تابعت هذه الأيام صولات وجولات "الصحفي" زيدان في جلسات حوار قصر المؤتمرات واختطافه للأضواء فيها ببطاقته الصحفية، التي أثار حصوله عليها استياء بعض الصحفيين، الذين رأوا في ذلك استهزاء بمهنتهم، وهو استياء لا مبرر له اطلاقا، لأن هذه المهنة لم يعد لها شرف يدافع عنه ولأن الغالبية العظمي ممن يتصدرون المشهد الإعلامي منذ استيلاء العسكر علي السلطة في موريتانيا، خاصة في العهد الحالي، لا يختلفون عن زيدان إلا بكونه "الحرطانِ" الوحيد من بينهم.
وللاستشهاد علي ذلك، أدعوكم لقراءة القصة التالية لمسار واحد من عشرات ادعياء الصحافة من شباه زيدان، الذين وصلوا، منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي الي يومنا هذا، مراتب عليا في السلطة وتبوؤا مراكز هامة لصنع القرار.
في مستهل ثمانينيات القرن الماضي، استدعاني المدير العام للوكالة الموريتانية للصحافة (الوكالة الموريتانية للأنباء حاليا) في مكتبه وقدم لي شابا، يبدو من ملامحه أنه ليس من سكان نوكشوط، حيث اخبرني أن الوكالة تنوي اكتتابه لتدعم به فريقها الفرنسي، طالبا مني تكوينه علي الريبورتاج، مؤكدا علي أن أعتني به وأن اصطحبه معي في جميع مهام الريبورتاج، التي أكلف بها، ثم التفت إلي الشاب وقال له: "يا فلان، ماموني هذا هو افضل صحفي في الريبورتاج في الوكالة وقد اخترته للإشراف علي تكوينك لمدة ثلاثة اشهر بعدها سيتم اكتتابك إذا نجحت وعليك أن تكون تلميذا جيدا وتستفيد من تجربته".
وفي ظهيرة نفس اليوم، وكان يوم السبت، اصطحبت معي الشاب المتدرب، في أول نشاط صحفي، الي مطار نواكشوط في سيارة peugeot 404 للوكالة، لتغطية وصول جثمان الملازم بلاه ولد مولود (قائد المنطقة العسكرية السابعة، عضو اللجنة العسكرية للخلاص الوطني)، الذي توفي في باريس ونقل منها جثمانه علي متن الخطوط الجوية الإفريقية الي نواكشوط، حيث كان في استقباله أعضاء اللجنة العسكرية والحكومة يتقدمهم رئيس الدولة (حينها) محمد خونا ولد هيدالة.
وبعد انتهاء مراسيم استقبال الجثمان في المطار والصلاة عليه بالمسجد العتيق، توجهت مع "رفيقي" الي مقر الوكالة الموريتانية للصحافة لكتابة الخبر، الذي عندما حررته قدمته للمعني لترجمته الي الفرنسية وقد أثارت ترجمة اشمئزاز مدير الاخبار، حينها الكاتب الصحفي الشهير: سيدينا ولد اسلم، حيث ترجم الجثمان بـ "Cadavre" وكانت هي أحسن ترجمة علي الاطلاق في الموضوع برمته وعندما حاول مدير الاخبار مساعدة المعني في ترجمة الخبر، اكتشف أنه جاهل في الفرنسية كجهله بالعربية.
وفي بداية الاسبوع طلبت من الشاب المتدرب مرافقتي لتغطية بعض الاحداث فاعتذر بحجة أنه لا يرغب في مواصلة التدريب في الريبورتاج وأنه أبلغ المدير العام بذلك ليلة البارحة في الدار والتزم له بإعفائه من هذا التدريب اليوم، موضحا لي علاقته الاجتماعية بالمدير العام. وفعلا تم تحويله الي قسم الاخبار الدولية، الذي هو عبارة عن اعادة نشر بعض برقيات وكالة الانباء الفرنسية، بعد محو "AFP" وكتابة مكانها "AMP".
وفي نفس الاسبوع تم اكتتاب المعني في الوكالة براتب يضاعف راتبي، أنا الذي أعمل فيها منذ خمس سنوات ونُصنف بأني "أجود مخبر صحفي فيها علي الاطلاق".
وبعد ترسيمه في الوكالة خلال اسبوع واحد بدل إخضاعه، كما تنص مدونة الشغل، لفترة ثلاثة اشهر يقوم خلالها عمله (بسبب علاقاته الاجتماعية بالمدير العام)، لم أعد أراه في مكان العمل وإنما أراه دائما في مقدمة حضور كل مناسبة رسمية يشهر بطاقته الصحفية، ويوزع علي النخب بطاقة عنوانه التي كتب عليها "فلان ولد فلان: كاتب صحفي ومترجم عربي فرنسي معتمد".
وبعد الانقلاب علي ولد هيدالة 12/12/1984، ارتفعت القيمة الاضافية لصاحبة ترجمة "Cadavre" لشطارته في ربط علاقات مع أهم الفاعلين في ذلك الانقلاب، حيث تعزز حضوره في مراكز النفوذ وتحسنت ظروفه المادية وغسل عنه ادران الريف التي كانت عالقة به يوم قدمه لي المدير العام للوكالة الموريتانية للصحافة كمتدرب علي العمل الصحفي وهو التدريب الذي لم يحصل منه أبدا سوي حضور عودة جثمان ولد مولود في المطار وترجمته للخبر، التي سبق ذكرها، مع استمرار راتبه في الوكالة دون أن يقدم لها اية خدمة.
وبعد سنوات من استغلال النفوذ بحكمة علاقاته بالسلطة، حصل "Cadavre" علي منحة في دولة مشهورة برداءة تعليمها وفي معهد من أسوأ مؤسساتها التعليمية السيئة كلها بامتياز وقد اشتهر خلال وجوده في تلك الدولة بقضايا لاعلاقة لها بالتعليم وهي القضايا التي، يقال أنه حجز بها لنفسه عند عودته، مكانة كبيرة في النظام القائم حينها منتصف تسعينيات القرن الماضي،حيث تقلب في مناصب عديدة ذات اهمية مادية ومعنوية كبيرة وهي المناصب التي مازال يتقلب فيها حتى الآن بحكم نجاحه في تحويل علاقاته بانظام ولد الطائع الي أبرز مدبري انقلابي الثالث والسادس اغسطس 2003 و 2008.
وخلال هذا التاريخ، ظل"Cadavre" يؤكد في كل مناسبة بسبب أو بدون سبب، أنه من رواد الصحافة في موريتانيا منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي وينسج عن ممارساته الصحفية روايات تجعله لا يقارن الا بهيكل وبشير بن أحمد وروبرت فيسك وأمثالهم.
وقد استدعاني مرة في مكتبه وطلب مني العمل معه علي بعض الملفات المهمة، دون أن يوضح لي طبيعتها، مقابل مكافأة مادية سيقدمها لي مع سعيه لتعييني في مسؤولية مهمة.
فعندما استفسرته عن طبيعة هذه الملفات، فهمت من رده الغير صريح أنها مهام غير لائقة بي فاعتذرت له، فطلب مني التفكير في الموضوع وانه سيتصل بي مستقبلا، فلم افكر انا في الموضوع ولم يتصل هو بي أبدا.
فبعد ذلك بفترة تم فصلي التعسفي من العمل في الوكالة مع حرماني من جميع حقوقي وتواصل مسلسل ترقيته هو في الوظائف وتعزيز مكانته في مراكز النفوذ داخل السلطة، دون أن يثير ذلك حفيظة اي صحفي، فلماذا يثير حصول زيدان علي بطاقة صحفية هذا الاستنكار من الصحفيين؟. فهل الأمر عائد إلي كون زيدان "حرطانِ"؟
ماموني ولد مختار