نواكشوط – «القدس العربي» فسر مراقبو المشهد السياسي الموريتاني أمس الدعوة المفاجئة التي وجهتها حكومة الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز لأحزاب المعارضة، من أجل الدخول في حوار سياسي شامل قبل السابع من أيلول/سبتمبر المقبل، بأنه زلزال قوي سيضع موريتانيا أمام منعطف حاسم.
واستغرب المراقبون إقدام الحكومة على هذه الخطوة وقطعها لشعرة التشاور التي كانت قائمة بينها مع منتدى المعارضة، حول البحث المشترك عن حل للأزمة السياسية التي يعتبرها النظام وهما من أوهام المعارضة، فيما تعتبرها المعارضة أزمة ناجمة عن قلب أول رئيس منتخب عام 2008.
وفي هذه الأثناء واصل القطب السياسي في منتدى المعارضة أمس مشاوراته حول الموقف الذي سيتخذ اتجاه دعوة الحوار في جو من الحذر والترقب والخوف من أن يتفكك المنتدى في وجه الدعوة التي وجهتها الحكومة للحوار. وأكد مصدر من داخل القطب السياسي لـ«القدس العربي» أن «النقاشات تتجه لعقد مؤتمر صحافي يعلن فيه المنتدى رفضه للحوار المعروض من طرف الحكومة، مع ذكر مسوغات الرفض والحرص على إقناع الرأي العام المحلي والدولي بعدم جدوى الدخول في حوار يعده ويشرف عليه الطرف الحكومي وحده».
وأشار المصدر إلى «أن المنتدى حريص على تماسك جميع مكوناته أولا قبل الدخول في مقاطعة الحوار».
هذا ويواصل مدونو ومغردو أطياف المعارضة حث المنتدى المعارض على رفض الاستجابة للعرض الحكومي الذي يشكل حسب أحمدو الوديعة الصحافي البارز والقيادي في حزب التجمع (الإخواني)، «إهانة لكل حزب من أحزاب المنتدى وإهانة لها مجتمعة وتعبيار متجددا عن مستوى استخفاف واحتقار الرئيس الجنرال للطبقة السياسية».
وأضاف الوديعة داعيا لمقاطعة الحوار «لو تحلت المعارضة بالحد الأدنى من الرؤية والحصافة والثقة الداخلية بين مكوناتها لضربت صفحا عن أي حوار مع النظام الحالي وكرّست وقتها وجهدها وحوارها لتصور وتنفيذ برنامج وطني يغتنم فرصة (انتخابات) 2019، ويفرض أن تكون موعدا للشعب الموريتاني مع تغيير جدي يكنس حكم العسكر ويقيم دولة العدل والوحدة».
وشكك القيادي الإسلامي أحمدو الوديعة في قدرة المعارضة على رفض الحوار فأكد في تدوينة له أمس Haut du formulaire»التعبير الأولي في صفوف المعارضة عن رفض حوار الاستدعاء لا يعني أنها ستستمر في ذلك، فتاريخ معارضتنا الوطنية وحاضرها ورؤية بعضها للمستقبل تجعل من الواجب التريث كثيرا قبل الركون لتوقع ما يبدو بدهيا أن مصير حوار الاستدعاء هو الفشل».
أما المدون محمد الأمين الفاضل القيادي في منتدى المعارضة فقد خرج من قراءته للدعوة للحوار بملاحظات منها «أن الوزير الأمين العام للرئاسة (موجه رسالة الدعوة للحوار)، قد أراد أن يقول من خلال رسالته، بأنه لا يعترف بأي تكتل سياسي معارض في موريتانيا، ولذلك فإنه لم يبعث برسالته إلى المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، ولا إلى كتلة المعاهدة، وإنما بعث بها إلى رؤساء الأحزاب السياسية».
وأعاد الفاضل للأذهان «أن وثيقة الوزير الأول للحوار أو رسالته التي أرسلها يوم 14 كانون الثاني/يناير 2015، أي منذ حوالي سبعة أشهر، لم يبعث بها إلى الأحزاب السياسية، وإنما بعث بها إلى الكتل الكبرى وهي المنتدى والمعاهدة».
واستنتج القيادي المعارض من تغير العناوين في رسالة رئيس الوزراء والوزير الأمين العام للرئاسة «أن السلطة لم تعد تخفي أنها لا تعترف بالكتل السياسية المعارضة (المنتدى؛ المعاهدة) كشريك، وإنما تعترف فقط بالأحزاب السياسية المعارضة، ما يجعل تغيير العناوين رسالة سلبية للتكتلين الكبيرين، وخاصة المنتدى الذي يضم ثلاثة أقطاب بالإضافة إلى قطبه السياسي».
ويضيف المدون محمد الأمين «إن بعث رسائل للأحزاب السياسية المنخرطة في المنتدى، وتجاهل الأقطاب الثلاثة الأخرى، يعد محاولة خبيثة من السلطة من أجل تفكيك المنتدى، وينضاف لذلك أن للمنتدى رسالة توجد الآن في بريد السلطة، وهو لا يزال ينتظر ردا عليها، ولذلك فمن الاستفزاز بعث السلطة برسالة لقطب من أقطابه من دون أن يكون في تلك الرسالة أي رد على رسالة المنتدى الموجودة في صندوق بريد السلطة منذ ما يقترب من ثلاثة أشهر».
وانتقد القيادي ولد الفاضل قطع السلطات لتفاوضها مع المعارضة مؤكدا «أن هذه السلطة التي بدأت مسارا تفاوضيا مع المنتدى، ثم فجأة تقرر أن تقطع ذلك المسار، وأن تبدأ مسارا جديدا بتوجيه رسائل للأحزاب السياسية متجاهلة الرد على المنتدى، إن مثل هذه السلطة ستبقى غير جديرة بالثقة».
« فلنفترض جدلا، يضيف القيادي البارز، أن الأحزاب السياسية قررت أن ترد بشكل إيجابي على رسالة الوزير الأمين العام للرئاسة، فمن ذا الذي يمكنه أن يضمن لتلك الأحزاب بأن هذا المسار سيتواصل، فربما تقرر السلطة أن تقطع ذلك المسار وأن تبدأ مسارا جديدا وفقا لتقلبات مزاجها، تماما كما تفعل الآن بعدم ردها على المنتدى، وبقرارها المفاجئ والداعي لحوار جديد بمقاييس وبتفاصيل جديدة».
وتابع الفاضل تحليله قائلا «إن أي رد إيجابي من طرف الأحزاب السياسية على رسالة الوزير الأمين العام، وسواء كانت تلك الأحزاب منخرطة في المنتدى أو في المعاهدة سيكون بمثابة اعتراف ضمني من هذه الأحزاب بعدم جدوائية، بل وبعدم أهمية بقاء الكتلتين (المعاهدة والمنتدى)، وبأنه قد آن الأوان لتفكيك هذه الكتل السياسية».
وتوقف القيادي المعارض أمام ملاحظة أخرى مفادها حسب رأيه «أن الدعوة الحكومية للحوار دالة على عدم جدية في الحوار، وأن هناك نظرة غير سوية للحوار، فالحوار عند السلطة يعني شيئا آخر غير الحوار المعروف عند الجميع، فالحوار عند السلطة قد يعني دورة تكوينية أو ورشة، أو أياما تفكيرية يكون فيها من حق الداعي أو المنظم أن يحدد التاريخ المناسب، وأن يحدد طبيعة المواضيع التي سيتم نقاشها، وما على المدعوين إلا أن يأتوا صاغرين أو لا يأتون».
«لقد أكدت رسالة الوزير الأمين العام للرئاسة، يضيف المدون المعارض، أن السلطة غير جادة في دعوتها للحوار، وبأنها لا تريد حوارا جديا، وإنما تريد حوارا شكليا، وبمن حضر، ولا أعتقد بأن الحضور سيكون لافتا لحوارها المقبل، وهو بالتأكيد سيكون أقل من حوار 2011، وهو الحوار الذي أصبح من الواضح أنه لم يحل الأزمة السياسية، وإنما زاد من تعقيدها».
وختم الفاضل تحليله للموقف بطرح أسئلة بينها:لماذا تقرر اليوم السلطة، أن تكرر الخطأ نفسه، الذي ارتكبته في العام 2011؟ ولماذا تفكر الآن في أن تنظم حوارا بمن حضر؟.
لا أجد جوابا على ذلك، يقول المدون المعارض، وإن كانت تحضرني الآن كلمة تقول بأن الفاشل هو ذلك الذي يكرر الأساليب نفسها ويتوقع نتائج مختلفة».