هل ينجح الوزير الخبير في إدارة قطاع الصيد؟

أحد, 2022-04-10 20:17

وزير الصيد محمد ولد عابدين ولد امعييف

.حملت حكومة 31 مارس 2022 في موريتانيا بعض الأوجه الجديدة التي حظيت باهتمام كبير، ولعلّ من أهمها وزير الصيد والاقتصاد البحري الدكتور محمد ولد عابدين ولد امعييف، والذي بعث تعيينه أملا لدى المهتمين بالقطاع الحيوي في أن تبدأ رحلة الإصلاح المتعثرة منذ سنوات، ذلك أنه ولأول مرة، على الأقل إذا ما نظرنا لوزراء الصيد في السنوات العشر الأخيرة، يتم تعيين وزير للصيد من أبناء القطاع الذين عايشوه وراكموا فيه تجربة غنية امتدت على أكثر من ثلاثة عقود.

الخبير القادم من أعماق المحيطات

في منتصف عقده السادس يخطو د. محمد ولد عابدين ولد امعييف خطواته الأولى لاستلام دفّة قيادة وزارة الصّيد والاقتصاد البحري، إحدى أهم الوزارات الموريتانية من الناحية الإستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية،ولكنها أيضا إحدى أكثر الملفات التسييرية تعقيدا نظرا لتداخل مصالح جهات عديدة وتعثّر الكثير من البرامج الإصلاحية.

يتّكئ أستاذ الفيزياء بجامعة انواكشوط العصرية الحاصل على دكتوراه سلك ثالث في علوم المحيطات من المدرسة العليا بالرباط نهاية الثمانينات على خبرة أكثر من ثلاثين سنة في مجال الصّيد والبيئة البحرية والسّاحلية والتكوين البحري، ويبدو من سيرته الذاتية الغنية، سواء في مجال التكوين في أحد أهم تخصصات العلوم البحرية (Océanographie)، أو من خلال عديد الدّراسات والاستشارات التي شملت أغلب مجالات الصيد والبيئة البحرية في موريتانيا وغاصت في تفاصيلها (الإدارة المستدامة للموارد السمكية، استصلاح المصايد، مدونات واستراتجيات الصيد، الحكامة الرشيدة، برامج تنمية المصايد، التكوين البحري، اتفاقيات الصيد، الصيد التقليدي، أسماك السطح الصغيرة، الصيد العرضي والصيد غير الشرعي، المحميات البحرية والتسيير البيئي…الخ) وكذا التجربة التسييرية والإدارية في المجال؛ حيث عمل مديرا لإدارة استصلاح المصايد وإدارة ترقية المنتجات السمكية بوزارة الصيد بالإضافة لعشر سنوات مديرا للمدرسة الوطنية للتعليم البحري والصّيد، يبدو من تلك السيرة الذاتية أنّ القطاع حظي أخيرا بأحد العارفين به، أو كما تقول العرب: وافقَ شنّ طَبَقَه.

لقد مكنت هذهالتجربة الواسعة الوزير الجديد من مُعايشة أهم المراحل التي مرّ بها قطاع الصّيد في موريتانيا وكذا العمل مع أهم شركاء وبرامج ومشاريع الصيد في المنطقة، بالإضافةلعضوية العديد من المجالس العلمية والاستشارية للهيئات العلمية الوطنية والإقليمية في مجال الصيد والبيئة البحرية.

هو إذن وزير لا يحتاج إلى أن يؤدّي زيارات اطلاع للمؤسسات التابعة لقطاعه، أو أخذ وقت طويل للتّعرف على مشاكل القطاع وتحدّياته، إذ تبدو الصورة واضحة للخبير، والحاجة إنما هي في إصدار القرارات النّاجزة وتحريك مياه البحر الراكدة، ففي حركة التيارات البحرية، كما درَس الوزير في علوم المحيطات، أمل وخير للثروة السّمكية وكل المرتبطين بهذا المجال من بعد ذلك، لكن السؤال الأهم:من أين سيبدأ الوزير؟

ترتيب الأولويات؛ أول اختبار للوزير

يُجمع العارفون بقطاع الصّيد والوزير منهم (كما هو متداول بالنص في فيديو قصير من الوزير تم تداوله على وسائط التواصل الاجتماعي بعد تعيينه1) على أن القطاع ليس بخير، وأنه قد آن أوان الإصلاح، تلك هي خلاصة كلّ اللقاءات والأيام التشاورية التي جمعت الفاعلين في المجال، فموريتانيا التي توصف شواطئها بأنها واحدة من بين الشواطئ العالمية الأغنى بالأسماك تعيش اليوم ندرة شديدة في السمك، كما أن الضّغط على الموارد السمكية، خصوصا أسماك السطح الصغيرة، بلغ مداه، في ظلتراجع مساهمة قطاع الصيد في الاقتصاد الوطني، ضف لذلك تعثُر التّكوين البحري الذي لم يستطع بعد أن يشكل–حتى الآن- بديلا للأجانب، هذا بالإضافة لمشاكل الرقابة على الثروة السّمكية واختلالاتها العديدة، وكذا ضعف وسائل البحث العلميورتابته، يضاف لذلك أيضا مشاكل التشغيل والعمالة وضعف البنية التحتية وغياب التصنيع ومشاكل التلوث البحري إلى آخر ذلك من المشاكل العديدة، وهو ما يجعل مهمة الخبير ليست بتلك السهولة، فبعض الملفات تحتاج وقتا وبعضها لا يحتمل التأجيل، ولعلّ من بين الملفات ذات الطابع الاستعجالي ثلاث قضايا مهمة:

توفير السمك على المائدة الموريتانية

موريتانيا بلد الثروة السّمكية والأساطيل الأجنبية تعيش على وقع ندرة وغلاء كبيرين في الأسماك، وهو ما يتطلب قرارات ناجزة من الوزير الجديد من أجل توفير السّمك بأسعار معقولة للمواطن الموريتاني، ومن المفارقات في هذا المجال؛ أن أسعار السمك المُصطاد في الشواطئ الموريتانية أرخص في بعض الدّول المُجاورة منها في موريتانيا! وأن أسعار بعض الأنواع السّمكية الجيدة، الموجهة للخارج،كما هو معروضعند الشركة الموريتانية لتسويق الأسماكأخفض بالكثير منها في أسواق السمك الموريتانية! هذا إن وجدت أصلا، إن سؤال توفير السمك هو أول الأسئلة التي ينبغي أن يجيب عليها الخبير ويجد لها حلولا مستدامة تضمن توفير مادة السمك الصالحة للاستهلاك البشري بشكل مستدام،وهو إنجاز إن تحقّق سيعطي جرعة أمل لقطاع واسع من المواطنين المحرومين من خيرات بحرهم المعطاء منذ سنوات عديدة.

مصانع دقيق وزيت السمك “موكا” الفطر الضار

شهدت موريتانيا في السنوات الأخيرة نموا غير مسبوق لمصانع دقيق وزيت السمك، حيث انتقلت من مصنع واحد سنة 2010 إلى أكثر من ثلاثين مصنعا في السنوات الأخيرة، يُوجّه لها سنويا ثلث الإنتاج السّمكي الموريتاني، ليتم تحويله إلى دقيق وزيت سمك وتصديره للخارج مما أدى إلى ضغط كبير على الثروة السمكية، خصوصا أسماك السطح الصغيرة المحزون الأكبر في موريتانيا، وقد سجل بعض العلميين تغيرا في وفرة أسماك السطح الصغيرة ينذر بخطر كبير، حيث تأثر بشكل كبير مخزون السردينلا الدائرية “ياي بوي” مما أدّى إلى ندرة شديدة في هذا النوع الهام، والذي كان يميز الشواطئ الموريتانية، هذا بالإضافة لتأثيرات أخرى على النظام البيئي الحاضن للثروة السمكية، إن رؤية السفن المُموّنة لهذه المصانع، والتي تصطاد الواحدة منها في اليوم الواحد مئات الأطنان ليتم طحنها يوميا والمواطن لا يجد سمكة واحدة يشتريها لهو شيء محزن، ولإدراك أبعاد الأمرمن حيث حجم هذه الكميات، ينبغي أن نستحضر أن وزير الصيد الجديد أشرف يوم الجمعة الأخير على إطلاق قافلة شاحنات محمّلة بالأسماك إلى مدن الداخل وقد ذكرت شركة توزيع الأسماك أن الكمية وصلت إلى 200 طن، والسفينة الواحدة من السفن التي تمون هذه المصانع يمكن أن تصطاد يوميا مابين 300 إلى 700 طن! ، إن مظهر طحن مئات آلاف الأطنان السّمكية سنويا لتحويلها إلى مادة مستخدمة في تربية الأسماك والحيوانات الأخرىفي آسيا وأوربا في ظل الندرة الشديدة للأسماك في موريتانيا جدير بوقفة صارمة وقرارات شجاعة تنهي هذه المأساة، والتي لم يؤثر فقط على الثروة السمكية بل على البيئة البحرية وصحة الإنسان، أما كيف يتم ذلك؟ ففي تجربة الوزير الذي خصّص كثيرا من دراساته واستشاراته لأسماك السطح الصغيرة وإدارتها بشكل مستدام ما يفي بالجواب.

التسيير المتعثر؛ الحاجة إلى دماء جديدة

يحتاج أي وزير جديد أن يختار طاقمه بعناية شديدة وأن يصحّح اختلالات التسيير والإدارة المتراكمة في قطاعه منذ سنوات، وهو ملف من شقين؛ شق يحتاج وقتا، كمراجعة السياسات والاستراتيجيات التي حكمت القطاع وأدّى بعضها إلى فشل كبير، فاستراتيجيات الصيد 2015-2019 و 2020-2024 والتي نقلت إدارة الثروة من نظام جهد الصيد إلى حصص الصيد، لم تثمر النتائج المتوقعة، فرغم أن نظام تسيير الثروة من خلال تحديد الحصص السنوية هو النظام الأقرب للتسيير المستدام للثروة على أساس علمي والمتبع في الكثير من الدول المتقدمة المنتجة للأسماك، إلاّ أنه في موريتانيا لم تُهيأ له الأرضية الصالحة، ولم تتم مواكبته فنيا ورقابيا وعلميا مما أدى إلى نتائج غير مشجّعة، ولعل قطاع الصيد من أكثر القطاعات التي مرّت بها عديد السياسيات والقوانين المنظمة، هذا بالإضافة إلى عشرات الورشات والملتقيات التي أنتجت العديد من المقترحات والتوصيات الجيدة، غير أن التطبيق والمتابعة يتخلّفان دائما عن جودة تلك المخرجات، مما أدى إلى يأس عام من هذه اللقاءات وزهد في إصدار التّوصيات، ولا شك أن الوزير الذي واكب استراتيجيات الصيد وسياساته وشارك في إعداد بعضها، يمتلك الأساس النظري لوضع سياسات واستراتيجيات تضمن استغلال الثروة بشكل مستدام بيولوجيا ومنتج اقتصاديا واجتماعيا.

أما الشق الآخر الذي لا يحتاج وقتا طويلا؛ فيتعلق بالهيكلة المناسبة للوزارة، وبرجال الوزير الذين سيُسيّر بهم القطاع، إذ تحتاج وزارة الصّيد إلى هيكلة جديدة تلبّي حاجة القطاع والتطورات الكبيرة التي شهدها في السنوات الأخيرة، وكذا اختيار الكفاءات المشهود لها بالنزاهة للمواقع المهمة، فتلك هي أدوات الوزير التي سيعمل بها ويحقق بها سياسته، ولا شك أن معايشة الوزير للقطاع ومعرفته بالكثر من أطره وخبرائه سيسهّل من تلك المهمة، وهو نفس الشيء بالنسبة للمؤسسات العمومية التابعة لقطاعه، كخفر السواحل والمعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد والمكتب الوطني للتفتيش الصحي لمنتجات الصيد وتربية الأسماكوالشركة الموريتانية لتسويق الأسماك وشركة بناء السفن …الخ. فكل هذه المؤسسات المهمة تحتاج إلى اهتمام خاص من الوزير الجديد تطويرا وتجويدا لأدائها.

كخلاصة؛ لا تبدو مهمة وزير الصيد الجديد سهلة، فبالإضافة لتشعّب الملفات على مكتب الوزير، يمتاز قطاع الصيد بحضور قوي للوبيات متنفذة كثيرا ما تصطدم بها إرادات الإصلاح عند أوّل مواجهة، لكن بعض المعطيات والمؤشرات تبعث على الأمل في أن يستطيع الخبير الذي اعتاد التقييم وتقديم الاستشارات في مواضيع وملفات متشعبة في مجال الصيد والبيئة البحرية في أجواء هادئة النهوض بقطاع الصيد وتحقيق إنجازات يختم بها مساره المهني الطويل في قطاع الصّيد، ولا شك أن الرؤية واضحة نتيجة الخبرة والمعايشة، كما أن تاريخ الرجل في التسيير يشهَد لهُ لا عَليه، هذا بالإضافة لما يُعرف عن الوزير الجديد من المضاء والصّلابة والقتال من أجل ما يراه صوابا ، يُضاف لذلك أن المناخ الذي جاءت فيه الحكومة الجديدة مناخ مساعد ودافع للإنجاز بعد انتقادات شديدة وجهها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لأداء الإدارة الموريتانية، تلك كلها مؤشرات إيجابية، فهل يستطيع أستاذ الفيزياء حلّ معادلة قطاع الصيد بالمقادير المناسبة وبالأسلوب الأمثل أم سيستسلم عند أوّل مواجهة كما فعل سلف له من قبل؟ ذلك ما ستجيب عليه الأيام والأشهر القادمة،غير أن الثابت الوحيد في كل ذلك حتى الآن هو الإجماع على أن قطاع الصيد ليس بخير، وأن الناس بدأت تفقد الأمل في الإصلاح والمُصلحين، حتى ولو كانوا خبراء مبرزين في مجالاتهم