بسم الله الرحمن الرحيم
(الحلقة الثانية)
روى الإمام مسلم من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( مَا مِنْ نَبِىٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِى أُمَّةٍ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَل).
اليوم وقد نشر الإخوان المسلمون في موريتانيا تقريرهم وكله أكاذيب لا تستحق الرد فلا أستغرب فيه إلا إقحامهم للمسجد وكأنهم يقدسونه، وهم في الحقيقة لا يستغلون المساجد إلا لنشر الفتنة وسب العلماء وجمع المال. ثم متى كان الإخوان يدافعون عن مقدسات وثوابت الأمة؟ أليسوا أول من جعل هجاء العلماء وسبهم موضة يحترفها كل ناعق؟ انظروا بالله عليكم القصيدة التي كتبها الشيخ محمد الحسن ولد الددو تحت اسمه الحركي (العربي بن المرابط) وهي منشورة هنا بخط يده، ألم تجمع علماء موريتانيا بسلفيهم ومتصوفهم ولم يسلم منها إلا علماء الإخوان؟ ألم يتفق الإخوان على إضافة السوء إلى علماء موريتانيا فسماهم شيخهم رهبان السوء، ونعتهم غلامهم بعمائم السوء؟ ألم يبلغ بهم الإستهزاء حد الإساءة إلى الإمام بداه ولد البوصيري وإلى ذويه وإلى جميع المسلمين بنشرهم تسجيلا مصورا له وقد تقدم في السن؟ ألم يوجهوا الإساءة إلى الإمام أحمدو ولد لمرابط وينسحبون من الصلاة خلفه؟ وحادثة صالح بن احميد شاهد على ذالك. ألم يسيؤوا إلى الأموات من العلماء الأولياء؟ وما وصفهم للمرابط ولد متالي منا ببعيد. ألم يقيموا الدنيا ولم يقعدوها إبان ما يسمونه أزمة تحويل المساجد إلى مخابز والتي لفقوا فيها ما أثر في نفوس المسلمين وقذفوا وانتهكوا عرض رجل من أهل العلم أدار صرحا علميا لفترة طويلة، وأساؤوا إلى ذويه الذين عرف عنهم على مر العصور السعي إلى خدمة العلم والدين حتى أصبح العلم يضاف إليهم، فلفقوا عليه الأراجيف والأكاذيب لشغل الرأي العام والشارع لتمرير أهدافهم التخريبية. وقد شككت شخصيا في صحة هذه الرواية لسبب بسيط وهو أن أئمة الإخوان الحاضرين لاجتماع الوزير بالأئمة والذين نقلوا لنا الخبر أعرف فيهم الكذب وتحريف الكلم عن مواضعه، لذالك أمسكت عن الخوض في هذه القضية، وحين أصدر الوزير بيانه في يوم 29/04/2003 وأوضح فيه ما أوضح أيقنت صدق الرجل ولم يرني أحد في أي حراك إبان ما يسميه الإخوان أزمة تخبيز المساجد.
تحدث المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الإستراتيجية في هذيانه المسمى "التقرير العام لموريتانيا 2014" عن الشيخ محمد الحسن ولد الددو بوصفه رئيس مركز تكوين العلماء، وكأن للعلماء مركزا للتكوين في موريتانيا. ولمن لا يعرف إليكم حقيقة ما يسمى مركز تكوين العلماء:
في بداية العقد الماضي راودت الشيخ محمد الحسن فكرة إنشاء هذا المركز وكانت رؤيته واضحة فيما يتعلق بالمقررات والمناهج وطرق التدريس المناسبة لخصوصياته كمنارة إشعاع تأخذ على عاتقها مواصلة جذوة عطاء تكاد تنطمس. وكان يعارض أي مشروع أو هدف من شأنه أن يزاحم المركز، كما كان يعارض الترخيص حتى لا يكتسي المركز صبغة دنيوية أو سياسية، فهو يفضل بقاءه صرحا علميا دعويا ومركزا أهليا، وكثيرا ما كان يضرب مثالا بالمعهد الإسلامي الذي أقامه الشيخ عبد الله ولد بابه ولد الشيخ سيديا في بتلميت الذي بهر الجميع وكان مقرا لعلماء موريتانيا وخرج الكثير من أهل العلم والفضل فبحث أفراد من طاقمه عن إطار قانوني له فتحول من معهد إسلامي إلى إعدادية. وكان يقول: "نحن سندرس ثلاثة وستين تخصصا ولن نتسرع حتى نصل إلى الهدف المنشود ولو كانت البداية بثلاثة طلاب يمكن السيطرة على إيصال المتون المقررة إليهم".
لكن رياح الإخوان جرت بما لا تشتهيه سفينة العلم فاستغلوا تمويل المركز أبشع استغلال حيث بادروا إلى التحكم فيه وتحويله إلى مؤسسة من مؤسساتهم السياسية التي تخدم أهدافهم. وتم حجب الثقة عن الشيخ، ومزقوا البرنامج العلمي المحكم الذي كان ينوي تطبيقه، ورموا مشروع تكوين العلماء وراء ظهورهم. وهكذا تم تأميم المركز من طرف الإخوان وأحكموا السيطرة عليه فكان كافة أعضاء مجلس إدارته ومجلسه العلمي من الشخصيات القيادية في حزب تواصل وفي حركة الإخوان. ثم حولوه إلى خلية سرية لها أكثر من فرع وأكثر من وجه، وإلى معقل من معاقل الإخوان وتركوا كلمة تكوين العلماء ساترا (كما هي عبارتهم) أي غطاء على أهداف التنظيم الدولي للإخوان فصار وجهة لهم وملاذا آمنا لاجتماعاتهم ورسم سياساتهم في البحث عن السلطة. ولم يتركوا متابعته لأفراد الصف الثاني أو الثالث داخل الحركة (ثلاثة من أعضاء مجلس إدارته أمراء للحركة).
وحين تم لهم الإستيلاء على المركز بدأ سيل الزيارات له من طرف قادة ورموز الحركة العالمية للإخوان المسلمين تحت غطاء مؤطرين وممولين وشخصيات أكاديمية ومحسنين داعمين للمشروع، فزاره يوسف القرضاوي، وراشد الغنوشي، وصالح بن سليمان الوهيبي الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي وهي ذراع التنظيم الدولي للإخوان وبيت ماله ورأس حربته. كما زاره نائب المرشد العام للإخوان في مصر جمعة أمين رحمه الله الذي صلى بالناس في مسجد المركز إماما للجمعة مع أنه مسافر ولم يراعي المركز العلمي خلاف أهل العلم في إمامة المسافر ولم يحترموا مشاعر المصلين المالكيين الذين لا يرى إمامهم مالك إمامة المسافر للجمعة.
وقد أشاد نائب المرشد جمعه أمين بجو الثورات الذي تعيشه الأمة هذه الأيام، والذي كان (بعد وعي الشعوب بحقوقها) على حد تعبيره. كل ذالك وسط حماس منقطع النظير من طرف قادة الإخوان، الذين استبشروا بهذه الزيارة وهذه الخطبة وعيونهم على النيران المشتعلة في تونس ومصر.
فما ذا بقي من تكوين العلماء؟ ذالكم هو السؤال المطروح، وسأعود إن شاء الله إلى هذا المركز في كتاب مخصص لكشف حقائقه.
إن ما يسمى التقرير العام لموريتانيا 2014 تم افتراؤه من طرف جماعة الإخوان وكلفوا به أفرادا منهم عرفناهم في كل موسم من مواسم التلفيق وحبك الفتن وبث الشقاق والتفرقة. فالمشرف على التقرير عرفناه بائعا للأشرطة المغشوشة بمكتبة الهدى وهي أحد المقرات السرية المستخدمة لاجتماع الإخوان أيام كانت لقاءاتهم تنعقد في غرف ضيقة بالأحياء الشعبية قبل أن تتحول إلى القصور والفنادق والسيارات الفارهة. وكان الإخوان يرسلونه لبث خطبهم وتمرير خطاباتهم التحريضية. فتراه يصل إلى مسجد التوفيق متنكرا فيلقي على المنبر سيلا من سب العلماء وشتمهم والسخرية من الشيوخ والصالحين وذالك بلغة بذيئة وعبارات وقحة، ثم يغير ملابسه داخل المسجد ويفر مستترا بالمصلين.
إن دفاع الإخوان عن المقدسات يظل مبتورا وانتقائيا حيث يركبون الموجة لخدمة مخططاتهم والهدف ليس الدفاع عن المقدسات، ولو كان كذالك لكانت لهم ردة فعل عندما تم التطاول على ذات الإله العلية حيث لم يحركوا ساكنا. ثم إنهم لم يتظاهروا حين تمت الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق، بل شككوا في ردة المسيء، ولم يكتفوا بذالك بل شوشوا على الحراك العفوي ضد الإساءة وذالك بالإيعاز والإيحاء ثم التصريح بأن جماعة أحباب الرسول المتزعمة لهذا الحراك مسيرة من قبل عناصر أمنية (انظر الصفحة 238 من التقرير العام لموريتانيا 2014). فهل باتت نواياهم واضحة لمن له بصيرة؟.
تحدث التقرير عن صلتي الإجتماعية بالشيخ محمد الحسن ولد الددو وهي روابط أعتز بها ولن يتسع المقام هنا لتفصيلها. فهو سليل أسرة أهل عدود، وهي تنتمي إلى مجموعة تربطني بها أواصر القربى والمحبة الراسخة والتي تعززت عبر الحقب.
هذه الأسرة اشتهر منها علماء أجلاء تجاوز إشعاعهم حدود منطقتهم بل حدود موريتانيا وظلت تحتفظ بمكانة مميزة بين صفوف الموريتانيين بفضل ما تمتع به لمرابط محمد علي ولد عدود رحمه الله من صيت وشهرة، وما كان لأبنائه من إشعاع علمي وروحي، فالشيخ العلامة محمد سالم ولد عدود رحمه الله ذاع صيته في الآفاق وكان محل تقدير الملوك والرؤساء واستقبلوه في القصور وفي المؤتمرات الدولية فلم تغره الدنيا وملذاتها ولا الوفود الرسمية ولا السيارات الفارهة فكان دائما غاضا لبصره تواضعا لله ولم يزده ذالك إلا هيبة في نفوس الناس ولم يلوح أبدا من داخل سيارة مكشوفة، فكان يذكرنا بتواضع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الفتح.
وكان الموريتانيون ينظرون إلى الشيخ محمد الحسن على أنه سليل هذه الأسرة وحفيد محمد علي ولد عدود وشبيه محمد سالم في دله وهَدْيِهِ وَسَمْتِهِ وهو الذي قال عنه في وصيته لأبنائه في أبيات روعة في الوفاء والعهد:
وأخوكم الحسن انهلوا من علمه وترسموا من هديه ما اسطعتم
تلك هي صلتي بأهل عدود ومن انتسب إليهم، وينحصر خلافي مع الشيخ في جانبه الإخواني، وفي كونه يسمع إفك هذه الجماعة وأراجيفها ويرضى بذالك ويسكت عليه بل يدافع عن موقفها ويتبنى طرحها.
أما جانبه الآخر كأحد أبناء أسرة أهل عدود التي نشأت على ودها، وأعرف ما يكنه والدي رحمه الله لها من مودة ومحبة، وقد لقي الله على ذالك ومن سبقه من سلف. فتلك علاقة راسخة ومهما حاول الإخوان التأثير عليها فهم:
كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل.
يتواصل
عبد الله ولد محمد لوليد