لم تتفق الساحة الموريتانية بعد على إجراء الحوار المنتظر منذ أشهر ما جعل هذا الحوار يترنح بين عدة مواقف منها استمرار الأغلبية في تنظيمه قبل التاسع من أيلول/ سبتمبر المقبل، ومنها رفض المعارضة لما تسعى له الأغلبية جملة وتفصيلا، ومنها دعوة معاهدة التناوب وهي معارضة الوسط المقربة من النظام، لتأجيله من أجل الإجماع على تنظيمه.
وغير مكترث بكل هذا، بدأ حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا حملة تحسيس إعلامية داخل السكان للترويج للحوار وشرح موقف النظام منه، وقد جعلت هذه الحملة أوساط المعارضة تجزم بأن للرئيس الموريتاني أهدافا وراء هذا الحوار قد تكون «تعديل الدستور للسماح له بولاية رئاسية ثالثة».
واستعدادا للحوار وسع الرئيس محمد ولد عبدالعزيز، حسب مصدر في رئاسة الجمهورية، الفريق المكلف بتنظيمه بحيث أصبح يضم، بالإضافة لرئيسه مولاي ولد محمد الأغظف الوزير الأمين العام للرئاسة ورئيس الحزب الحاكم سيدي محمد ولد محم، مدير ديوان الرئيس وعددا من المستشارين.
والذي ينتظر الآن هو ما إذا كانت الأغلبية ستستجيب لرسالة معاهدة التناوب التي دعت لتأجيل الحوار «لترك فرصة للمعاهدة لبذل مساع من أجل الحصول على تواريخ وجداول متفق عليها منذ البداية من دون تغييب أي طرف في مرحلة من مراحله كما يريد البعض، ومن دون تغييب لهيئات المجتمع المدني».
ذلك ما أكده بيجل ولد هميد الرئيس الدوري لمعاهدة التناوب الديموقراطي في رسالة وجهها للوزير الأمين العام للرئاسة المكلف بملف الحوار أوضح فيها «أن كتلة المعاهدة من أجل الوحدة الوطنية والتناوب السلمي الديمقراطي كانت ترى منذ تأسيسها في 2011 أن مواجهة الأزمات المتنامية التي تعترض موريتانيا لا يمكن التغلب عليها إلا بحوار وطني، وهو ما ظلت تسعى إلى تعميقه على الدوام بدءا من سعيها الحثيث لتطبيق نتائج حوار 2011 بعد أن دخلت فيه مع النظام»وأضاف «توقعت المعاهدة من نتائج حوار 2011 كثيرا من المزايا الإيجابية لصالح وحدتنا الوطنية وسلمنا الأهلي وتحسين مؤسساتنا السياسية ونظامنا الديمقراطي، لو تم تطبيقها على النحو الذي سعت إليه وناضلت من أجله، ورغم الإخفاق الكبير في تحقيق ذلك، يضيف ولد هميد، ظلت المعاهدة تدعو للحوار من خلال كل ما صدر عنها مجتمعة أو من بعض مكوناتها من مبادرات ورؤى وتحاليل كان آخرها مبادرة الرئيس مسعود ولد بلخير، رئيسها الدوري آنذاك في فبراير/شباط 2015، وهي اليوم لا تزال ماضية في التمسك بالحوار وتدرك أن كل يوم يمر تزداد الظروف العامة لبلادنا صعوبة في ظل عجز الفرقاء السياسيين عن خلق الظروف المناسبة للتوافق حول الحوار الوطني وحول آليات تمكن من انطلاقه على نحو شامل وصادق ومن دون شروط مسبقة».
وقال «رغم ظهور كثير من الدعوات والإشارات الإيجابية التي صدرت من أطراف الساحة في الآونة الأخيرة لصالح هذا الحوار الشامل الذي كنا في المعاهدة سباقين في الدعوة إليه، نعود كل مرة إلى المربع الأول الذي يتجه فيه كل طرف إلى طرح ما يراه من أجندة من دون مراعاة لما تراه بقية الأطراف، ومن دون مراعاة لمصالح البلاد العليا، مثلما هو الحال مع الأغلبية في عدم تعاطيها مع مقترحات المنتدى وإصرار المنتدى على توقيع اتفاق ثنائي بينه وبين الأغلبية قبل أن يتسنى للآخرين الدخول معهم في الحوار».
وتابع بيجل ولد همي شرح موقف المعاهدة قائلا «إننا في المعاهدة نرى أن الحاجة كبيرة اليوم إلى خلق فرصة فعلية لانطلاق حوار هادئ يشارك فيه الجميع ويضحي من أجل إنجاحه الجميع، خصوصا السلطة التي تمتلك من الأوراق ما لا تمتلكه بقية الأطراف، وهنا نقترح في المعاهدة أن تكون بداية ذلك، هو تأجيل التاريخ الذي حددتم في رسالتكم المذكورة في الموضوع».
ورغم قرب أطراف كثيرة في المعاهدة من النظام فإن مراقبين يتوقعون ألا تحضر أطراف منها للحوار في غياب منتدى المعارضة، فقد اصبحت حالة من اليأس والامتعاض تساور أطرافا فيها بينها حزب الصواب (البعث الموريتاني)، وبينها الرئيس مسعود ولد بلخير الوجه الوطني البارز رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي ورئيس الجمعية الوطنية السابق الذي أكدت مصادر مقربة منه أنه لن يشارك في حوار ينظم من دون منتدى المعارضة. والذي يجمع عليه المراقبون هو أن نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز يسعى لفرض الحوار على المعارضة، سعيا منه، كما أكدت ذلك أسبوعية «بلادي» التحليلية «لأن ترضخ المعارضة لإرادته فتستجيب راكعة للموعد الذي حدده وحده لتنظيم ما يعتقد النظام أنه منتديات حوار سياسي».
لكن ما لم يفهمه المراقبون ولم تستطع الصحافة كشفه هو السبب الذي دفع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز للتخلي عن الصيغة الأولى التي بدأت لتنظيم الحوار والقائمة على التمهيد للحوار بالتشاور مع منتدى المعارضة.
فقد كان منتدى المعارضة ينتظر كل شيء عدا استدعائه من دون مقدمات، لحوار تنظمه السلطة بمفردها.تقول صحيفة «بلادي» في تحليل لهذه النقطة «هل يسعى النظام بهذه الطريقة الغريبة لجر المعارضة نحو الحوار أم لإبعادها عنه ؟ من الصعب ألا يكون الجواب بـ»نعم»، وبخاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن أطرافا عديدة في منتدى المعارضة تتشكك في نوايا الرئيس عزيز ولن تجد هذه الأطراف ولا غيرها من الأطراف طريقا، غير رفض الدعوة الأحادية للحوار لأنها ببساطة «انقلاب على الحوار الذي انعقدت بعض جلساته بداية العام بعد أن واجهت انطلاقته مطبات كثيرة».وقد عبر جابيرا معروفا الرئيس الدوري لمنتدى المعارضة في رسالة وجهها مؤخرا للدكتور مولاي ولد محمد الأغظف، الأمين العام لرئاسة الجمهورية المكلف بملف الحوار، عن استغراب المعارضة من تخلي النظام عن صيغة التشاور مع المعارضة حيث أكد «أن القاعدة الأولى لكل حوار هي الاتفاق المسبق لأطرافه على شكله ومحتواه وتنظيمه، وللمعارضة الحق في أن تشك فيما أعرب عنه الوزير الأمين العام للرئاسة، من التزام «من دون تحفظ بمسار هذا الحوار» في الوقت الذي تنقلبون فيه، بصورة أحادية، على المسار الذي بدأ بالتوافق معكم، وتدعون فيه لعملية جديدة من دون التشاور المسبق مع شركائكم».
وأبرز«أن الدعوة لاجتماعات تحضيرية لحوار معد بصورة مسبقة وأحادية تشكل، بالنسبة لمنتدى المعارضة، رجوعا إلى الوراء، وبالتالي لا يمكن للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، بجميع مكوناته، القبول به».
وقال «.. لقد تمنينا أن تمكن اللقاءات التي دارت بين وفدينا خلال الأشهر الماضية من خلق قاعدة جيدة لبناء الثقة التي تزعزعت بشكل قوي بفعل الاتفاقات التي لا تحترم والحوارات الصورية التي توأد في مهدها، ورغم ذلك أعربنا عن عزمنا القوي على تنظيم حوار جديد ذي مصداقية ومعد بشكل جيد، ولذلك الغرض قدمنا لكم عريضة تتضمن رؤيتنا واستعدادنا للإنصات لكم لنخلق معا الظروف الضرورية لنجاح هذا الحوار الذي طالما انتظرته كل حساسيات البلد».
وتساءلت «بلادي» في تحليلها لتغيير السلطة لآليات الحوار عن ما يسعى الرئيس ولد عبدالعزيز لتحقيقه من وراء الدعوات المتكررة للحوارات التي ظلت نتائجها توضع داخل الأدراج».
ثم تابعت الصحيفة «..إنه من الصعب الجواب على هذا السؤال، ولو كنا نعلم أن الرئيس عزيز منشغل بمغادرته التي لم تحن بعد للسلطة، في نهاية مأموريته الحالية التي هي الأخيرة والتي اشيعت حولها أكثر من إشاعة». «لكن الذي يتضح حتى الآن تضيف الصحيفة، هو أن الرئيس عزيز متجه لإلغاء غرفة الشيوخ وتنظيم انتخابات برلمانية وبلدية مسبقة، وهذه هي أحسن هدية يقدمها الرئيس لمعارضته التي يبدو أنها غير مستعدة للمشاركة في انتخابات يحدد قواعدها من لا يتمتع بأدنى ثقتهم».
عبدالله مولود
نواكشوط – «القدس العربي»