في وقت متأخر من ليلة الجمعة الموافق 14 أغسطس 2015، وفي حدود الساعة الثانية ليلا توقفت سيارة من نوع (Toyota Land Cruiser) عند نقطة تفتيش في "جبالي"، وبعد إجراءات التفتيش العادية سمح للسيارة بأن تواصل رحلتها. السيارة كانت تحمل عددا من التجار الموريتانيين القادمين من ساحل العاج لقضاء فترة من الزمن مع ذويهم، ولم تكد السيارة تبتعد عن نقطة التفتيش بمسافة سبع كيلومترات حتى اعترضت طريقها سيارة ودراجتان تحمل عددا من الجنود الماليين (15 جنديا حسب تقديرات اثنين من الجرحى) . أخذ الجنود الماليون يطلقون النار على السيارة، وعلى من بداخلها من الركاب، تمكن السائق من الفرار، وأصيب كل الركاب باستثناء واحد بجروح كانت متفاوتة من حيث درجة الخطورة.
بعد ذلك بدأ الجنود الماليون في نهب ممتلكات الركاب، أخذوا كل شيء، وذلك من قبل أن يغادروا مكان الجريمة. أحد الركاب تمكن من أن يخفي هاتفه، وبعد ذهاب الجنود الماليين بدأ الاتصال بذويه لإخبارهم بما حدث.
علم بعض أقارب الضحايا في وقت متأخر من الليل بالفاجعة، وفي فجر يوم الجمعة كان أغلب سكان مدينة "فصالة" قد علموا بالفاجعة، وكانت السلطات المحلية قد أخذت خبرا بها.
أقل من ستين كيلومترا هي المسافة التي تفصل بين مدينة "فصالة" والمكان الذي وقعت فيه الجريمة، ومع ذلك فقد كانت أول سيارة موريتانية تصل إلى الضحايا هي سيارة أجرها أقارب الضحايا ووصلت في حدود الساعة الواحدة زوالا. أهالي الضحايا كانوا قد أجروا سيارتين، ولكن السلطات الموريتانية لم ترخص إلا لسيارة واحدة بالعبور.
يمكنكم أن تسجلوا هذه: الضحية الذي وافاه الأجل ظل على قيد الحياة إلى حدود الساعة العاشرة ضحى. يعني كانت هناك فرصة لإنقاذه لو أن السلطات الموريتانية تحركت، وحاولت أن تسعف الضحايا فيما بين الساعة الثانية ليلا والساعة العاشرة ضحى من يوم الجمعة.
ويمكنكم أيضا أن تسجلوا هذه: نقطة التفتيش في "جبالي" هي نفسها التي كانت قد شهت مجزرة الدعاة. بالمناسبة لم يتم حتى الآن إجراء أي تحقيق بخصوص تلك المجزرة، وأغلب الظن أن الجنود الذين ارتكبوا تلك المجزرة البشعة لم تتم محاسبتهم من طرف السلطات المالية، ومن يدري فربما يكون من بينهم من شارك في ارتكاب الجريمة الأخيرة. لقد نظم بعض أهالي ضحايا مجزرة الدعاة سلسلة من الاحتجاجات للمطالبة بمعاقبة الجناة، ولكن تلك الاحتجاجات لم تستمر طويلا، فطوت السلطات الموريتانية ملف المجزرة وأغلقته على الكثير من الدموع والجراح والآلام.
نقل أقارب الضحايا ـ وعلى نفقتهم الخاصة ـ الجرحى إلى "فصالة"، ثم إلى "باسكنو"، ثم إلى مستشفى "النعمة". أحد الجرحى كانت حالته تستدعي النقل إلى مستشفيات العاصمة، وهناك جريح آخر سيتبين أنه هو أيضا سيحتاج إلى النقل إلى مستشفيات العاصمة.
تم نقل الجريح الأول في سيارة إسعاف تم تأجيرها بمائة وأربعين ألف أوقية جمعها أقارب الضحايا الذين اعتصموا أمام القصر الرئاسي، وأرسلوها إلى قريب لهم في مدينة النعمة ليسلمها للسلطات الجهوية هناك من أجل أن تسمح لسيارة الإسعاف بنقل الجريح إلى المستشفى العسكري بالعاصمة. أما بالنسبة للجريح الثاني فقد تدخل بعض أقاربه لدى السلطات الجهوية، وقد تمكنوا بعد الكثير من "الوساطات" من الحصول على سيارة إسعاف مجانية تتولى نقل جريحهم إلى العاصمة، ولا أقول جريح الدولة الموريتانية، ويؤسفني أني لا أستطيع أن أصفه بتلك الصفة.
والآن يمكنكم أن تسجلوا هذه الملاحظات:
1 ـ مجموعة من المواطنين الموريتانيين يتم الاعتداء عليها من طرف جنود ماليين تقريبا في نفس المنطقة التي كانت قد ارتكب فيها جنود ماليون مجزرة ضد عدد من الدعاة الموريتانيين.
2 ـ لم توفر الدولة الموريتانية أي إسعاف للجرحى الذين لم يزرهم زائر فيما بين الساعة الثانية ليلا وحتى الساعة الواحدة زوالا (11 ساعة)، وذلك مع العلم بأن خبر الفاجعة كان قد وصل إلى السلطات المحلية وإلى بعض الأهالي في وقت متأخر من الليل، ومع العلم أيضا بأن مدينة فصالة لا تبعد عن مكان الفاجعة إلا بمسافة لا تصل إلى 60 كلم. الشيء الذي قامت به السلطات المحلية في هذا المجال هو أنها منعت إحدى السيارتين اللتين أجرها أقارب الضحايا من الوصول إلى مكان الفاجعة، وهو ما أدى في النهاية إلى نقل الميت والجرحى في سيارة واحدة.
3 ـ السلطات الموريتانية رفضت أن تمنح سيارة إسعاف لنقل أحد الجرحى من مدينة النعمة إلى العاصمة، وأصرت على أن يتم تسليمها مبلغ الإيجار (140.000أوقية) من قبل أن تعطي إذنا بتحرك سيارة الإسعاف.
4 ـ إلى الآن لم نسمع أن وزيرة الخارجية قد استدعت السفير المالي، ولم نسمع أن السلطات الموريتانية قد عبرت عن قلقها من هذه الحادثة، حتى ولو كان ذلك على طريقة تعبير الأمين العام للامم المتحدة السيد "بان كيمون" عن قلقه.
5 ـ هناك جهود رسمية للتعتيم على هذه الفاجعة، ويبدو أن الكثير من المواقع قد تجاهلها، وهناك مواقع قليلة تحدثت عنها، ولكن أغلب هذا القليل الذي تحدث عن هذه الفاجعة قدم معلومات مغلوطة من بينها أن السلطات الموريتانية هي التي تولت نقل الضحايا من مكان الفاجعة، وأنها هي التي أوصلت الضحايا إلى الأراضي الموريتانية.
وحتى تكتمل الصورة المأساوية، وحتى يتبين لكم أن السلطات غائبة تماما، وأن حياة المواطن الموريتاني ليست مهددة فقط في الخارج، فإليكم هذه الحادثة التي تعبر عن مستوى الانفلات الأمني الذي وصلت إليه العاصمة.
في ليلة ماضية حاولت مجموعة من اللصوص أن تنتزع أبواب دكان قرب مسجد طيبة في "بوحديدة"،.هذه المحاولة تمت قبيل صلاة الفجر. مجموعة اللصوص هذه كانت كلما مر بها أحد المصلين تأمره بأن يرجع إلى منزله، وتقول له بأن صلاة الفجر لن تقام في هذا اليوم في مسجد طيبة، حتى الإمام أجبروه على العودة ..أحد المصلين لم يستجب لتعليمات وأوامر اللصوص، فما كان من اللصوص إلا أن هجموا عليه بالسكاكين وأصابوه بجروح خطيرة ألزمته البقاء لأيام في المستشفى
بعض المصلين لما عاد إلى المنزل كان أول شيء فعله هو أنه اتصل بالشرطة، وحسب بعض الشهادات التي تم جمعها فقد تم الاتصال بثلاث مفوضيات شرطة، وكانت كل مفوضية تقول بأنها ليست هي المعنية بالأمر.
في النهاية عجز اللصوص عن فتح أبواب الدكان، فركبوا سيارتهم وانطلقوا بها وهم يهتفون بأعلى أصواتهم: "نحن اللصوص" .."نحن اللصوص". لمن أراد منكم أن يتأكد بنفسه من صحة هذه الواقعة فما عليه إلا أن يصلي إحدى الصلوات الخمس في مسجد طيبة ببوحديدة، ومن بعد ذلك فليسأل من يجاوره من المصلين عن تفاصيلها.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل