بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن
تأمر الشريعة الإسلامية بأخذ كل الأسباب،الكفيلة بتحقيق الأغراض المباحة شرعا، وتلك الأغراض مناط الشرع و مبحثها، تسمى علم المقاصد.
و المقاصد الخمس أو الكليات الخمس، التي التقت الأديان كلها على حتمية وضرورة حفظها، هي: الدين والعقل والنفس والعرض والمال، وقد يفرعها البعض إلى ست بإضافة النسب مثلا، أي أن الشريعة تعتبر حفظ الأنساب (الحالة المدنية) مدار الدين الحالي الخاتم (الإسلام)، مثل حرص غيره من الأديان السماوية على تحقيق ذلك، وجاء من بعدها الإسلام مهيمنا عليها وناسخا (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
وللتذكير يعرف علم مقاصد الشريعة، بأنه العلم الذي يبحث ويحدد الغايات، التي يسعى ديننا لتحقيقها، من خلال الأحكام الشرعية.
وإن كان هذا الشرح المفصل ليس مقصدنا في السياق الراهن، لكنني أردت من خلاله الإيحاء بأن حفظ أحد هذه المقاصد الخمس أو أكثر، تصرف ديني صرف، بحكم شمولية المنهج الإسلامي، كما أردت التنبيه إلى أن الوباء الحالي، الوقوف في وجهه، يكاد يكون تحقيقا شاملا، لكافة مقاصد الدين، بسبب كون هذا الوباء الراهن، قد يمتد ضرره، في حالة التفريط والتساهل في مواجهته، إلى كافة تلك الميادين كلها، أو المقاصد الخمس الرئيسية، بمجملها.
ومنهجنا الإسلامي لا يقتصر على الأسباب الظاهرة، لكن الناموس الكوني الإلهي جاء بقدر من الله، رابطا بين البعد الروحي والسبب المادي لتحقيق حالة التمكين في الأرض، التي تترجم عمليا، استخلاف الله لآدم عليه السلام وأبنائه، في هذه الأرض، ولهذا بين الله في سورة الكهف، أن ذي القرنين مكنه الله في هذه الأرض، حين هيأ له الأسباب بعد الإيمان ووضوح الرؤية، فاعمل تلك الأسباب، لتكريس حالة التمكين الرباني، وما كان له وفق الناموس الرباني في هذه الأرض أن ينتصر، دون أن تتهيأ له تلك الأسباب وتمنح الإذن الرباني، بالفاعلية والتأثير، بالمحددات الزمانية والمكانية والمقادير النوعية، وفق ما كتبه الله في أزله، في اللوح المحفوظ، وفقا لقول الصادق المصدوق، محمد ابن عبد الله،عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: "رفعت الأقلام وجفت الصحف".
وفي سياق مثال، من تلك الأسباب المأذونة ربانيا، نستشهد بمقطع من قصة ذي القرنين، الذي مكنه الله في أرضه، قال الله جل شأنه، (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا) صدق الله العظيم.
أردت بسط هذه المقدمة، لتأكيد أن الإقبال على الأسباب المادية والروحية، مع استحضار النية خالصة لوجه الله، وموافقة هذه الأسباب للشرع الإسلامي، كل ذلك يجعل منها عملا خالصا مقبولا، بعد إذن الله، جل جلاله، وتفضله و منه.
لكن الدعاء مخ العبادة، و "حامل الصدقة لا يصاب"، بل إن رسول الله، صلى عليه وسلم، أكد "تبسمك في وجه أخيك صدقة".
فبادروا لدرء هذا الوباء، بإعمال الأسباب الظاهرة والباطنة، أو بتعبير أقرب لأذهان البعض (المادية والمعنوية)، وذلك لدرء هذا الوباء، المسمى في سجلات العلم المعاصر، "كورونا"، وذلك بعد أن طاف بالعالم كله بصورة متفاوتة، ابتلاء وتخويفا، وإن تم ذلك، في مستويات أقل، في ربوع ديار المسلمين، لله الحمد والمنة، والحمد لله على كل حال.
اللهم إنا نسألك أن تجعل أمرنا كله عجبا، على منوال قوله صلى الله عليه وسلم "عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ"، رواه مسلم.
اللهم رد عنا البلاء وعن العالم كله، واكتب للمسلمين عافية الدارين.