واصل المدونون ورجال السياسة في موريتانيا، ولليوم الثالث، حملتهم المضادة لفرنسا ولرئيسها إيمانويل ماكرون بسبب ما يعتبرونه «إساءات متواصلة للإسلام ومقدساته».
وشملت دعوات لإغلاق السفارة الفرنسية والتبول على حائطها، ودعوات لضربها في مقتليها الاقتصاد بمقاطعة منتوجاتها واللغة التي هي اعتبرها المدونون «أداتها الاستعمارية رغم تخلفها مقارنة مع اللغات العالمية الأخرى».
وكتب وزير الإعلام السابق، سيدي محمد ولد محم: «إن الذين يدافعون عن فرنسا اليوم وسياسات الرئيس ماكرون تجاه الإسلام والمسلمين يتناسون بأنه لا منّة لفرنسا علينا مطلقاً، فهي من جاءت إلينا واحتلت أرضنا وقتلت ودمرت واستنزفت خيراتنا، بل ويتناسون أن فرنسا لا تملك اليورانيوم ولا النفط ولا الحديد ولا النحاس ولا الذهب، وأنها بَنت أمجادها من عرق عمالنا وخيرات أراضينا ودماء جنودنا الذين ماتوا من أجل فرنسا في العديد من حروبها، وآخرهم الذين قضوا لإزاحة الاحتلال النازي عن فرنسا في وقت يحتل فيه الفرنسيون أرضنا ويقتلون أبناءنا، ولا يزال الغرور الفرنسي عاجزاً عن تقديم أي اعتذار عن جرائمه وإرهابه أو أدنى اعتراف بأخطائه».
«رغم كل ذلك، يضيف، أعرضنا صفحاً وطوينا كشحاً، فلم نسئ إلى فرنسا يوماً، ولم ننتزع اللقمة من أفواه أبنائها الجائعين أبداً، وحين جئنا إليها أو جاءت هي بنا إليها فلخدمتها ومصلحتها وامتصاص عقولنا بعد أن ملّت دماءنا وعرقنا».
وأضاف: «لا تطالبونا بمزيد من نكران الذات في مواجهة فرنسا، فالتجربة أثبتت أن الأنوار الفرنسية لا تضيء إلا في فرنسا ولبعض الفرنسيين فقط، ومع ذلك، ولفرط طيبتنا لا زلنا نتفهم أن يكون الإسلام في فرنسا مثله مثل غيره من الديانات والمذاهب والأفكار عرضة للنقد، لكننا جميعاً ندرك الفرق بين النقد والإساءة والسخرية المُهينة المتعمدة والتي تغطي في الحقيقة عنصرية وتمييزاً ضد الآخر ورفضاً له».
وقال: «ولفرط طيبتنا الزائدة سنستغرب مجرد استغراب، حين يُدان الإسلام بالإرهاب، وحين يصدر ذلك من رأس الدولة في فرنسا، دون أن يكلف نفسه عناء القليل من التريث أو استحضار القليل من ثقافة المساواة أو قرينة البراءة لبعض من مواطنيه وثاني ديانة بفرنسا؛ فهل أدركتم أيها الإخوة كم نحن طيبون».
أما الدكتور عبد الله محمد سالم، رئيس «منظمة «بيت الشعر الموريتاني» فقد علق قائلاً: «تصريح رئيس فرنسا ضد نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، وضد الدين الإسلامي الذي يعتنقه أكثر من ستة ملايين فرنسي تصريح صادم؛ لا لأنه جاء من رئيس دولة تمتلك حق الفيتو في مجلس الأمن، ولها علاقات صداقة مع معظم الدول الإسلامية فحسب؛ بل لأنه يبين معاداة صريحة من رئيس دولة لأتباع ديانة سماوية؛ الأمر الذي يحتم على جميع المسلمين اتخاذ الردود الحضارية الرادعة لهذا التصرف».وقال: «أرى أن تلك الردود يجب أن تظهر على المستويين الرسمي والشعبي، فعلى المستوى الأول نرى أن تستوضح الدول الإسلامية وتدين رسمياً عن هذا التصريح، وأن تبين امتعاضها منه، وتأثيره السلبي على علاقاتها مع فرسا؛ وعلى المستوى الشعبي يجب أن تقوم هيئات المحامين برفع دعاوى قضائية في بلدانهم ضد الرئيس الفرنسي بتهمة العنصرية ومعاداة الإسلام حتى تكون زيارته لتلك الدول أثناء رئاسته أو بعدها زيارة متهم بجريمة العنصرية، وملاحق من القضاء، وأن تنسق، أو ينسق بعضها، لرفع هذه الدعوى في الدول الغربية ذاتها، ولدى الجهات الحقوقية والقضائية الدولية، وأن يطالب المدرسون والتربويون في دول إفريقيا الغربية والشمالية باستبدال اللغة الإنجليزية باللغة الفرنسية في المقررات المدرسية، وأن يقوم الأئمة والعلماء وهيئات الافتاء بحملة شاملة لمقاطعة المنتج الفرنسي».
وقال: «ألم يكف السلطات الفرنسية في حاضرها ومستقبلها أن تجد من المسلمين العفو عن تلك الجرائم البشعة التي ارتكبتها في حقهم أثناء الحقبة الاستعمارية، والتي لا يزال بعضها يحصد الأرواح يومياً؛ وأعني التجارب النووية التي أجريت في الجزائر قريباً من الحدود الموريتانية، ويموت بسببها الناس يومياً عن طريق مختلف أنواع السرطان، بعد موت البيئة الطبيعية من حيوان وشجر؟!؛ عجيب حقيقة أن تأخذ العنصرية ومعاداة الإسلام حد هجوم رئيس دولة على نبي الهدى في القرن الواحد والعشرين دون أن يقيم ذلك الدنيا ولا يقعدها».
وكتب المفكر الإسلامي الدكتور محمد السيد: «اضربوا فرنسا في مقتليها: اللغة والاقتصاد، فنقطة الهشاشة القاتلة في كيان الدولة الفرنسية هي لغتها؛ فلا تتألم الدولة الفرنسية لشيء مثل ما تتألم وتتداعى لتهديد لغتها المهددة أصلاً بالانقراض أمام زحف اللغات المتوكئة على التقدم الاقتصادي والتكنولوجي الحديث كالانگليزية والصينية، وفرنسا تشعر فعلاً بخطر الانهيار، وليست الحركات والتصريحات البهلوانية لرئيسها المراهق ماكرون ضد الإسلام إلا انعكاساً لذلك الشعور؛ وواجب المسلمين اليوم أن لا يبخلوا عليها بالمقاطعة في مقتليها، اللغة والاقتصاد».
وخصص حزب الصواب، ذو الميول البعثية، افتتاحيته للهجوم على فرنسا ورئيسها، مؤكداً «أن السلطات الرسمية لدولة فرنسا تنفرد اليوم من بين جميع سلطات دول العالم بالإساءة الوقحة العلنية لمليار ونصف مسلم، من بينهم سبعة ملايين من حاملي جنسيتها، غير مكترثة بالمعطى الحقوقي ولا السياسي ولا الثقافي التعددي الذي تنتظم في سياقاته الْيَوْم كل المجتمعات المتعددة والمختلفة، وتحت قوانينه المزعومة تُحرم فرنسا نفسها التشكيك في كلما له علاقة بما تسميه ( المحرقة) وتاريخ أصحابها المحشو برماد جرائم القتل والحرق المتواصل في فلسطين السليبة، والمجدول تاريخياً باحتقار وتسفيه عقائد الأمم قاطبة ومنظوماتها التفكيرية».
وأضاف حزب الصواب: «ما كانت فرنسا الدولة لتقوم بجريمتها الرسمية الدنيئة وتعلق الرسوم المسيئة على مباني الدولة العامة ويواصل رئيسها فحيح لغته الكريهة تجاه الاسلام والمسلمين لو لم تكن على يقين أن منتجات روينو وبيجو وزيوت توتال وألف والعطور والأزياء الباريسية وأدوات الزينة ستواصل تصدرها المحلات التجارية وأسواق التداول في أغلب بلاد المسلمين وأن الواجهات الرسمية والتجارية لبعض هذه الدول ستواصل ( ترصيع) واجهاتها بلغة هذه الدولة، وتباهي مسؤوليها بعضهم بعضاً بالرطانة بكلماتها في خطبهم ومكاتباتهم الرسمية».
وزاد: «ما كانت لتسيء على هذا النحو الرسمي الوقح لو كانت لديها ذرة شك أن أنظمة دول المليار ونصف مسلم يمتلك واحد منها ذرة من بقايا الشعور، بأهمية الدفاع عن الجناب ونصرة نبينا- صلى الله عليه وسلم- والحفاظ على العزة والكرامة والبعد عن الخنوع وتبخيس الذات، ما كان لفرنسا الدولة أن تقوم بهذا الفعل الدنيء لو لم تشاهد النظام الرسمي العربي وخلفه العالم الإسلامي يتسابق للتطبيع مع مغتصب أرض العرب ومقدسات المسلمين، ويلوذ رؤساؤه وأمراؤه بأخذ صور المذلة جنباً إلى جنب مع معتوه البيت الأبيض الذي تحدى مشاعر العالمين العربي والإسلامي ونقل عاصمته لإحدى مدن المسلمين المقدسة المحتلة التي يحتلها الصهاينة ولا تعترف بها حتى دولة بلفور».
وخلص الحزب للقول «بأن من أساء إلى المسلمين الْيَوْم هو أنظمتهم الرسمية الجاثمة الفاقدة للشرعية والمشروعية والباحثة عن العطف والحماية من مصدر الخطر الأول على المسلمين الذي هو اليوم ماكرون وترامب والكيان الصهيوني».
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»