تقاطعات الهوية عند إدوارد سعيد ومحمود درويش

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
ثلاثاء, 2014-09-23 12:10

تمر بهذه الأيام الذكرى الحادية عشر على رحيل المفكر الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد، كما إنه منذ أقل من شهرين مرت الذكرى السابعة على رحيل محمود درويش وقد أجلت الحديث عن درويش في يوم ذكرى رحيله لرغبتي في كتابة هذه المقالة، عن تقاطعات الهوية عند محمود درويش وإدوارد سعيد، فمناطق التشابه بينهم كبيرة جدا، وأكدها كل منهما عن الآخر فسعيد قال ذات يوم لدرويش «أنه أكثر من مرة يكتشف نفسه متلبسا بأفكاره»، وهو ما أكده الأخير بقوله:
«أنا قابلت سعيد منذ ثلاثين عاما مضت، بوقت كان أقل وحشية، جميعا قلنا: إذا كان الماضي مجرد خبرة، يصنع للمستقبل معنى ورؤية، هيا نذهب، هيا نذهب إلى المستقبل، واثقين ببراءة الخيال ومعجزة العشب». 
من هذه الرؤية المشتركة، التي جمعت المثقفين، سأعرض في هذه القراءة الاستذكارية مواطن الالتقاء بين أفكار المفكرين اللذين أراهم كما يراهم الكثير أنهما عانقا تطورات القضية الفلسطينية بعدة أبعاد إنسانية محلية وعالمية.
الهوية بأبسط تعريفاتها هي مجموعة من الصفات الشخصية الموروثة في شخصية كل فرد منا، وهذه الصفات تعتبر سمات مميزة لكل فرد عن الآخر. لو تأملنا مفهوم الهوية الذاتية لكل منهما، نجد درويش وسعيد كأفراد تأثرا بالعديد من العوامل في حياتهم الفردية كالغربة والمنفى وفقدان الوطن بسن مبكرة، وهذه التأثيرات المبكرة أثرت في وعيهم وإنتاجهم وفي تصورهم لقضايا من مثل المكان والوطن والقومية العربية والإنسانية.

الهوية الفردية
على صعيد نظرتهم للهوية الفردية: فهما لهما نظرة مابعد حداثية مميزة على مستوى الهوية الفردية، فجميعهما يؤكدان البعد المتعددللهوية الإنسانية، فهي متعددة ومتنوعة ومشكلة من انتماءات عديدة ووجوه متحولة. وتختزل المقولة التالية الرائجة في الدراسات ما بعد الاستعمارية نظرتهم العامةللهوية: «الهوية ليست ثابتة ولا تعطى للفرد مرة واحدة بل تمر بمخاض طويل وعمليات تشكل متحولة من فترة لفترة حتى تصل على ماهي عليه»على حد قول درويش: «أنا لا أخجل من هويتي، فهي ما زالت قيد التأليف»، يشاركهما أيضا أمين معلوف في كتابه «الهويات القاتلة». 
محمود درويش في قصيدته «طباق لإدوارد سعيد» يختصر هذه الشراكة الفكرية والفلسفية والإنسانية الجامعة بينهما، ونظرتهما للهوية الإنسانية بالآتي:
والهويَّةُ؟ قُلْتُ 
إنَّ الهوية بنتُ الولادة لكنها
في النهاية إبداعُ صاحبها، لا 
وراثة ماضٍ. أنا المتعدِّدَ… في 
داخلي خارجي المتجدِّدُ. لكنني 
أنتمي لسؤال الضحية. لو لم أكن 
من هناك لدرَّبْتُ قلبي على أن 
يُرَبي هناك غزال الكِنَايةِ… 
لم يكن كل منهما يقبض على انتماء واحد ويستقر عليه، فسعيد كان يرى نفسه أمريكي وفلسطيني في آن، ولا يستطيع أن يقبض على انتماء واحد، لذا كان يعتبر نفسه خارجي وفي عنوان كتاب سيرته الذاتية «خارج المكان» توضيح لهذه النظرة، أما درويش فيعبر عن أزمته الوجودية وأزمة جميع الفلسطينيين بالعبارة الشعرية التالية: «من أنا دون منفى».

الهوية الفلسطينية

لو انتقلنا إلى معالجتهما للهوية الوطنية وهي عامل مفصلي في تشكيل مفهوم الهوية العامة لأي فرد منا، نجد سعيد ودرويش جميعهما تبنيا الدفاع عن القضية الوطنية والانتماء لفلسطين، واعتبرا الانتماء لفلسطين أهم انتماءاتهم الأصيلة، بل إن فقدانهم للوطن خلخل مفهوم الهوية لديهما وجعلها تمر بتحولات متعددة.
كما يقول بيل أشكروفت(Bill Ashcroft) عن سعيد:»نحن لا نستطيع أن نفصل هذا الاهتمام السياسي عن هويته الخاصة وعن هوية الفلسطينيين بشكل عام، من الجانب النظري والتحليلي للنصوص، ومن خلال الطريقة التي يعرضان بها في العالم». 
ومن الكتابات الرائعة في القضية الفلسطينية كتابه»المسألة الفلسطينية»، و»بعد السماء الأخيرة» وهو العنوان الذي أقتبسه من أحد قصائد محمود درويش: 
إلَى أَيْنَ نَذْهَبُ بَعْدَ الحُدُودِ الأخيرَة؟ أَيْنَ تَطِيرُ العَصَافيرُ بَعْدَ السَّمَاءِ
الأَخِيرةِ أَيْنَ تَنَامُ النَّباتَاتُ بَعْدَ الهَوَاءِ الأخِيرِ؟ 
فبقدر ما كان الكتاب الأول توثيقي لحق فلسطين في امتلاك الأرض، كأن يأخذ أحد النصوص الدالة على وجود فلسطين في مراحل سابقة لتاريخ الاستعمار، ويحللها بنبرته التهكمية اللاذعة: «على الأقل كنا هناك في المكان»، رادا على ادعاءات إسرائيل بعدم وجود الفلسطينيين قبل القرن التاسع عشر، كان الكتاب الثاني توثيقي لذاكرة فلسطينية حية موثقة بالصور، كمحاولة مضاعفة لتوثيق الوجود الفلسطيني ورصد حالات البؤس والشقاء بعد النكبة. وهذا ما رصده درويش منذ بداياته الشعرية حتى نهاياته، بدءا من «عاشق من فلسطين»، و» أوراق الزيتون»، حتى «أثر الفراشة».

الهوية العربية

بالإضافة إلى الانتماء للأرض، كل منهما لم يفصل نفسه عن انتمائه للعالم العربي، فبكل قضية عربية كان لهم حضور طاغ. لأنهم ببساطة يعرفون هوياتهم على اعتبار إنهم عرب، يتشاركون مع العرب نفس اللغة ونفس القواسم الثقافية والحضارية، والتواريخ الهامة المشكلةلهوياتهم وذاكرتهم وطريقة تعاملهم مع الفكر والوجود. هذا الأمر بالإمكان تعقبه من خلال كتاباتهما عن العرب والواقع العربي ونقدهم الجاد للمشروع العربي باحثين عن سبل لتطويره بعد عدة مراحل من خيباته ونكساته وتراجعاته المستمرة. 
لو أخذنا على سبيل المثال كتابي»الاستشراق»، و»تغطية الإسلام» لإدوارد سعيد، وقصائد درويش المتعددة بدءا من: «بطاقة هوية» التي يبدأها ب»سجل أنا عربي»، إلى العديد من القصائد في مسيرته الشعرية الحافلة، جميعها نصوص تؤكد انتمائهما العربي متقابلا مع المسح والطمس والطمر لمعالم الوجود العربي في «فلسطين» نا و»إسرائيل» هم. 
سعيد، في «الاستشراق» دافع عن الهوية العربية والصورة الحقيقية للعرب ودول الشرق من خلال نقد آليات تمثيل الغرب لها، ومن خلال توظيفه لفكرة السلطة والمعرفة استخدم طريقة فوكو في تقويض سردية المستعمر، المنبثق من عرض مغالطات الصورة القديمة والمتوارثة عن الشرق بسبب الأيديولوجيا والعنصرية وخدمة المصالح اللوجستية، مما يدعو لفهم طبيعة هذا الكيان المشوه والمحرف، وهذا دور عظيم بذله سعيد، إذ حارب الاستشراق في عقر داره، وقد تبنى درويش هذا التوجه الرافض للإمبرياليةفي العديد من قصائده.

الهوية الكونية

الجانب الآخر للهوية لديهما هو الهوية الكونية، أو العالمية، وسعيد يفضل مصطلح»الكونية» التي تشتمل جميع الثقافات الإنسانية الموجودة في الكون، على مفهوم «العالمية»المنطلقة من فكرة العولمة الأمريكية الحاملة في طياتها العديد من الأيديولوجيات الأمريكية القطبية التي تريد أن تحكم العالم وفق نظرة واحدة. فالكونية بأجمل تجلياتها هي أن تكون ابنا للكون، بالمعنى السياسي والأخلاقي والثقافي، من دون الاتصال بارتباطات خاصة تفصلك عن العالم الآخر، بل تكون هذه الارتباطات متعايشة مع بعضها البعض.
هذا الفكر الكوني هو ما فتح لهما الآفاق في قراءة واقعهم السياسي والإنساني في مرآة الآخر وإن كان عدوا، مما جعلهما ينطلقان إلى عالمية التجربة الإنسانية سواء أكانت الضحية أم ضحية الضحية، فجميعهما يتقاسمون نفس بنية الألم. لذا انطلق درويش في دواوينه الأخيرة من فكرة تبني الألم الإنساني بشكل عام مادام كل مقموع يحمل أسئلة الضحية. وهو ذاته ما قام به سعيد في الإقبال على الأدب اليهودي وقراءة ما نتج عنهم من تصورات خاصة بالهولوكوست، ولكن التاريخ المشترك بالألم لم يمنع سعيد من أن يختتم حديثه بمرارة متسائلا: كيف بإمكان الضحية أن تقتل الآخر وتودي به إلى نفس المصير؟!
إن « المعاناة الفلسطينية، كما يقول سعيد، لا بد أن تفهم من إن اليهود هم هنا ليبقوا. المعاناة لابد أن تناضل في اتجاه خلق وضعية تمكن التعايش متكئة على الكرامة الإنسانية، وضعية تستطيع إمساك خيال العالم». (يوسف يعقوبي)
ودرويش من جانبه تعايش مع المتسامح من اليهود، وأحب ريتا اليهودية وانطلق معها لفضاء من الحب والتعايش، بخياله الشعري وكتب بها أجمل قصائد الحب، وإن كانت بين عيونه وعيون ريتا بندقية!
وكما ذكرت أعلى إنه قدم صورة عالمية للإنسان المقموع، وتبنى جميع أصوات المقموعين والمعذبين، من مثل قصيدته:
«ليس للكردي سوى الريح». تقول الباحثة أريكا مينا (Ericka Mena)عن البعد الكوني لتجربته: «تجربة درويش للمنفى، والتشرد، إنها تمثل ليس تجربة الفلسطينيين المخفية، ولكن كل الأشخاص المزاحين».

نظرية ما بعد الاستعمار

تجربة الاستعمار ومابعد الاستعمار هي تجربة مفصلية في قراءة فكرهما، فبينما تحررت شعوب العالم الثالث من تجربة الاستعمار المادي المعلن، فلسطين لا تزال مستعمرة، ومن المفارقة إنهما مثقفان لما بعد الاستعمار. استفادا من طروحات ما بعد الاستعمار في نقد المستعمر، وكافة أشكال الاستعمار التضليلية والتهميشية الممارسة بكثافة وتنظيم يقصد تدمير الهوية والجود الفلسطيني، والتي لا تزال موجودة وبشكل خفي لتحكم العلاقات في العالم أجمع. فسعيد هو ناقد الاستعمار الشهير وجهوده هو والمنظرين الأوائل له مثل: هومي بابا، سبيفاك، إعجاز أحمد، نعوم تشومسكي تعد علامات فارقة في نقد الفكر الاستعماري، وجهودهم كانت مؤسساتية لهذا الفكر، وتعد كتب سعيد: «الاستشراق» و «الثقافة والإمبريالية» من المفاتيح النقدية البارزة بهذا المجال.
أما درويش فهو كشاعر وحالة شعرية عاشت فيمابعد الاستعمار كانت حياته وانتاجه الشعري مدارا للقراءات مابعد الاستعمارية، لأنها تجربة وليدة ظروف سياسية مغايرة ولما بها من عمق فلسفي في تحليل أشكال القهر الإنساني.

الذاكرة

قضية الذاكرة عند إدوارد سعيد ومحمود درويش ليست من القضايا السهلة ولا يسهل الإمساك بمعالمها بسهولة، وذلك لأنها مثل هويتهما متشعبة وموغلة في الارتباط بالقضية الفلسطينية، فذاكرتهما مرتبطة بشكل مباشر بذاكرة الوطن. وقد لعبا هما دورا غير قابل للنسيان بموضوعة الذاكرة، من خلال جانبين متمايزين: الأول: يكمن بتأثير الذاكرة الفلسطينية عليهما. فبرزت صورة الذاكرة المثقلة بالعديد من المفارقات والحزن والأسى والفقد والترحال والإزاحة، مما أدى لتشكل الذاكرة الفردية لديهم بعوامل الهم الجماعي لأمتهم الفلسطينية. ولكنهما في جانب الثاني، لعبا دورا إيجابيا في قضية الذاكرة، فنستطيع تطبيق ما يصطلح عليه فوكو: «مؤسس المنطق» والمقصود به: «الشخص اللاعب دورا أساسيا في إنتاج الخطاب، بحيث لا يعكس التاريخ ولكن يعكس تاريخ الخطاب الذي أسسه هو في دواوينه»Angelika Neuwirth)). سعيد ودرويش قاما بتأسيس لمنطق الخطاب وذلك من خلال تأسيس خطاب الذاكرة والتاريخبتحريرهما، وإعادة صياغتهما، بعد إدراكهما جيدا للفكرة القائلة بأن حربهم كشعب فلسطيني مع الآخر في إثبات الهوية الفلسطينية هي حرب ذاكرة، فبقدر ما تتذكر بقدر ما تثبت وجودك وهويتك وسرديتك الخاصة. 
بخلاف إنهما دونا ذاكرتهم بسيرهما الذاتية وفي حواراتهماوأحاديثهما الصحفية والتلفزيونية، قد دونا علاقتهما مع المكان الفلسطيني بطريقة رسخته في الذاكرة الجماعية للفلسطيني والعربي وللأعداد المتزايدة من المهتمين بالقضية الفلسطينية.
كل منهما يعرض للقضية الفلسطينية على إنها صراع بين ذاكرتين، وبطريقة سعيد الطباقية يقارن بين المفارقة في إن يوم ذكرى تأسيس إسرائيل هو يوم نكبة فلسطين، فتاريخ انتصاراتها هو تاريخ خيباتنا كعرب، وخيبات الفلسطينيين على وجه الخصوص. ذاتها الفكرة التي طرحها درويش بشجاعة وبلاغة محارب في كتابه «ذاكرة للنسيان».
الفكرة الثانية التي يتبناها سعيد فيما يخص التعامل مع الذاكرة، هي فكرة «اختراع الذاكرة»، لأن الذاكرة انتقائية، ثمة من هم أيديولوجيون، ويخدمون مصالح معينة فإنهم يخترعون من التاريخ أحداثا ويفسرونها بطريقة تخدم رؤاهم في حكم الشعوب، من مثل المبالغة في عرض آثار الهولوكوست لتكتسب الصهيونية تعاطفا وتأييدا عالميا أكبر.

المنفى

كل من درويش وسعيد عاشا تجربة المنفى وتفاعلا مع فكرة المنفى بشكل إيجابي وخلاق، فبدلا من كون المنفى، كما هو مشاع، وسيلة لرثاء الذات والحزن انطلق كل منهما ابداعيا في المنفى وخلق لهم فضاءات من الرؤية المتوازنة للذات والآخر في ظل البعد المكاني عن الوطن، فدرويش يقول: «من أنا من دون منفى» ويؤكد سعيد أهمية وجود المنفى في أن يكون المفكر والمثقف خارجي بعيدا عن الانتماءات الضيقة التي قد تؤثر على رؤيته الموضوعية في القضايا المنظورة. ومن المهم ونحن نفكر بالمنفى أن نفكر بمفهوم الهجنة المتوالدة بشكل تلقائي من العيش بفضائيين، كما يوضح درويش بقصيدته «طباق» إذ يصف التعايش السلمي بين هذين الفضائيين، فلكل منهما دوره ووظيفته المنتجة للمحصلة النهائية للصورة السعيدية والدرويشية العامة:
يقول: أنا من هناك. أنا من هنا 
ولستُ هناك، ولستُ هنا. 
لِيَ اسمان يلتقيان ويفترقان… 
ولي لُغَتان، نسيتُ بأيِّهما 
كنتَ أحلَم،
لي لُغةٌ انكليزيّةٌ للكتابةِ 
طيِّعةُ المفردات،
ولي لُغَةٌ من حوار السماء 
مع القدس، فضيَّةُ النَبْرِ 
لكنها لا تُطيع مُخَيّلتي

هبوط اضطراري

وبعد، من المهم ونحن نتذكر تجربة كل من سعيد، ودرويش، أن ألاحظ بعض الملاحظات الهامة بوجهة نظري الخاصةبتعاطي العرب لهما، فبينما يبدو درويش نال حظا وافرا من القراءات العربية والتلقي العربي، يبدو لي إن ادوارد سعيد اختزل بالفكر العربي لأن يقرأ في بعض الكتب وينسى في كتب أخرى. سعيد في التلقي العربي العام اقتصر فهمه في كتاب الاستشراق، والمسألة الفلسطينية، وخارج المكان، بينما كتاباته النقدية الأدبية تبدو لي في طي النسيان، ولم يكتب عنها بشكل كاف في الأدب والنقد العربي، مفكر أصيل ومجدد وناقد راديكالي مثل سعيد بحاجة أن يقرأ باستمرار، وتتطور الدراسات النقدية الناتجة عن الفكر السعيدي في كل عام.
أيضا حظي درويش بتمثيل سيرة حياته بمسلسل، ولم يحظ بذلك سعيد على الرغم من أهمية هذا الأمر في تقديم سعيد للقارئ العادي، والمشاهد العام ونشر هذه الثقافة السعيدية الغنية في فضاء الصورة والإعلام، وهو الذي لم يترك وسيلة من الوسائل النافذة للآخر للحديث عن قضايا الشرق إلا وفتح له فيها قناة تواصل. لذا أرى من المهم أن تقدم لنا سيرة سعيد بمسلسل، أو أفلام وبرامج وثائقية متعددة، فلو بحثنا في يوتيوب العربي عن سعيد لوجدنا إحالة سريعة على كم هائل من المقاطع باللغة الإنجليزية، مما يعني إن الغرب قرأ وفهم سعيد أكثر بكثير من العالم العربي.

الموضوع الآخر، رغم إن التقاطع بين كل من سعيد ودرويش كبير، فأنا أزعم لو إننا قرأنا تجربة الكتابة الفلسطينية لوجدنا إن هناك تقاطعا وتشاركا جماعيا في الأفكار والرؤى وتكون مواطن الاختلاف بين المنتوجات الثقافية والفكرية طفيفة جدا، لعدة أسباب أهمها إن التجربة الإنسانية واحدة، فبعد النكبة توحدت الهوية الجمعية للفلسطينيين لمحاربة الاستعمار وإن اختلفوا بآلية استعادة الأرض.أيضا أود أن أشير إلى أن هذا الفكر الفلسطيني لو وضع مع الفكر اليهودي الخاص بالهولوكوست وأي فكر آخر متعلق بالضحية، لوجدناه فكرا متشارك الثيمات والموضوعات، وهو ما يسمى ب (sharing victimity) مثل: الصدمة، الشتات، المنفى، التهميش، وطريقة التعامل مع الذاكرة، وتبني الكونية بين التصالح مع الآخر أو الهروب من الظروف الوجودية التي وضعوا بها، مما يعني كونية تجربة الألم وطرح نفس أسئلة الهوية والوجود المقلقة والمشروعة في آن في العالم.

٭ كاتبة كويتية

سعاد العنزي