لقد تبين مؤخرا ، من خلال الحلقة الخامسة من المسار الحانوتي ، أن مسار التهافت هذا قد حط ـ فعلا ـ
رحاله في قارة الذات أو في منطقة "الأنا"..الذي انطلق منه أصلا ـ كالرمية حين تنطلق إلي السماء،
تعود إلي الأرض بعد جهد جهيد لمحاولة الصعود..
إنه عود إلي "الأنا" يحمل معه أمارات التحول من هذا الأخير إلي منطقة "الهو"
وذلك بعد رحلة شاقة لاستكشاف الآخر.. ولم تثمر غير انكشاف هذا "الأنا" نفسه أمام ذلك "الآخر".
فالحلقة الرابعة من مسار (الكاتب) هذا ، كانت بداية المنعرج التنازلي لذلك المسار ،
وكنا نعرف أنها لن تتوقف عند ذلك الحد إذ لا يمكن الإستقرار علي الخط الشاقولي ،أوالمستوي المائل دون تشغيل قوة الكبح .
تلك مسألة يعرفها الفيزيائيون جيدا ، وفي ظل غياب تلك القوة ، يبقي المسار متواصلا إلي غاية الوصول إلي الخط الأفقي ،
وقد يتواصل المسار بعد ذلك إن وصل إلي مستنقع آسن ..وذلك بفعل الانزلاق .إن تهافت المسار الحانوتي قد ظهر
الآن في شكل اضطرابات نفسية عميقة ،ولا أظن أنه سينتهي عند ذلك الحد ، بل قد يصل ـ يوما ـ إلي المكون الآخر للإنسان..
إذا لم يتم تفعيل المكبح وتشغيله . فقد يضمر ذلك المٌكوٍن.. معلنا أنه لم يعد يليق بذات ذاقت طعم الحرية فامبجست من عقالها ..
معلنة هي الأخرى أنها لم تعد بحاجة إلي جسد قوي متماسك ليحتضنها.إن الاضطراب النفسي قد أخفي علي الكاتب المحترم ،
أنه إنما يمنح خصمه نفس السلاح الذي يستخدمه ضده ،وذلك حين يأتي بقوله تعالي : " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول.." الآية ،
ليبرر بها إطلاق العنان لنفسه في شتم الرئيس وسبه ردا علي تهجمه الأخير علي المعارضة ، فرئيس الجمهورية كان في موقف المدافع،
والمنطق يصدق ذلك ، فالواقع يثبت أن منصب الرئيس هو منصب حساس لا يمكن أن يتسبب صاحبه أبدا في ما يولد ردة فعل ضده ،
فصاحبه يميل دائما إلي التهدئة والاستقرار ، ومن المستحيل أن يسبب لنفسه خصومة هو في غني عنها ، بمعني أنه لم يقل ما قال ،
إلا بعد أن نفد صبره ، بعد أن طفح الكيل وانطلقت ألسنة الأفاعي السامة من جحورها نحوه ، حينها كان لابد أن يتصدي لها .
.أما تسمية الكاتب لبلاد شنقيط بنفس التسمية المأثورة عن الولي الصالح الشيخ محمد المامي : "المنكب البرزخي" ،
وتعني (منكب) نقطة تلاقي بين أرض ممتدة أفقيا إلي الشمال (بلاد المغرب)، وأخري ممتدة عموديا إلي الغرب (بلاد السودان)،
وتعني (برزخي ) غياب السلطة الزمنية فيه مع وجودها علي تخومه السالفة الذكر .فقد أدي الاضطراب النفسي بالكاتب
عن غير قصد عند اختياره لهذه التسمية واستخدامه لها من بين التسميات الخمس ..إلي الإعتراف أنه مُجدِدٌ للفكرة القائلة بأن شنقيط
هي امتداد لإحدى السلطتين.. ولا أظنه ينسبها إلي بلاد التكرور. إنه يكشف عن ذاته بغير قصد ،فإذا بها في منطقة "الهو" وقد استقرت.
والقرينة قائمة علي ذلك ، حيث اختار الكاتب وأصَرً في الختام، من بين التسميات الخمس لهذه البلاد ،علي "تسمية المنكب البرزخي "
للتعريف بها حتي في ظرفها الحالي (يأهل المنكب البرزخي الشنقيطي) .وإذا علمت ـ أخي الكريم ـ أن هناك تسمية أخري أقوي دليلا
وأصدق تعبيرا عن غياب السلطة الزمنية في هذه البلاد، إن كان يريده ـ حقا ـ وهي تسميتها ب "بلاد السيبة" ،ولم يخترها ،
وإذا عرفت أن هذه التسمية الأخيرة تنفي التبعية ، وأن تسمية "المنكب البرزخي" تفيد احتمالها ،
حيث يحتمل أن تكون عبارة :لا إلي هؤلاء ،ولا إلي هؤلاء (البرزخ)، هي من حيث المنطق قد وردت إثر نفي ادعاء الانتساب لهذا الطرف
أو ذاك،مما يفيد احتمال حصول ذلك الإدعاء ، وإذا علمت أن الكاتب متهم ـ كما أسلفنا ـ
بتأييد فكرة تبعية موريتانيا في الأصل لإحدى جاراتها الأقدم منها حضورا في التاريخ
ـ كسلطة ودولة ـ إذا علمت كل ذلك ، سيتضح لك أيها القارئ الكريم ، أن منطقة "الهو"
عند الكاتب أصبحت مشحونة ، ولذلك فهي لن تنتظر ..لابد أن تخفف ذلك الضغط .
فجاء اختيار هذه التسمية لا إراديا ليكشف عن إرادة غير معلن عنها..!!.لم يوفق الكاتب ،
في تأويل قول الرئيس بأن موريتانيا كانت مجهولة قبل سنة 2009 ؛
لأن مقصود الرئيس من ذلك معروف جدا، حيث لم يجانب الصواب عندما أراد التعبير عنه .
لقد أراد السيد الرئيس بذلك القول: التعبير عن أن موريتانيا أصبحت منذ سنة 2008 دولة يحسب لها حسابها في السياسة الإقليمية والدولية .
هذا صحيح، فمن يستطيع التشكيك فيه الآن بعد رئاسة سيادته للإتحاد الإفريقي ،
ونجاح وساطاته في بؤر الاختلاف والحروب .لقد بدأت بلادنا فعلا مرحلة الاعتزاز بذاتها وتأكيد استقلالية مواقفها السياسية ،
مباشرة بعد صفعها لابنة أمريكا المدللة (إسرائيل) ، حينها لم تعد دولة في العالم تجهل موريتانيا أو تتجاهلها ،
وهما الأمران الذين كانا سائدين في مرحلة ما قبل 2008 ، ونسي الكاتب وهو يعدد مآثر بلاد شنقيط التي يعتبر أن الرئيس قد جني عليها .
.أن هذا الرئيس هو من أعادلها أمجادها وتاريخها الساطع وموقعها الدولي الرائع والمميز الذي كان، قبل موجة الفساد والركود التي دامت عقودا من الزمن .
لقد نسي الكاتب المحترم أن الرئيس هو من أحيا تراث هذا البلد الثقافي والمعماري الذي أوشك علي الإندثار ،
وأعاد للمحظرة حضورها التاريخي بوجه يناسب اللحظة الراهنة ، وأرسي دعائم التقدم والازدهار لهذه البلاد بخلق بنية تحتية
متمشية و روحَ العصر مع الاحتفاظ بالموروث التاريخي لأمتنا الكريمة . لقد نسي الكاتب المحترم كل ذلك أو تجاهله ،
واسترسل في تمجيد بلاد يشكك في أصلها ويرغب في إتباعها ..!!.ثم إن الاضطراب النفسي يظهر ـ أيضا ـ
في التكرار غير المبرر، لتلفيقات عجز الكاتب المحترم عن إقناع الناس بها ، وذلك في مقالات متعددة ،أو في المقالة الواحدة ،
ومنه الحديث عن الشرائحية ، و الفيئوية ، و الأعراق وتحميل الرئيس مسؤولية إثارتها ،
وتحميله مسؤولية وقوع الأحداث الأخيرة المتعلقة بالتطاول علي المقدسات الشرعية ..!
!ثم إن تكرار سعيه إلي اسنتهاض الهمم لانتزاع السلطة بالقوة، أو تخريب البلد علي الأقل ـ
كل مرة يكتب فيها مقالا ـ ولم يثنيه حتي الآن أن كان التجاوب معه دوما ،لا يتجاوز مستوي التجاوب مع صوت نشاز لا يَليق ..
ولا يٌلقي له بال ،هو دليل آخرعلي ذلك الاضطراب.لا يَخفي الاضطراب النفسي ـ أيضا ـ في سعي الكاتب المحترم إلي التهوين
من شأن الانتخابات الرئاسية السابقة ، باتهام المترشحين فيها بالعمالة للنظام ...وبالقول إنها مزورة ، وهو قول لا يستند إلا إلي مزاج صاحبه ،
إذ يقول بأن نسبة المشاركة لم تتجاوز 31.7% حسب مالديه من مصادر ، والحمد لله أنه قال ذلك ، حتي يتأكد الجميع أنها مصادر
مزورة أو أنه مطعون في مصداقيتها ، ولم يكتف الكاتب المحترم ، بالنيل من رئيس الجمهورية ، بل تجاوزه إلي النيل
من المراقبين الدوليين قائلا إنهم مجرد سياح سياسيين ، أو شهود زور!!.والملفت في أمر الاضطراب النفسي أن الكاتب،
رغم أنه يعلم بكل تأكيد أن اليوم الثاني من أغسطس القادم سيكون يوم فخر لا نظير له في تاريخ بلدنا المعاصر،
الأمر الذي يؤكد مصداقية الانتخابات التي انتقدها لتوه ، ولم يسطع أن ينبز حوله بأي كلمة ،
وربما كان خوف الكاتب من وقوع ذلك الحدث علي رأسه كالصاعقة التي قد لا يتأكد بعدها أنه مازال هو كما كان ،
ربما الخوف من حصول ذلك الشعور هو السر وراء الاسراع بهذه الحلقة ، ليقول للجميع :إن الريق لم يجف بعد ،
ومع ذلك فإن توقيت هذه الحلقة لم يكن مناسبا .فمجريات ذلك اليوم وسكينته وهيبته الدولية ستأتي ـ كالسيل الجارف ـ
علي كل الإدعاءات المغرضة المشككة في مصداقية انتخابات 21 يونيو، مما يعني أن الوقت الأنسب لهذه الحلقة(5)..
إن كان ولابد منها ، بالنسبة لمن لا يخجل من التصامم ومجافات الحقائق ، إن كان لا يزال متماسكا،هو بعد أسابيع علي مرور
فعاليات ذلك اليوم التاريخي ...ثم إن الكاتب المحترم في الوقت الذي يشجب ويٌشهٍر تدهور الأخلاق في بلدنا وانقلابها ـ حسب تعبيره ـ إذا به ينتهك
ـ في نفس الوقت ـ حرمة شهر رمضان المبارك ، فيبهت رئيس الجمهورية ، أي احتملت عليه بهتانا، تسيء إليه بإطلاق اتهامات باطلة ،
مثل : قوله : "الشرارة في حقل النفط "، وقوله :"الدعوة المقيتة"، وقوله:
"أن الانتخابات الأحادية التي نظمها كانت الفرصة السانحة للتطرف والرذيلة السياسية و الشرائحية و العرقية"، وقوله
: "الذي اقتصر برنامجه الانتخابي على الجهر بالسوء من القول منكرا وزورا وكيل الشتائم لنخبة المعارضة الشريفة" !!،
وقوله أيضا : "إنه... حلقة أخرى من التدهور الأخلاقي والقيمي في قيادة الدولة".إن المسلم إذا ذكر أخاه المسلم بما يكره :
فإن كان غير صحيح فقد بهته، وإن كان صحيحا فقد اغتابه ، وفي كلي الأمرين انقلاب واضح علي أخلاق المسلم السوي خصوصا
في شهر رمضان المعظم الذي تضاعف فيه الأعمال ، فكيف لمن لا يٌلقي بالا لهذه الزواجر أن يتحدث في نفس الوقت عن الانقلاب الأخلاقي ؟!
إنه الاضطراب النفسي يفعل فعلته.قال تعالي : (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولوكره الكافرون) صدق الله العظيم
بقلم سيدالأمين ولد باب