بقلم: إسلمو ولد سيدي أحمد
كاتب وخبير لغوي وباحث في مجال الدراسات المعجمية والمصطلحية
تزايدت أعداد المهاجرين في السنوات الأخيرة بشكل لافت، ولكل مهاجر قصة... ولا يتعلق الأمر هنا بالمهاجرين الذين كانوا يذهبون في الماضي- بطرق شرعية- إلى البلدان المتقدمة، من أجل تحصيل العلم والعودة إلى بلدانهم الأصلية، ولا بالمهاجرين الذين يذهبون إلى البلدان الصناعية للعمل في المصانع والمزارع المتطورة، وتحصيل بعض الأموال والعودة بها إلى أوطانهم، والذين يعملون طبقا للقوانين والنظم المعمول بها في هذه البلدان.
إننا نتحدث هذه المرة-بصفة خاصة-عن الهجرة "السرية"/ الهجرة غير الشرعية، حيث نجد من يتركون أوطانهم من أجل تحسين أوضاعهم الاقتصادية أو بمعنى أدق هاربين من الجوع، ضاربين عرض الحائط بالمخاطر المترتبة على الوسائل التي يستخدمونها في الوصول إلى البلاد المستهدفة (أوروبا بصفة خاصة). وعادة تكون هذه الوسائل-في الغالب الأعم-عن طريق زوارق صغيرة متهالكة لا تصمد أمام أمواج البحار العاتية لأنها لا تتوفر على الحد الأدنى من شروط السلامة، لدرجة أنها أصبحت توصَف-بحق-بقوارب الموت. وقد اقتفى أثر هؤلاء-وبالوسائل نفسها- مهاجرون من نوع آخر، أرغموا على ترك بلدانهم بسبب انعدام الأمن الناجم عن تداعيات حروب أهلية لا تبقي ولا تذر (أتت على الأخضر واليابس) جعلت حياتهم اليومية جحيمًا لا يُطاق.
لقد اقتصرت هذه الظاهرة بصفة عامة-وحتى بداية الألفية الثالثة-على مواطني البلدان الأكثر فقرا في العالم، لكنها بدأت تنتشر وتتوسع-بشكل غير مسبوق-مع انتشار وتوسع بؤر التوتر في العديد من بلدان العالم المتخلف، ومن ضمن هذه البلدان-للأسف الشديد-منطقتنا العربية، مع مراعاة تفاوت حدة هذه الظاهرة، وحتى لا نعمّم.
وأستسمح القارئ الكريم في وصف هذه البلدان بالتخلف، مع أننا كنا نطلق عليها أسماء وصفات أخرى، مثل: البلدان السائرة في طريق النمو، البلدان النامية (تفاؤلًا)، بلدان العالم الثالث...أو: البلدان الفقيرة، البلدان الأكثر فقرا، إلخ.
ويبدو، في ضوء التجارب السابقة والواقع المَعِيش، أن وصف هذه البلدان بالتخلف أقرب إلى حقيقتها. ذلك أنّ تصرفات المسؤولين عن شؤونها تدل على ذلك. ثم إن التخلف قد يكون تخلفا علميا أو سياسيا أو ثقافيا أو اقتصاديا أو حضاريا، أو حتى تخلفا عقليا...والله يعصمنا من أن تجتمع فينا كل هذه الأنواع !
ونظرا إلى تفاقم هذه الظاهرة (الهجرة غير الشرعية) من خلال تدفق أعداد هائلة من المهاجرين السريين على الدول الغربية (بصفة خاصة)، فإنّ معالجة تداعياتها تكاد تخرج عن السيطرة ممّا يقتضي المزيد من التنسيق والتعاون بين البلدان الأصلية لهؤلاء المهاجرين والبلدان الغربية المستهدفة ، مع إشراك المجتمع الدوليّ برمته في وضع التصورات والحلول المناسبة لهذا السيل البشريّ الهارب من لسعات الجوع والعطش وسياط الحروب.
ولعلّ من الإجراءات العاجلة الواجب اتخاذها:
1-العمل على التخفيف من أسباب الهجرة الناجمة عن الحروب، عن طريق مساعدة المتحاربين في البلدان المعنية على الوصول إلى حدّ أدنى من التفاهم يمكّنهم من حل خلافاتهم بالحوار والتعايش السلميّ على أراضيهم. ولن يتأتى ذلك قبل الكف عن تدخل القوّى الأجنبية في الشؤون الداخلية لهذه البلدان.
2-مساعدة الدول المصدّرة لهذا النوع من الهجرة على توفير ظروف عمل مناسبة تشجع مواطنيهم على العودة للعيش بين أهلهم وذويهم، معززين مكرمين.
وبهذين الإجراءين، وما قد يرافقهما من إجراءات مناسبة أخرى، قد نصل إلى خلق نوع من التوازن بين هاتين البيئتين المتعارضتين: بيئة طارِدة في الدول المتخلفة (الفقيرة)، وبيئة جاذبة في الدول المتقدمة (الغنية). وحتى لا يختل توازن هذا الكوكب (الأرض) الذي نسكنه جميعًا.
وعلى كل حال، وعلى الرغم من مسؤولية المجتمع الدوليّ في هذا المجال، فإنّ المسؤولية الأولى والأخيرة تقع على عاتق الأنظمة التي تحكم هذه الدول المتخلفة (الفاشلة) التي يتصارع العسكريون والسياسيون فيها على فتات السلطة والجاه والمال، وقد أخفقوا جميعا في أن يوفروا للمواطن العاديّ لقمة عيش كريمة في أمن وطُمأنينة واستقرار.
وأشير في آخر هذه الخواطر (بمعزل عن موضوع الهجرة السرية)، إلى أنّ خيرة شبابنا-من أطباء ومهندسين وغيرهم-ذهبوا إلى البلدان الغربية المتقدمة واستقروا بها ليسهموا في تقدمها وازدهارها، ونحن أولى بهم. ثمّ إنّ أصحاب رؤوس الأموال منا ذهبوا بأموالهم لاستثمارها في بلدان متقدمة تنعم بالاستقرار (رأس المال جبان)، مع أن بلدانهم الأصلية محتاجة لهذه الأموال. والنتيجة الحتمية لكل هذا، هي أنّ الغني (الغرب) يزداد غنًى والفقير (العالم الثالث أو الرابع...)) يزداد فقرا.
ولا حول ولا قوة إلّا بالله.