعقل وإتمام الثمانية عشرة من العمر، ويصح لولي ناقص الأهلية أن يزوجها إذا رأى مصلحة راجحة في ذلك. أما المادة السابعة فتقول إنه إذا زوج الولي ناقص الأهلية من دون مراعاة مقتضيات المادة السابقة، فإن الزواج يقع صحيحاً. غير أنه إذا تبين أن ذلك لمحض مصلحة الولي، فإنه يتعرض للعقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي".
وقد أعربت اَن بنت محمد مديرة مركز نجدة لإيواء الفتيات القاصرات، التابع لرابطة النساء معيلات الأسر، عن اعتقادها بأن "التفسيرات الخاطئة للدين وتوقف الاجتهاد هما السبب في الكثير من الجدال القائم بين علماء الدين والحقوقيين حول هذا الموضوع. إذ يتمسك علماء الدين بشرعية زواج القاصرات انطلاقاً من كون الرسول صلى الله عليه وسلم قد تزوج عائشة رضي الله عنها وهي قاصر، على الرغم من الأضرار التي تقع على الفتاة بسبب تزويجها باكراً، كما أن عادات المجتمع تلعب دوراً كبيراً في ترسيخ هذا الزواج".
وأضافت: "العمل الميداني المناهض لزواج القاصرات يتسم في الغالب بطابع الاستنكار والنبذ، باستثناء مطالبات قليلة برفض وتجريم هذه الظاهرة. فعلى سبيل المثال نادت رابطة النساء معيلات الأسر بضرورة النظر في المادة 6 من مدونة الأحوال الشخصية، والتي تنص على منع زواج القاصرات ما لم يجد فيه ولي الأمر مصلحة للبنت، وهو ما وجدنا فيه ثغرة يستغلها أولياء الأمور ويهربون من العقاب، وهذا ما يؤدي إلى استمرار هذه الظاهرة".
المفارقة أن أكثر قصص زواج القاصرات في موريتانيا جدلاً لم تحدث على الأراضي الموريتانية، بل في إسبانيا. فقد قامت السلطات الإسبانية باعتقال أسرة موريتانية اتهمتها بتزويج ابنتها القاصر، أسلمها (14 سنة)، لأحد أبناء عمومتها. وحكمت المحكمة على الزوج بالسجن 13 عاماً بتهمة الاغتصاب، وعلى الأم بالسجن 17 عاماً بتهمة إجبار البنت على ممارسة الحياة الزوجية المبكرة، وعلى الأب بسنة ونصف السنة، وعدم الاقتراب من ابنته مدى الحياة بتهمة تهديدها. وكانت هذه الفتاة قد تقدمت، بتحريض من مواطنة إسبانية، بشكوى ضد أهلها لدى السلطات الإسبانية. وقد حدث الزواج المذكور سنة 2007 في موريتانيا.
وقالت الناشطة اَن لرصيف22 إن "المجتمع تحدث فيه قضايا صادمة، لكن مع التستر والصمت لا يمكن أن تصل إلى الرأي العام، على سبيل المثال هناك فتاة لم تتجاوز 13 سنة زوجها أهلها من شيخ يبلغ 73 عاماً من العمر، فحاولت التخلص منه بوضع سم الفأر في شرابه".