بقلم الدكتور عبد الله ولد أحمد عبيد
تقديم
مساهمة في إنارة الرأي العام عموما ومنتسبي حزب الإنصاف بشكل خاص وقادته والقائمين عليه بشكل خاص، وددت أن أسجل هذه الأفكار بين يدي حمى التحضير للانتخابات البلدية والبرلمانية والجهوية المرتقبة،
شهادة من من يمكن أن يوصف بأنه من الطبقة الوسطى في السياسة، يهتم بها كواجب اجتماعي وديني من منطلق أن من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، بعبارة أخرى مهتم بالشأن السياسي لا يريد منه تعيينا في وظيفة، لا لأنه لا يطمح لها ولا لأنه ليس كفئا لها بل لأنه لا يريد ويعترض على أن تكون السياسة والاشتغال بها هي مناط التعيين والتكليف بالمسئوليات على حساب الكفاءة والخبرة،
وكما أنه لا يبحث فيها عن ريع مادي لنفسه لا يبحث فيها عنه لغيره إلا بقدر ما تقتضيه ضرورة الوجود المادي والمعنوي اجتماعيا، بمعنى أن ليس لي ظهير سياسي يطمح للترشح لوظيفة تنفيذية أو انتخابية يتأثر انخراطي في المشهد السياسي برضاه أو سخطه، وإنما أنا مواطن عادي أهتم بمصلحة الوطن عموما وأساهم في تحقيقها بقدر ما أستطيع، وبمصلحة محيطي الجغرافي وتنميته ومصالحه بصورة عامة وأساهم بما يمكني المساهمة به في سبيله وأقف الموقف الذي أراه يخدم كل هذه الأهداف.
وقد اخترت لهذه الخواطر عنوان: الإنصاف بين دلالة الاسم وواقع الجسم، ووزعته إلى محورين رئيسيين هما: ملامح السياسة العامة لرئيس الجمهورية، وحجم تطبيق هذه السياسة في المجال السياسي بالذات.
1- ملامح السياسة العامة:
تميز خطاب رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، من خطاب ترشحه إلى خطاب الاستقلال منذ أيام، بمضامين ثابتة:
التشخيص الدقيق لمشاكل الوطن والوعي بخطورتها وحجمها والتصريح بالإرادة الجادة في التغلب عليها وعلاج مخلفاتها: ولا يتسع المقام لذكر كل ما أسفر عنه جرد هذه المشاكل بل نكتفي بذكر أهمها مثل:
- ضرورة مصالحة الدولة مع ماضيها واعتراف القائمين عليها بما لعبه أسلافهم من دور بدل لعنهم وتحميلهم مسئولية كل ما كان وما هو كائن وما سيكون،
- مد يد التفاهم والتعاطي مع مكونات الطيف السياسي كله والوصول معه إلى أرضية مشتركة تتيح مشاركة الجميع ولعب كل منه الدور الذي يمكنه لعبه،مما أتاح مناخا سياسيا هدئا يمكن للدولة معه أن تركز جهداها على البحث عن حلول للمشاكل التنموية والحيوية الأخرى.
- فتح الملف الاجتماعي والحقوق والحوار مع محركيه والوصول معهم إلى ما وفر جوا من الهدوء والسكينة بدل الحدة والشحن وخطاب الكراهية والمواجهة الذي كان سائدا، وهو نجاح كبير يقدر ويثمَّن مع ضرورة تعزيزه دائما، حتى يتم التغلب على آثار المظلومية والتراتبية القائمة.
- فتح ملف الفساد والتحقيق بشأنه وليس تأخيري له في الترتيب ناتجا عن ترتيبه في سلم الأهمية عندي، ولا عند المواطنين على ما أظن، بل لعدم ظهور نتائجه بعد على غرار ما حصل مع الملفات السابقة الذكر، إن معالجة مشكل الفساد المالي والإداري، والإداري أشد تأثيرا لأنه في الغالب هو غطاء ووعاء الفساد المالي، تعني عند المواطنين الشيء الكثير أقلها أنها هي أملهم في بداية قيام دولة المواطنة والحق والمؤسسات، لذلك يتطلعون بلهفة إلى نتائج فتح الملف أصلا ومآلاته، لا رغبة في أن ينال مكروه أحدا بعينه ولا تشفيا في مسئولي حقبة معينة، بل لتكون رادعا ونقطة قطيعة مع نهب مال هذا الشعب الغنية أرضه برا وبحرا والفقير فقرا مدقعا.
2- حجم تطبيق السياسة العامة في المجال السياسي
لم يصل الملف بعد إلى ما يتوقع المواطن منه، أو على الأصح ما دفع المواطن إلى التوقع منه، لكن قد يكون ذلك لتشعب الملف وحساسيته وطول إجراءات القضاء ومساطره، أجو أن يكون ذلك هو السبب في تأخر ظهور نتائجه.
ثم إن في التعامل مع ملف مكافحة الفساد عامل إرباك آخر ،للمتابع، هو استخدام الدولة لمشموليه في مهام جديدة قبل أن تصدر الأحكام في حقهم، أعرف أن المتهم بريء حتى يحكم بإدانته، لكن يكفي في الشفافية معه ألا تسلبه حقا كان عنده أما تسند له المسئوليات والحساسة أحيانا فذاك ما أربك المتابع لمسار الملف،
إن مدعى الارتباك والحيرة هو ما يلمس من عدم تطابق الأفعال والإجراءات مع ما يدبج في الخطابات وتتولى وسائل الإعلام شرحه وتطريره والتهميش عليه حتى يستقر في أذهان الناس قناعة ونهجا متبعا،
وسيتضاعف هذا الارتباك أكثر في الملف السياسي المحض أعني ملف إصلاح الحزب وإعادة تسميته وتعيين هيئات تحضيره للانتخابات.
أ. إعادة بنية الحزب: لم يطرأ على الحزب: حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بعد انتخاب الرئيس شيئا جوهرية حيث بقيت الهيئات على ما كانت عليه باستثناء إدخال بعض قيادات حزب عادل في هيئاته القيادية ، وهذا إجراء قد يفهم في سياق الانفتاح ومد يد التعاون لجميع الطيف السياسي، شفع ذلك بتسمية رئيس جديد للحزب في مؤتمره المنعقد أواخر دسنبر 2019، وتبين أن الرئيس الجديد هو من حزب عادل، وهذه أيضا لا مأخذ عليها، على الأقل بالنسبة لي وأمثالي الجديدين على الحزب مثل عادل لكن قد يكون بل يجب أن يكون في القلب منها شيء بالنسبة للمؤسسين والأقدم في الحزب.
ولا أريد أن يفوتني التنبيه على آصرة القرابة بين عادل والعدل الذي يتقاطع مع الإنصاف في المعنى بشكل كبير إن لم يكن هو نفسه، مما يعني مصدر القرار في
الحزب يؤرقه منذ الوهلة الأولى اختلال العدل والإنصاف ويبحث عن علاجه، فضم إليه عادل ليضفي إليه مسحة عدل، ولم يكف ذلك عنده فأسماه والإنصاف.
ب. تأتي بعد هذه الخطوة إعادة التسمية: صاحب القرار أدرك أن الحزب أحوج ما يحتاج إليه هو جرعة إنصاف، بمعنى آخر أن أكبر المشاكل التي يعاني منها هي الجور، وهو ما يستوجب طرح التساؤلات التالية: من الجائر؟ ومن المجار عليه؟ وكيف حصل الجور؟ وما السبيل إلى رفع هذا الجور؟
وللجواب عن السؤال الأول: من الجائر؟ تكفينا التسمية في الإجابة على أن مصدر الجور وعدم الإنصاف هو المؤسسة الحزبية نفسها: والمؤسسة تتكون من :
- رئيس الجمهورية بوصفه المرجعية العليا للحزب، وإعادة التسمية منه رأسا أو بمباركته وبالتالي هو على إدراك تام بأن بنية الحزب كانت مبنية على غير إنصاف لو كان هو مصدره لما كان لتغيير الاسم داع.
- رئيس الحزب تم تكليفه به من جديد ولم يكن له فيه من قبل دور محوري وبالتالي عدم إنصافه ليس مسئولا عنه
- الهيئات الأخرى: من مسئولين حزبيين ووزراء سابقين وحاليين ومن جمع بين كل ذلك، وهي التي كانت قائمة وهي المسئولة وحدها أو مع غيرٍ لم يعد قائما.
أما الإجابة عن السؤال الثاني: من المجار عليه وكيف حصل الجور؟ المجار عليه هو الشعب الموريتاني كله باعتباره يتضرر كله بشكل مباشر أو غير مباشر بفساد أهم مؤسسة سياسية تتولى تسييره، وتعين وتنصب عليه قسرا المسيرين المحليين لشأنه المفترض أن يتولى هو اختيارهم أصلا ومحاسبتهم ب.أصواته إن لم يكونوا كما أراد.
والمتضرر الثاني هو منتسبو الحزب وأطره باعتبار الحزب هو الإطار الذي اختاروه لكون مطيتهم لتحقيق طموحاتهم السياسية الفردية أو الأنسب لتحقيق تقدم الوطن واستقراره والرفاهية لمواطنيه والوحدة واللحمة لمكوناته،
تنسف أحلامهم وطموحاتهم بتزوير إرادة الناخبين والوصاية على قرارهم عن طريق الترغيب والترهيب بسلطة الدولة وبمال الدولة، ويتحول واجب الولاء للوطن وصالحه إلى واجب الخنوع والتبعية العمياء لموظف سفيه جمعه القدر مع إرادة ومصلحة سفيه آخر وهكذا إلى نهاية السلسلة.
أما الإجابة عن السؤال الأخير: ما السبيل إلى تحقيق الإنصاف؟
من نافلة القول أن تحقيق الإنصاف يكون بإزالة عدمه أي الظلم والجور لأن الجور والإنصاف لا يجتمعان في وقت واحد في كائن واحد وإزالة الظلم تكون: إما بإبعاد من يصدر منه نهائيا والقطيعة معه ومعاقبته ليكون عبرة لغيره، وإما بإبعاده عن مصدر القرار والتأثير فيه وذلك أضعف الإيمان.
أما إرادة الإنصاف والسعي إليه بمن أوجدوا واقع الظلم فهو أمر يصعب تصوره.
وحتى لا نبقى في دوامة من التأملات المجردة أود أن أقول إن إصلاح الحزب لكي يكون إنصافا بعينه أو يكون أداة لتحقيق الإنصاف لا بد أن تكون بإحدى طريقين لا ثالثة لهما:
الأولى تنظيم حملة انتساب جديدة بضوابط موضوعية وبوسائل بشرية ولوجستية تضمن الحد الأدنى من الشفافية والمصداقية وتحرص الدولة على أن لا يكون مالها ولا سلطتها مؤثرا في الحملة، ثم تقام الهيآت والهياكل الحزبية من الوحدات إلى المؤتمر على أساس مخرجات الحملة.
هذه هي الطريقة الأنسب والأسلم ولا بد من اتخاذها عاجلا أم آجلا، لكن اعتمادها قبل الانتخابات المرتقبة غير ممكن لضيق الوقت.
الثانية:هي تسيير الحزب للانتخابات بطاقمه البشري الحالي والذي يجعل من الحزب الحكم والخصم بين الفرقاء السياسيين وهو موقف يصعب إن لم نقل يستحيل السيطرة عليه إلا بتعليمات صارمة وفرض الحياد على مسئولي الحزب المعينين في مناصب اختيار مرشحيه وذلك باتخاذ إجراءين أساسيين:
الأول: أن تقنع قيادة الحزب مستخدميها بالعودة إلى دوائرهم بخطاب إجماعي غير الذي درجوا عليه في السابق من خطاب الإقصاء والتحدث مع الفاعلين من موقع الآمر، وأن مهمتهم ليست التخندق وخلق قطب في الدوائر التي يهتمون بها، بل إن مهمتهم المطلوبة و التي تخدم الحزب تخدم الحزب حقيقة هي أن يلملموا كل الفعاليات في دوائرهم ويصلوا معها إلى حلول مرضية،وأن يوحدوها إذا كانت مختلفة، لا أن يخلقوا فيها طوائف وأحلافا متصارعة ينقلب التنافس الإيجابي فيها والطموح المشروع إلى صراع وتفان هدف كل جانب منه إقصاء الآخر وعزله بأي ثمن حتى بالتحالف مع الشيطان.
الثاني: أن يمنعوا من حضور النقاش والمداولات المتعلقة بالترشيحات في الدائرة التي ينشط كل واحد منهم، وضمان عدم تأثيرهم عليها إداريا.
إن اتخاذ مثل هذه الاحتياطات قد يقلل من مظالم الطبقة المتوسطة من نشطاء الحزب ويعطي لقراراته الحد الأدنى من القبول مما يساعد على الانسجام، أما لو ترك للمتغولين في الحزب الحبل على الغارب ومارسوا هوايتهم وعادتهم في التسلط والتجبر التي اكتسبوها من مثلهم وقائدهم السابق، والتعويل على الانسجام مع قرارات الحزب، فهو رهان فيه القدر الكبير من المجازفة قد يخرج دوائر كثيرة من يد الحزب ما كانت لتخرج منه لو يتبع هذا النهج.
ختاما لهذه الأفكار أقول إن السيد الرئيس رسم خطابا سياسيا طموحا ومقنعا، تتعزز القناعة به في كل سانحة يتوجه فيها بخطاب المواطنين لما يلمس فيه من وضع الإصبع على مكان الوجع،
وقد قطعت أشواط في علاج الاختلالات، لكن ذراعاه : التنفيذي والسياسي لم يواكبا خطته ومنهجه بالقدر اللازم من الجاهزية والإنجاز عجزا أو تقصيرا،
مما يجعل النظر في التغلب على ذلك ضرورة ملحة، وهي في الجناح السياسي أكثر إلحاحا وضرورة إسراع لقرب موعد الانتخابات وتعقيدات المشهد الحزبي.
د. عبد الله أحمد عُبيد