أزمة المهاجرين تزداد، والخناق يضيق بسببها على موريتانيا البلد الفقير رغم غناه، والبلد الذي تزيد مساحته على مليون كلم ولا يتجاوز عدد سكانه أربعة ملايين نسمة؛ البلد المفتوح على عدة دول أفريقية هي السنغال ومالي وأخرى مغاربية هي الجزائر والمغرب، والملتصق عبر ساحله الأطلسي بجزر الكناري.
قَدَرُ موريتانيا الذي جناه عليها موقعها الجغرافي كهمزة وصل بين العرب والأفارقة، هو أن تكون جسرا للمهاجرين الأفارقة الهاربين عن الفقر والحروب نحو الأراضي الأوروبية الحالمين بفردوسها؛ وتساعد صعوبة ضبط حدود موريتانيا الشاسعة والوعرة، مهربي البشر في تفاديهم على صهوات «اللاند كروزر» لرقابة المنافذ الحدودية عبر الطرق الملتوية والمتاهات المحيرة.
في البداية، كانت ورطة المهاجرين التي تزعج الاتحاد الأوروبي وخاصة إسبانيا لما لها من انعكاسات أمنية وديموغرافية، تتوقف عند مسألة «موريتانيا الجسر والمعبر» حيث يمر المهاجرون لمقصدهم الذي هو الجنة الأوروبية، لكن في عام 2020 اتسعت الورطة لتحول موريتانيا نفسها اليوم إلى «البلد الوِجهة» بل واتسع المأزق عندما أصبحت موريتانيا نفسها مصدرا لتدفق المهاجرين من مواطنيها نحو الأراضي الأمريكية.
فماذا عن هذه التطورات الثلاث: موريتانيا المصدرة للمهاجرين نحو أمريكا وموريتانيا جسر الهجرة السرية نحو أوروبا، وموريتانيا وجهة المهاجرين؟
الهجرة إلى أمريكا
أدى تدفق آلاف الموريتانيين من شتى الأعمار والأجناس نحو الأراضي الأمريكية عبر حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، لقلق كبير لدى الحكومة الأمريكية؛ وحاولت السفارة الأمريكية في نواكشوط التي تمسك بملف الهجرة الحد من تدفق الموريتانيين إلى الأراضي الأمريكية، فوجهت التحذيرات ونظمت عدة رحلات لإرجاع مئات من الموريتانيين إلى بلدهم، وامتنعت من منح المرحلين تعويضات كي لا يشجع ذلك المهاجرين.
وبحثت السفيرة الأمريكية مأزق الهجرة مع جميع المسؤولين الموريتانيين المعنيين بالملف بمن فيهم رئيس الدولة، وجعلت الملف أولوية انشغالها الأولى.
أرقام مروعة
وما أقلق المسؤولين الأمريكيين أكثر، هو الأرقام التي أظهرتها إحصائيات لحرس الحدود الأمريكي والتي أكدت وصول 14000 مهاجر موريتاني إلى أمريكا، خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023 بعد عبورهم الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.
وحسب الإحصاءات الرسمية في الولايات المتحدة، فإن هذا العدد يمثل زيادة بنسبة 600 في المئة عن نفس الفترة من عام 2022؛ حيث لم يُعتقل في السنة قبل الماضية سوى 228 مهاجرًا موريتانيا متسللا فقط.
ويعبر معظم المهاجرين الموريتانيين الحدود الأمريكية عبر ولاية أريزونا، وتصنفهم السلطات الأمريكية في خانة «الحالات الخاصة» لكونهم قادمين من بلاد غير آمنة تنتشر فيها «الجريمة والإرهاب» وفق تقارير وزارة الخارجية الأمريكية.
مواعظ أمريكية حول الهجرة
واصلت الحكومة الأمريكية ضغوطها ومحاولاتها لصد هجرة الموريتانيين إلى أراضيها فنظمت يوم الثلاثاء 13 شباط/فبراير الماضي، ندوة حول طرق مكافحة الهجرة غير النظامية، بالشراكة مع الحكومة الموريتانية.
وأكدت السفيرة كرشت في مداخلة لها أمام الندوة «أن لقضية الهجرة غير النظامية أهمية عالمية، حيث أن عالمنا المترابط، يدفع الأفراد إلى البحث عن فرص جديدة في أماكن بعيدة، وغالباً ما يتجاهل هؤلاء المخاطر التي تنطوي عليها هذه الرحلة للوصول إلى تلك الفرص».
وأضافت «نحن جميعًا على علم بقصص الشباب الموريتانيين الذين يقومون برحلات خطيرة إلى الولايات المتحدة وبلدان أخرى بحثًا عن حياة أفضل، ومن المؤلم بشكل خاص أنهم غادروا عائلاتهم، وخاصة آباءهم وأطفالهم الصغار؛ وقد واجه بعض هؤلاء صعوبات بالغة وخطرا كبيرا أثناء رحلتهم إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، حيث تعرضوا أحيانًا لظروف قاسية مثل الاغتصاب والسرقة ومواجهات مع العصابات الإجرامية وخسارة مبالغ مالية ومدخرات ثمينة؛ وكثيراً ما يعرض هذا الطريق الخطير المهاجرين لمصاعب لا يمكن تصورها تضع حياتهم في خطر دائم».
وتقول السفيرة كرشت «إن هذا النزوح، خاصة بين الشباب الموريتانيين، لا يعرض حياتهم للخطر فحسب، بل يعيق أيضًا التنمية الاقتصادية في موريتانيا : فعندما يغادر الشباب الموريتاني تفقد البلاد الموارد الثمينة والقوى العاملة والمهارات والخبرة والطاقة والطموح اللازم لضمان ازدهار موريتانيا ورفاهيتها في المستقبل».
وتابعت «رغم أن الحلم الأمريكي لديه جاذبية ألهمت المهاجرين من جميع أنحاء العالم لمئات السنين، يجب علينا أيضًا أن ندرك الإمكانات الهائلة والفرص الاقتصادية هنا في موريتانيا، لا سيما في قطاعات مثل التعدين والطاقة والسياحة، والصيد، والزراعة، والتنمية».
وباعتبارنا شركاء لموريتانيا، تقول السفيرة كرشت، «لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونحن نشاهد أحلام هؤلاء الشباب تتحطم: فقد يبدو القفز من الجدار حلاً سهلاً للتحديات الاقتصادية أو الاجتماعية التي يواجهونها هنا في الوطن، ولكن كما ينص شعار هذا الحدث، هناك فرص للبقاء والاجتهاد والنجاح، هنا في موريتانيا» مضيفة «يتعين علينا معا أن نخلق بيئة مواتية للتكامل من خلال تنفيذ سياسات عامة شاملة، وتسهيل الوصول إلى الخدمات وفرص العمل وتعزيز التماسك الاجتماعي ودعم تنمية الشباب».
الحلم والكابوس
وتابعت السفيرة الأمريكية تقول «بينما نبدأ هذه الحملة لبناء الحلم الموريتاني، الذي لا يقل جاذبية عن الحلم الأمريكي، فإننا نشجع الأفراد على أن يصبحوا مناصرين مطلعين على مستقبلهم؛ فالمعرفة أداة قوية وفهم المسارات القانونية للذهاب الى الولايات المتحدة هو الخطوة الأولى نحو مستقبل أفضل وأكثر أمانًا؛ وفي حين أن السعي وراء الحلم الأمريكي أمر مثير للإعجاب، فمن المهم أن نتذكر أن الرحلة يجب أن تكون قانونية لتجنب تحويل الحلم إلى كابوس».
الرؤية الموريتانية
شهدت موريتانيا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، نزيف هجرة إلى الأراضي الأمريكية غير مسبوق، حيث تدفق الآلاف من شبابها إلى الولايات المتحدة، وذلك بعد أن فشلت سياسات التشغيل الحكومية، واستفحلت البطالة بين الشباب وبين خرجي الجامعات، وانسدت الآفاق أمامهم، حسب أقوالهم.
يقول النائب البرلماني الإسلامي المرتضى ولد طفيل في مداخلة أمام ندوة لنقاش أسباب ومآلات الهجرة إلى أمريكا «ظاهرة هجرة الشباب الموريتاني موضوع بالغ الخطورة، وكان اللازم أن يُدرس ويُبحث له عن حلول؛ فموريتانيا كما هو معروف بلد سكانه قليلون مقارنة بالدول المجاورة لها، وموريتانيا بلد لديه ثروات هائلة وقد فرط في ثروته البحرية وهو اليوم على أبواب تفريط في ثروته البشرية».
وقال «الحكومات المتعاقبة هي التي تتحمل الفشل بتراكم سياساتها الفاشلة المسؤولة عن الواقع المزري الذي نعيشه اليوم وعن هروب شبابنا إلى المهاجر والمخاطر، يجب أن ننظر في سياسات التشغيل وأن نعالج فقدان الأمل الذي يدفع الشباب للهجرة».
وأضاف «من المؤسف أن موريتانيا بيئة طاردة للكفاءات رغم حاجتها إليها، فعدد كبير من المهندسين والخبراء العاملين في دول المغرب العربي وأوروبا هم موريتانيون، فقد وجدوا العناية والاحترام وتقدير الكفاءة فهاجروا وتركوا بلدهم المحتاج إليهم».
رأي الحكومة
في مداخلة له أمام ندوة خاصة بالهجرة المنظمة بالتنسيق بين الحكومتين الموريتانية والأمريكية، أكد محمد يحي ولد السعيد الوزير الموريتاني المنتدب المكلف بالموريتانيين في الخارج «أن موضوع الهجرة أمر شديد الأهمية بالنسبة لموريتانيا كما للولايات المتحدة، خاصّة، وللعالم أجمع».
وأكد ولد السعيد «أن الهجرة غير النظامية تشكل تحدياً دولياً يزداد حجمه بشكل مطرد خلال السنوات الأخيرة، لاسيما بسبب تداعيات الأزمات الدولية الكبرى الجيوسياسية والأمنية والصحية علاوة على الأسباب التقليدية الاقتصادية والاجتماعية».
وزاد «تتحمل موريتانيا عبئا كبيرا بسبب تدفق المهاجرين إلى أراضيها والذي تتسبب فيه في المقام الأول، الوضعية الأمنية المعقدة والحسّاسة في المنطقة، ولم تعد موريتانيا مجرد بلد عبور للمهاجرين نحو وجهات أخرى بل أصبحت وجهة نهائية لمئات الآلاف من المهاجرين من جنسيات مختلفة يعيشون في المراكز الحضرية، بما يمثله ذلك من عبء اقتصادي واجتماعي على الدولة».
العبء الكبير
وأوضح الوزير «أن موريتانيا تستضيف حاليا أزيد 150 ألفا من اللاجئين الماليين في مخيم امبره (شرق موريتانيا) وتبذل جهودا كبرى في تأمينهم وحمايتهم وتوفير الخدمات الأساسية لهم» مؤكدا «أن ذلك يعتبر عبئا كبيرا تتحمّله موريتانيا انطلاقا من قيم الأخوة والتضامن الإنساني، وهي تقدّر هنا مساهمة الشركاء بالمساعدة متعددة الجوانب من أجل تسيير ملف الهجرة واللجوء».
نحو القارة العجوز
تزايدت بشكل لافت، موجة الهجرة غير النظامية إلى جزر الكناري، حيث بلغت في شهر كانون الثاني/يناير المنصرم نحو 5 آلاف مهاجر، أبحرت غالبية القوارب التي أقلتهم من الساحل الموريتاني.
ويقتحم آلاف المهاجرين كل أسبوع السواحل الإيطالية واليونانية والتركية قادمين من الدول الأفريقية؛ وبمجرد دخولهم إلى الأراضي الأوروبية، فإنهم لا يريدون المغادرة أبدًا، وبالتالي، وفقًا لبيانات الأعوام السابقة فإن أقل من 40 في المئة من المهاجرين الذين تلقوا أوامر الطرد غادروا أوروبا فعليًا.
لذلك أعلن الاتحاد الأوروبي في العام 2016 خطة مارشال لمكافحة الهجرة غير الشرعية من أفريقيا، وأكد قادة الاتحاد ضرورة تعبئة ما يقرب من 44 مليار يورو لتنمية اقتصادات البلدان المرسلة للمهاجرين، وقد فهم الأوروبيون أن عليهم الاختيار بين الاستثمار والمعاناة.
وهكذا اتخذ الاتحاد الأوروبي موقفا باختيار الاستثمار بدل المعاناة، ففي 14 ايلول/سبتمبر من العام 2019 أعلن عن خطة تنموية طموحة للقارة الأفريقية والجوار المباشر لأوروبا.
وقد أثمرت سياسة الاستثمار في تقليص جزئي للنزوح الأفريقي إلى أوروبا، حيث تراجع عدد العابرين من المغرب إلى إسبانيا، وفي المقابل ارتفع عدد النازحين من شواطئ تركيا إلى ألمانيا خلال السنوات الأربع الأخيرة.
ويسعى الأوروبيون بشكل خاص لإيجاد «حراس للشواطئ» يمنعون عنهم توافد قوارب المهاجرين، ومن أجل ذلك لم يعد من حل سوى التعامل المباشر ودعم الحراس، خصوصا أن «الحارس الجائع» لا يمكنه التصدي للمتسللين.
الشراكة مع موريتانيا
أمام هذا التزايد الملفت لأعداد المهاجرين من عدة دول أفريقية تتقدمها جمهورية مالي المجاورة، تقدمت الحكومة الموريتانية لشركائها في الاتحاد الأوروبي برؤية ضمنتها احتياجاتها؛ وقد ناقشها الرئيس الغزواني هاتفيا مع رئيس حكومة إسبانيا بيدرو سانتشيث قبل أن يستقبله في نواكشوط مصحوبا برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في زيارة مكنت من بلورة رؤية مشتركة بين الطرفين ومن زيادة التعاون المشترك في مواجهة التحديات، وعن شراكة جديدة مع موريتانيا مركزة على مكافحة الهجرة غير النظامية.
وأكد البيان المشترك للزيارة «أن القادة الثلاثة أجروا مباحثات معمقة، ركزت من جهة على العلاقات الاستراتيجية التي تربط موريتانيا بالاتحاد الأوروبي، ومن جهة أخرى على العلاقات الثنائية الودية والوطيدة بين مملكة إسبانيا والجمهورية الإسلامية الموريتانية، حيث شدد القادة الثلاثة على عمق وتنوع هذه العلاقات التي تغطي مجالات مختلفة، سياسية واقتصادية وتجارية وثقافية وتعاون أمني».
«ويضيف البيان «وإدراكا منهم لحجم وأهمية هذه العلاقات، فقد شدد القادة الثلاثة، بصفة خاصة على المبادئ الأساسية التي ينبغي أن تُوجه تعاونهم، من قبيل التشاور البناء والاحترام المتبادل وروح الثقة والشفافية والسعي الدائم للفعالية واحترام الالتزامات».
وأوضح البيان «أن رئيس الحكومة الإسبانية ورئيسة المفوضة الأوروبية، يلتزمان بدعم موريتانيا بغية ترسيخ دورها المركزي والإيجابي في شبه المنطقة وقدرتها على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية المتعددة بفعالية في إطار من التنمية الشاملة والمستدامة».
وبخصوص معضلة اللاجئين، رحب القادة الأوروبيون بالجهود التي تبذلها موريتانيا لاستقبال اللاجئين، واعترفوا بالضغط الذي يشكله ذلك على الموارد والسكان المحليين؛ حيث تستضيف موريتانيا حاليا أكثر من 150.000 نازح مع حركة تدفق لا تتوقف.
دعم المجتمع الدولي
وأشار رئيس الحكومة الإسبانية ورئيسة المفوضية الأوروبية، حسب البيان، «إلى الحاجة الملحة لدعم من المجتمع الدولي، يناسب حجم التحديات الناشئة عن هذه الوضعية على مستوى رعاية اللاجئين ومساعدة المجتمعات المستضيفة».
وأعلنت الرئيسة فون دير لاين، عن تعزيز الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي للاجئين وللمجتمعات المستضيفة لهم بما يلبي تطلعات الجانب الموريتاني، كما أعلن رئيس الحكومة الإسبانية عن نيته مضاعفة المساعدات الإنسانية للاجئين في عام 2024.
وأعرب القادة الثلاثة عن قلقهم إزاء زيادة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، وما ينجر عنها من معاناة وانتهاكات وخسائر في الأرواح، وتعهدوا بتعزيز تعاونهم من أجل تفكيك شبكات الإتجار بالبشر ومكافحة الهجرة غير النظامية مع ضمان حماية واحترام الحقوق الأساسية للمهاجرين وملتمسي اللجوء واللاجئين.
وفي هذا السياق، أكد البيان المشترك، أن إسبانيا وموريتانيا تعملان بالفعل على برامج الهجرة الدائرية، حيث يتم تطوير برامج رائدة، كما شدد القادة الثلاثة على أهمية مساعدة قوات الأمن الموريتانية في مكافحتها لتهريب المهاجرين.
والتزمت رئيسة المفوضية بتعزيز هذا التعاون في إطار شراكة منظمة في مجال الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وموريتانيا، لمساعدة موريتانيا على مواجهة التحديات في مجالات إدارة الهجرة والتهجير القسري وكذلك الأمن والتنمية، حيث يعتزم الاتحاد الأوروبي تعزيز دعمه المالي في هذا المجال، مع الاستفادة من خبرة الوكالة الأوروبية «فرونتكس» في هذا المجال.
وخلص البيان إلى ضرورة استمرار العمل بين المصالح الموريتانية المختصة في قضايا الهجرة والمفوضية الأوروبية، والذي بدأ في كانون الأول/ديسمبر 2023 وذلك بتعزيز الحوار، لإقامة شراكة بخصوص الهجرة، تأخذ في الاعتبار أهداف كل طرف وما يتعين وضعه من تدابير.
غلاف مالي لموريتانيا
وخلال مؤتمر صحافي مشترك، أعلنت إسبانيا والاتحاد الأوروبي في نهاية زيارة بيدرو سانشيز وأورسولا فون لموريتانيا عن تخصيص غلاف مالي يتجاوز خمسمئة مليون يورو لمساعدة موريتانيا على وقف تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا.
وقال رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز «إن مدريد ستخصص 312 مليون يورو لموريتانيا لدعم جهودها وتعزيز قدراتها في مجال التنمية الاقتصادية والتصدي للهجرة غير النظامية في السنوات المقبلة، فيما أكدت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون، من جانبها، أن الاتحاد سيمنح موريتانيا 210 ملايين يورو لمساعدتها في التصدي لتحدي الهجرة غير الشرعية ومساعدة اللاجئين المتواجدين على أراضيها.
وشددت فون دير لاين على ضرورة خلق المزيد من الآفاق لشعوب المنطقة وأثنت على موريتانيا لقبولها العديد من اللاجئين. وقالت: «إن انعدام الأمن ونقص الفرص الاقتصادية في المنطقة يدفعان الكثير من الناس إلى الهجرة. وهذه الهجرة غالبا ما تقودهم أولا إلى موريتانيا. وفي هذا الصدد، فإن قبولكم لحوالي 150 ألف لاجئ ماليّ مفخرة لكم».
رأي الخبراء
يقول الدكتور ديدي ولد السالك الأستاذ بجامعة نواكشوط العصرية، ورئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية في توضيحات لـ «القدس العربي»: «أن إجمالي عدد الموريتانيين المهاجرين إلى الولايات المتحدة، وصل إلى 30 ألف مهاجر تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 35 سنة».
وقال «أسباب هذه الهجرة عديدة: والسبب الأول هو البطالة، بينما السبب الثاني هو الإحباط واليأس والسبب الثالث فشل المنظومة التعليمية لان نسبة 90 في المئة من التلاميذ تسرب من المدرسة وليست لديه مؤهلات، والعامل الرابع هو الفساد الاجتماعي، تحول المجتمع نتيجة الفساد الاجتماعي والأخلاقي إلى المجتمع تسود فيه القيم المادية».
وزاد «موريتانيا بلد هجرة بامتياز ومن أكثر البلدان في المنطقة استقبالا للمهاجرين، حيث يوجد في موريتانيا ثلاثة أنواع من الهجرة هي الهجرة المستوطنة، والهجرة العابر، والهجرة المتجنسة».
وذكر ولد السعيد «بأن الحل الدائم للهجرة غير النظامية يتطلب مشاركة الجميع وأن يتحمل كل طرف مسؤوليته، وأن الرد المناسب على هذا التحدي الذي تتقاسمه كل الحكومات يتطلب مقاربة مشتركة وجهودا منسّقة».
الحلول والآفاق
تطرح الحكومات ويقترح الخبراء عدة حلول، بينها تقوية حراسة الحدود لصد المهاجرين، وبينها علاج المشكلة من أساسها وهو مساعدة الحكومات الأفريقية على تحسين أدوات التشغيل لامتصاص البطالة، وعلى حراسة المنافذ الحدودية.
وترى السفيرة الأمريكية في موريتانيا «أن الجهود المشتركة ضرورية للحد من الهجرة غير النظامية، إلى جانب خلق رؤية مشتركة لموريتانيا تجعل البقاء في الوطن خيارًا جذابًا ومعقولًا».
أما محمد يحي ولد السعيد الوزير الموريتاني المنتدب المكلف بالموريتانيين في الخارج، فقد أكد خلال الندوة الأخيرة حول الهجرة «أن الحل الدائم للهجرة غير النظامية يتطلب مشاركة الجميع وتحمل للمسؤولية الجماعية» مضيفا «أن الرد المناسب على هذا التحدي الذي تتقاسمه كل الحكومات يتطلب مقاربة مشتركة وجهودا منسّقة مؤسسة على الاستثمار في توفير الفرص وخلق الأمل، بما يمكّن من تَجَنُّب مخاطر الهجرة غير النظامية وتكلفتها الإنسانية والمادية الكبيرة. وبخصوص حل مشكلة الهجرة، يرى الدكتور ديدي ولد السالك «أن هناك عوامل تساعد في الحل وهي عبارة عن عدة إجراءات بعضها سياسي وبعضها اقتصادي، مثل خلق ديناميكية تنموية، وإصلاح نظام التعليم، مع توفير الحد الأدنى من العدالة وتكافؤ فرص العمل، فمن شأن هذه العوامل أن تقلل من درجة إحباط ويأس الشباب وأن تجعل أبناء موريتانيا يسعدون بالعيش فيها بدل الترامي في مغامرات غير محسوبة».
واعتمادا على سبق، يستخلص من تطورات أزمة الهجرة أن موريتانيا الغارقة في موجات المهاجرين، تواصل إطلاق صيحات الاستغاثة طلبا لمساعدتها في استقبال الأرتال البشرية المتدفقة إلى أراضيها، بينما يتجه الاتحاد الأوروبي وإسبانيا لتقديم المساعدات المالية إلى موريتانيا لمواجهة استقبال المهاجرين ولحبس تدفقهم، فيما يقتصر رد الفعل الأمريكي على تقديم المواعظ والنصائح والتحذيرات، من أجل أن تتوقف هجرة الموريتانيين إليها.
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»