بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة "الأقصى"
في مثل هذه المواسم تهتز أغلب البيوت، في جو من الخصومة والاحتجاج على الرجل بأنه لم يوفر كذا وكذا من مطالب العيد المتصاعدة، ولو طلب المعنيون مع مراعاة الظروف الخاصة برب العائلة، لكان هذا منطقيا مقبولا نسبيا، أما أن تكون الأحوال على ما يعيش السواد الأعظم من الناس من صعوبة ومعاناة حقيقية متنوعة عميقة فذلك مزعج لا ينبغي، ولا يجوز ان يتواصل على هذا المنحى من الضغط والابتزاز للرجال، خصوصا لصالح النساء بوجه خاص والأبناء بالدرجة الثانية، ولو كانت نساء "البيظان" خصوصا الأكثر اتهاما بهذا التوتير للأجواء عند كل مناسبة عيد، أقول لو كن راعيات خادمات لأزواجهن على أحسن صورة لقبلنا التغاضي عن هذا التكليف ولو كان مرهقا أحيانا، ولكن حين تكون الزوجة، وخصوصا "البيظانية"، قليلة البرور لزوجها غالبا، وتصك عليه الأبواب وتلطمه بالشتائم أمام ضيوفه قبل أبنائه، الذين اعتادوا إهانة أبيهم أمام أعينهم، فكيف يتسنى له بروره.
أما وإن خرج مطلقا لهم جميعا، تحت ضغط أو آخر من مليونية الضغوط، التي تنطلق أحيانا من يوم الخطوبة قبل العقد، فإنه يصبح في نظر الزوجة السابقة مستباح الحمى، ويحرص عليه باستمرار أبناؤه بعدما خرج من بيت الزوجية المنهار مكرها لا مختارا طبعا، في أغلب الأحيان.
ولا يعني هذا أن الرجل قد لا يكون السبب في إفساد عش الحياة الزوجية قبل الزوجة أحيانا، ولكن أجزم أن ذلك نادرا، إذا ما قورن بالأسباب الداعية للفراق.
فالجو الأسري عندنا خصوصا معشر "البيظان" لا يدعو للبقاء، في أي حالة ارتباط شرعي بالرغبة الصادقة في البقاء في القيد الزوجي المهلك.
وأما عندما يحل العيد فانتظر المظاهرات والاحتجاجات داخل البيت، بمختلف الأساليب المباشرة وغير المباشرة، إلى أن تتجاوز "المناسبة السعيدة" بسعادة شكلية، دون طعم معنوي حقيقي.
فكيف يطلق عليها سعادة على وجه جاد.
إن ما وقع من قبل في حي عرفات عند إحدى مناسبات الأعياد هنا في نواكشوط، مهما قيل بأن الفاعل مخبول ومجنون إلى أقصى حدود الجنون المتخيل يؤشر إلى أزمة حقيقية عميقة وخطيرة داخل الأسرة الموريتانية لها صلة وثيقة بمناسبات الأعياد، وإذا كان هذا هكذا بهذا المستوى من التورط الفوضوي بلا حدود في بدعة المبالغة في العيد، فإن ذلك يعني أن يتكلم المعنيون من العلماء وأصحاب الرأي خصوصا، قبل الإلزام السلطوي، وهو ضروري، وهو في المقام الأخير، إن لم تجدي النواحي التربوية والتوجيهية، إلى ضرورة التعقل ومعرفة الحكم المناسب للحال المعروض الوارد.
فالعيد يعني الابتهاج في حدود المستطاع وليس الانتحار الاجتماعي على مختلف صنوفه، الحاصل واقعا مشينا في أيام أعيدانا كلها تقريبا.
فيقع هذا أو بعضه في مختلف المدن والقرى والبوادي دون تمييز تقريبا، وإن اشتدت أزمة العيد في المدن الكبرى، حيث الاكتظاظ والتنافس، بدل التفهم والتماشي والتناغم مع قوله تعالى: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها".
إن ضعف رجال "البيظان" "لحشامه" المحتقرين وبامتياز، من قبل النساء والأطفال، فلا برور من قبل الزوجة طالبا ولا برور كذلك من قبل بعض الأبناء، أقول هذا الوضع الضعيف المشين الرجولي عند من يسمون افتراضا رجال "البيظان" هو السبب الأول في هذا التأزم والتعقد عند الأعياد خصوصا، وكل مناسبة صرف تلزم الأسرة "البيظانية" في جانب كبير من مجتمعنا المريض المتداعي نحو الانهيار طبعا، إن لم تتداركه حكمة العقول وحزم الإرادات الصالحة الجادة.
و لا يعني هذا البتة إهمال الزوجة أو القسوة عليها أو على أبنائنا، وهم أكابدنا، حاشا أن أدعو إلى هذا أو إلى جو قريب منه، بل إن المطلوب هو التوازن المطلوب شرعا، دون إفراط أو تفريط باختصار.
وإلا لجنحت السفينة، كما يقع الآن تدريجيا نحو مزيد من هيمنة المرأة على حساب القائد الأسرة، الرجل الحازم العطوف، وهو أقدر على تسيير المقادير، بحكم تكوينه الأصلي من غيره.
وما أفلح قوم ولو أمرهم إمرأة، ولا يعني هذا نفي تكليفها، لكن مع الرعاية وقوامة الرجل، في كل الأمور.
فذلك جرب عبر التاريخ الإنساني، أنه الأقوم والأرشد، مع استنفاذ ما أمكن من طاقات المرأة في ما تستطيع أن تتقن، دون أن تستغني فطريا عن الرجل، شريكها الأبدي في الحياة الاجتماعية، التي تفرض التفاهم والمحبة والتنسيق، بدل الصراع والتلاوم والتغابن والتحامل دون وجه رشد ونفع.
وأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" صدق الله العظيم
لنا أن نفرح بهذه المناسبة التي فدي فيها اسماعيل عليه السلام بكبش من من الله وفضله، فنفذ إبراهيم عليه السلام ما أمر به في الرؤيا، وتل الولد جبينه للذبح والرضوخ لأمر الله، دون نقاش أو جدال، مثالا في قمة الإيمان الحقيقي الكامل، ورغم حز السكين في رقبة اسماعيل سلم النبي اسماعيل عليه السلام، وكان البديل ذلك الكبش، فصار سنة في مثل ذلك اليوم التاريخي المعبر، عن تلقي أوامر الله كما هي، دون شك أو ريب أو تلكئ عند التنفيذ، مهما كانت صعوبة ظاهر الأمر أحيانا، في نظر البعض، عندما يطلب مثلا قتل الرجل لولده مباشرة، وبيده، بنفسه ضد فلذة كبده!،.
إنه الإيمان باختصار أيضا.
وهو فرصة للأغنياء –أي العيد- للعطف على الضعفاء، وتكريس صنوف التضامن والتآزر الاجتماعي، وخصوصا بين ذوي الرحم الخاصة، قبل الرحم العامة، وهي عامة المسلمين طبعا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: "اتركوهم يلعبون إنه يوم عيدهم" أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فاسحا المجال للدف يومها، بجوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، تتطلع إليهم، وهي وقتها مازالت لم تكبر بعد.
سبحان الله، ما أسمح وألطف قائدنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم، وأعلمه عن طريق الوحي، بخصائص النفوس ولحظاتها المختلفة، وحاجتها أحيانا للترويح، ساعة وساعة.
وأما تحويل مناسبات الفرح المشروع، إلى جو من المطالب الخيالية، التي تتجاوز الممكن والعادي، فذلك مجرد التبذير والاغترار بنزوات الدنيا ومتعها على وجه مفتوح غير مقيد، أو بعبارة أخرى غير موزون.
وباختصار هل مازال العيد عندنا عيدا، أم أضحى تعبيدا من بعض المجتمع ضد بعضه الآخر، وخصوصا من طرف النساء والأطفال، قد آبائهم الفقراء غالبا، خصوصا في مجتمعنا الضعيف اقتصاديا بامتياز؟؟؟!!!.
إنه سؤال مشروع ملح يحتاج إلى فحص موضوعي واسع، أكثر قدرة على التبيين والتدقيق من هذا المكتوب العابر، الذي قد يساعد على إثارة التساؤل والاعتراض الوجيه، أكثر مما يجيب بصورة وافية تامة على تساؤلات واستفسارات كثيرة، تحتاج على وجه تفصيل إلى المزيد من التقويم والدراسة الموضوعية الراشدة.
إن بعض الرجال أحرى وأجدر بالاحتجاج عند القصر الرمادي أو غيره من كثير من اهل المعاناة، لأنهم عند العيد يهلكون بالمطالب غير المنصفة وغير المتماشية مع أحوالهم المعيشية ودخلهم، فيتحولون إما إلى التوسل أو الاستدانة أو الاحتيال والسرقة الصريحة، لتصبح مناسبة العيد غالبا فرصة عند البعض لبيع بعض ممتلكاتهم، حتى لا يهجروا أسرهم أو يصبحوا بلا أبناء.
إنها خيارات صعبة محيرة، قبل التوجه إلى السجن أو غيره من المخاطر والموبقات.
أهذا عيد سليم؟!، إنه الضياع بصراحة.
ولذلك كثيرا تسمع انتظر فرصة العيد، إن أردت الحصول على سيارة رخيصة.
فبعض الرجال والشباب، يبيعون سياراتهم من أجل الوفاء بمطالب نسائهم وأطفالهم، ومن تراه يرمي للرفض وعدم تلبية كل ما تريد، الخطيبة الغالية.
لا، إنه المستحيل.
فلا يبقى أحيانا من خيار، إلا أن يبيع الرجل كل ما لديه أو بعض ما لديه على الأقل، وبثمن بخس، حتى لا يقال إنه عاجز، إنه ليس برجل سخي قادر!!!.
أحوال وظروف تدم القلب قبل أن تدمع العين، فهل يمكن السكوت عن هذا المنكر؟!.
أمة عاجزة عن قوت يومها، تتظاهر وتعيد بالكذب والتسول الصريح المشين أو تضحي بأموالها، بأثمان غريبة، مقابل يوم واحد، طلب فيه فقط الفرح حسب المتاح.
إنه حال سيء يجعل من العيد فرصة للتوجيه والتحذير، عسى أن ننتبه قبل فوات الأوان، بالمزيد من انهيار الأسر الحمقاء، وخصوصا من مجتمع البيظان، المتطرف في الصرف وتجاهل طرق التحصيل الشريف.
فالمهم عند بعض السيدات هو أن يأتي الرجل بالمال الوفير الكثير، للتباهي والتفاخر المفتوح، وليس المهم عندها مصير زوجها لا في الدنيا ولا في الآخرة من باب أولى.
ومع هذا المستوى الواقعي من المبالغة في هذه المناسبات والأحوال، ألا يجوز طرح السؤال هل يجوز العيد لمن لا يقدر عليه؟!.
أما من يقدر عليه، فينبغي أن يهجر قص الأظافر مع مطلع ذي الحجة، وأن يضحي بكبش أقرن أبيض على وجه التفضيل و أن يكون من غير علة، بذبح بعد ذبح الإمام وفراغه من صلاة العيد الجامعة للمسلمين، للتسامح والتعارف والتراجم.
وأما ما سوى ذلك من المبالغات والتطرف في تجاوز الممكن، فهو منهي عنه، ولا يتماشى مع الحكمة والرشد والوعي الديني و الاجتماعي والإنساني.
فهل نحن سامعون للأفضل المشروع، أم نقول باختصار مجددا عيد سعيد، رغم الضغوط المشروعة وغير المشروعة غالبا