بيان صادر عن المكتب التنفيذي
فى دورته المنعقدة للفترة من 27/06 إلى 13/08/2015
لقد تدارس المكتب التنفيذي في دورته الأخيرة تقريرا قدمه رئيس الحزب عن الحالة العامة السياسية الراهنة، وعرضا عن وضعية الحزب؛ وبعد نقاش مستفيض للتقرير أصدر المكتب التنفيذي البيان التالي:
- الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد
- وضع مؤسسات الدولة وما تعانيه من شلل وعجز
إن الوضعية العامة لا تزال ترزح تحت الأزمة السياسية التي عرفتها البلاد منذ انقلاب محمد ولد عبد العزيز سنة 2008، وتعنته في نهج تسيير أحادي للبلد. ولم يعد لمؤسسة رئيس الجمهورية من مصداقية ولو شكلية بعد مقاطعة المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة والتحالف الشعبي التقدمي للانتخابات الرئاسية التي جرت في 21 يونيو 2014، وما واكب ذلك الاقتراع من شتى أنواع التزوير، مما أظهر بجلاء تبعية اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات للسلطة، مع استمرار تسخير كافة المؤسسات العامة والخاصة التي يفترض أن تكون محايدة (الجيش، الإدارة، العدالة، الممتلكات العمومية، رجال الأعمال والمصارف والعلماء والصحافة) لصالح مرشح السلطة. أما انتخابات ديسمبر 2013 والتي قاطعتها أغلب الأحزاب السياسية المكونة لمنسقية المعارضة الديمقراطية فلم تنج - هي الأخرى - من التزوير على نطاق واسع؛ فكانت الجمعية الوطنية المنبثقة عنها مجرد غرفة تسجيل والمجالس البلدية، في أغلب الأحيان، مجرد لجان فرعية للحزب الحاكم؛ ومن المعروف أن اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات مكونة، أساسا، ممن امتهنوا التزوير على مر العقود الماضية.
أما مجلس الشيوخ فيستمر في ممارسة عمله خارج كل إطار شرعي غير عابئ بانتهاء مأموريته؛ ولم يكلف النظام نفسه عناء إعطاء هذه الغرفة حدا ولو قل من ظاهر الشكل القانوني فظلت تسن قوانين لا مصداقية لها.
والمجلس الدستوري المسكين، فلا أحد يبلغ به التفاؤل أو الجرأة في أن يدعي انه قد ينهض بنزر ولو قليل من المهام المسندة إليه بموجب الدستور.
وكنتيجة لهذه الوضعية، فإن كل السلطات محصورة اليوم بيد رجل واحد، فلا قيمة للكفاءات الفنية والعلمية وأفرغت الأمانة في أداء الموظفين العموميين لعملهم من كل معنى لها وليس ما يسميه بلاط النظام ‘’التفاف المواطنين حول السيد الرئيس إبان زيارته للداخل’’ إلا إرهاصا من إرهاصات تلاشي الدولة وإنهاء عقد المواطنة، وفضلا عن كل ذلك هزت الفضائح المالية والإدارية السلطة حتى أصبحت موضوع تندر الخاصة والعامة.
وقد كان لهذه الوضعية الأثر البالغ على المؤسسات القضائية والإدارية والأمنية والعسكرية:
- إن الموريتانيين يتوقون إلى قضاء مستقل وقادر على ضمان حريات المتقاضي وصيانة عرضه وماله، ومن المعروف اليوم أن مهام رئاسة محاكم حساسة تسند، بدواعي المحسوبية الصريحة، لأقل القضاة ورعا وأضعفهم تكوينا وأشدهم جرأة على مخالفة النصوص، ولا يتحاشى الرئيس علنا من الاستهزاء بالقانون وبالقضاة دون تردد أو تحفظ ؛
- لا يجادل أحد في عجز الإدارة المركزية عن أداء مهامها اليومية، ويشكوا شركاء التنمية من قصور الموظفين الذين يسيرون شتى مرافق الدولة ومفاصلها، ممن هم على صلة بهم في إطار مشاريع تنموية، ويتفق الجميع على أن أداء الإدارة الإقليمية وتعاطيها مع النزاعات المحلية أصبح سببا أساسيا في إحداث الفرقة بين المواطنين وإشعال الفتن بين المجموعات المحلية وحتى داخل الأسر؛
- لم تكن المؤسسات العسكرية والأمنية، التي من مهامها المفترضة أن تكرس مبدأ المساواة بين مكونات الشعب لتشكل بوتقة للانصهار بين إفرادها بأحسن حظا من غيرها من المؤسسات، فالاكتتاب والتدرج في الرتب وتولي الوظائف السامية في هذه المؤسسات لا تكون إلا على أساس العلاقات الخاصة والولاء السياسي والمحاباة والعشائرية، بعيدا عن الكفاءة والقدرة على القيادة والانضباط والتجربة الميدانية، مما جعل أبناء الطبقات الأقل حظا تفقد، داخل هذه المؤسسات، كل أمل في الترقية والنبوغ والخروج مما هي فيه من تهميش وعدم إشراك في الشأن العام، مما أدى إلى إعاقة عملها وشله، فقد عرف الوضع الأمني تدهورا كبيرا، خاصة في نواكشوط وفي المدن الكبرى؛ ويتجلى ذلك في تفشي المتاجرة بالمخدرات التي استوطنت ببلادنا مع انتشار تبعاتها من جرائم القتل والاغتصاب التي أصبحت ظواهر معاشة، وبات الاعتداء المسلح في الأماكن العامة أمرا اعتياديا يقدم عليه مدللو النظام دون عقاب فعلي؛
- لقد أٌبعد المهنيون أصحاب الاختصاص من تسيير العلاقات الخارجية لبلادنا ولم نستفد من كفاءاتهم وتجربتهم، مما انعكس سلبا على أداء دبلوماسيتنا فاضمحل ما كان لبلدنا من اعتبار لدى شركائه، وفي إطار هذه السياسة الخارجية التي لا تتبع لتخطيط ممنهج أو لرؤية واضحة، قبل محمد ولد عبد العزيز ،منذ استيلائه على السلطة، لعب دور المحارب بالوكالة لبعض القوى الأجنبية، تحت عنوان "محاربة الإرهاب مما مكنه مؤقتا من الحصول على مكاسب شخصية على حساب المصالح العليا لموريتانيا، وفي خضم ذلك، عُين – بعد اعتذار الجزائر وغياب ليبيا، طرفيا - كرئيس دوري لمنظمة الوحدة الإفريقية، فحاول الاستفادة هذا الموقع من أجل تلميع صورته شخصيا لا صورة بلده، وتقوية حكمه الفردي عبر استغلال مأموريته التي تحتم عليه حضور مؤتمرات ولقاءات مقررة سلفا من المنظمة، كلقاء الاتحاد الأوروبي والوحدة الإفريقية - إبريل 2014 في بروكسل، وقمة الولايات المتحدة الأمريكية والوحدة الإفريقية - أغشت 2014 في واشنطن، والوساطة في أزمة أزواد ومحاولة نسج علاقات جديدة، لدواعي مالية رخيصة، مع بعض دول الخليج العربي وخاصة المملكة العربية السعودية، إلا أن تمركز القوات الفرنسية في مالي وفي الساحل أفقد ولد عبد العزيز ورقة المكلف بمهمة في المنطقة، وكانت الخاتمة انتكاسات دبلوماسية مدوية في العلاقات مع الجزائر والمغرب.
- على المستوى الاقتصادي: يلاحظ تدهور شديد للحالة الاقتصادية، بتضافر عوامل عدة ويتجلى ذلك في المؤشرات التالية:
- تراجع سعر خام الحديد منذ سنتين (منذ دجمبر 2014) حيث هبط بنسبة 55% مع توقعات أكثر قتامة بالنسبة للمستقبل، وقد سبب هذا التطور انعكاسات خطيرة على شركة (سنيم) وقدرتها التنافسية، كما أثر سلبا على مساهمتها العامة في ميزانية الدولة (الضرائب والأرباح)؛ وأظهرت هذه الوضعية بجلاء أن الشركة قامت بتبذير المداخيل الهائلة التى حصلت عليها إبان سنوات الطفرة في مشاريع مبالغ في تكلفتها أو غير وارد إنجازها على الإطلاق؛ وقد ساهم الإضراب الذي قام به عمال سنيم في الكشف عن مدى سوء تسيير الشركة وعمق ما تعانيه.
- تخلي شركة تازيازت عن خطة تنميتها وفسخها لعدة عقود مقاولة، وتقليصي عدد عمالها ونقص حاد للمداخيل الناجمة عن ذالك على المستوى الوطني؛
- تقليص شركة MCM لعدد عمالها وفسخها، هي الأخرى، لعدة عقود مقاولة؛
- مغادرة أغلب شركات التنقيب عن البترول والمعادن للبلد (إكستراتا، تيلوي، بتروناس، إلخ....)؛
- لجوء عدة شركات أجنبية أخرى إلي التحكيم الدولي أو تقديم شكاوى أمام المحاكم الموريتانية ضد الدولة مثل بومي وبي پي أنرجي ؛
- أزمة صيد ألأعماق التي ادت إلي توقف دام ثلاثة أشهر عن النشاط في هذا القطاع؛
- الصبغة لخاصة لبعض الايرادات الاستثنائية لميزانية الدولة في السنوات الأخيرة (صفقة السنوسي المشبوه والتقويمات الجبائية الكبيرة التي كانت مثار جدل) لا تتجدد بطبيعتها؛
- إضعاف القطاع المصرفي (Maurisbank وGBM) والانعكاس السلبي لذلك على المصداقية الداخلية والخارجية للقطاع.
- انعكاسات الجفاف على القطاع الريفي منذ السنة الماضية وغياب خطة استعجاليه لمواجهته.
وإذا أضفنا إلى هذه العوامل كون أغلبية المشاريع الحكومية التي هي قيد التنفيذ - هي إما مشاريع مبالغ في تقييمها وغامضة في آلية وضعها (مطار نواكشوط، المحطات الكهربائية)، أو هي مشاريع بنى تحتية ذات تصميم فني سيئ (أغلب الطرق الرابطة بين المدن التي اسند تنفيذها بصفة مباشرة أو غير مباشرة لحاشية النظام) - يمكن القول إنها ستمثل، ان هي انحزت ، عبئا إضافيا على ميزانية الدولة بسبب التكاليف المرتفعة لصيانتها في السنوات المقبلة، بدل أن تكون أداة تنمية أو مصدر ثروة؛
- على المستوى الاجتماعي والانسجام الوطني: لا يمكن نكران تصدع الوئام بين مختلف مكونات شعبنا، إذ أن الفرقة والبغضاء بين المكونات الإثنية والاجتماعية قد بلغت حد الدعوات المفتوحة لتجزئة الدولة والتمرد العسكري، وأصبحت شعارات ترفع في وضح النهار.
إن هذه الوضعية ليست إلا نتيجة حتمية للازدراء بالمواطن وعدم التبصر الذي تتسم به سياسات محمد ولد عبد العزيز في تسيير الشأن العام وممارسة السلطة. ومن أسبابها أيضا المناورات الرخيصة التي يمارسها النظام في السر والعلانية، بهدف زرع الفرقة بين مكونات شعبنا عن طريق تأليب بعضها ضد البعض، وتوفير فرص للمتطرفين لبث خطابات الفرقة والحقد عبر وسائل الإعلام المملوكة للدولة.
لقد فضل النظام في معالجته لمشكلة الرق ومخلفاته، سياسة ذر الرماد في العيون عبر مشاريع جانبية صممت لأغراض دعائية دون مشاركة المستهدفين منها وسن قوانين متشددة في نصها إلا انها لا تنال تطبيقا على الواقع.
والسمة المشتركة لمعالجة هذه القضية المزمنة، وغيرها هو الارتجال وعدم الجدية، مما حال حتى الآن دون تمتع بعض المواطنين العائدين من حقوقهم المشروعة، مع تعرض البعض للابتزاز والمضايقات من طرف السلطات، التي منعت البعض منهم من الإحصاء مما أفشل اندماجهم في محيطهم.
لقد أصبح النظام التربوي عاجزا عن حمل رسالته كعامل موحد للأمة، وأداة ترقية اجتماعية للطبقات الأقل استفادة، حيث استبدلت المدرسة العمومية، التي تتساوى فيها الحظوظ بين أبناء الفقراء والأغنياء، بمدرستين متوازيتين إحداهما عمومية لأبناء الفقراء والثانية خصوصية تغريبية يسيرها أجانب لأبناء الأغنياء ، لا وجود لجسور بين روادهما، وإنما يتشاركون الفشل الناتج عن ضعف أدائهما وانعدام الوسائل والافتقار إلى جدية في المنهج، ومن السخرية ان النظام يعلن السنة الحالية "سنة تعليم" في ظرف كهذا...
أما الأوضاع الصحية العامة فلا تحتاج إلى توضيح، فهي مثل التعليم حيث أن التفرقة بين الفقراء والأغنياء ظاهرة للعيان، فأبناء الطبقة الأولى هم نزلاء المؤسسات الطبية العمومية المعروفة حالتها الرثة، التي لا تراعي أدنى المعايير الصحية، والثانية هي التي يلج أصحابها مشافي خصوصية لا رقابة عليها من الجهات الوصية، أو يتعالجون خارج البلاد بتكاليف باهظة.
وفي مواجهة الأزمة الاجتماعية (البطالة، وارتفاع الأسعار، الفقر، تدهور المدرسة والصحة العامة)، يلجأ النظام إلى استغلال شعارين ديماغوجين يتمثلان في تقسيم القطع الأرضية على ساكنة الكزرة، وفتح حوانيت "أمل" بأسعار مخفضة.
أما الأول لا يعدو - في المحصلة النهائية - كونه رمي عشرات آلاف الأسر الفقيرة على أطراف مدينة نواكشوط دون توفير أدنى خدمة عامة لهم، في حين أن قطع الكزرة القديمة، الواقعة داخل نواكشوط، توزع على المقربين من السلطة؛ والثاني بمثابة حيلة الهدف منها اختلاس الأموال العمومية من طرف الأوساط المقربة من رئيس الدولة، حيث لا تكاد تغطي حوانيت "أمل" 20% من احتياجات الأسر المعدمة، المرغمة على الوقوف في طوابير لعدة ساعات من أجل الحصول على كميات ضئيلة، من مواد تفتقر إلي الجودة، الشيء الذي يعبر بجلاء عن ازدراء هذه السلطة لشعبنا.
إن تكتل القوى الديمقراطية، إدراكا منه للأخطار المحدقة بالبلاد ودراية منه بحالة النسيج الاجتماعي الموريتاني وتقديرا:
- يحيي النضال الدؤوب لمناضلي الحزب، وما بذلوه من تضحيات جسام خدمة للوطن؛
- كما يحيي تحمل المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة لمسؤولياته من أجل جمع شمل الموريتانيين، بغية إحداث تغيير ديمقراطي جذري وسلمي، يمكن من القطيعة حقا مع الفساد والتلاعب بمصالح البلاد؛
- يدعو كافة الشعب الموريتاني والقوى الحية إلى الالتفاف من أجل تحقيق هذا الهدف، وذلك عبر النضال الديمقراطي السلمي الجاد.
- يعي أن الحوار الوطني الجاد والمسؤول، الصادق والبعيد عن المناورات السياسية التافهة، والذي يدرك أطرافه الحالة المأساوية التي يعيشها بلدهم، هو الحل الوحيد للخروج من هذه الازمة المتعددة الأوجه؛
- يتشبث بالممهدات والآليات التي وضعها منتدى الوحدة والديمقراطية للمشاركة في هذا الحوار.
2. وضعية الحزب
وبخصوص حالة الحزب، فبعد تناولها بدراسة متأنية:
- عهد المكتب التنفيذي إلى قيادة الحزب بالعمل على تكثيف الجهود للتصدي للتحديات الجسام التي يواجهها الحزب ومناضلوه؛
- وأمر اللجنة الدائمة بوضع آليات نضالية ديمقراطية تتناسب والظرف الحالي الخطير الذي تمر به البلاد؛
- كما عين لجنة وطنية لتنصيب هيآت الحزب القاعدية، وحدد لها منتصف شهر اكتوبر المقبل أجلا أقصي لبدء عملها، تمهيدا لانعقاد المؤتمر العادي القادم للحزب.
نواكشوط، 1 ذو القعدة 1436 – 16 أغشت 2015
المكتب التنفيذي لحزب تكتل القوى الديمقراطية