عبد الباري عطوان/ خريطة طريق بايدن لوقف الحرب في غزة مليئةٌ بالألغام وهذه تحذيراتنا من مَخاطِرها..

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
أحد, 2024-06-02 09:42

“خريطة الطّريق” التي طرَحها الرئيس الأمريكي جو بايدن مساء الجمعة في خطابه للوصول إلى وَقفٍ لإطلاق النّار، وتبادُل أسرى في قطاع غزة، وتتكوّن من ثلاثِ مراحل، جاءت “وَعِرَةً” ومليئةً بالمطبّات، ولهذا تستعصي على التّطبيق، ويُمكن أن تنتهي النّهاية نفسها التي انتهت إليها اتّفاقات “أوسلو” بطريقةٍ أو بأُخرى، أي الانخراط في مُفاوضاتٍ عبثيّة مفتوحة النّهايات، وللتّذكير فقط، نقول إنّ مُفاوضات تطبيق بُنود الأُولى، أي أوسلو، استمرّت 30 عامًا دون نتيجة للفِلسطينيين، بل أعطت نتائج عكسيّة لتحقيق الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي، أي منع قيام دولة فِلسطينيّة مُستقلّة “مُروّضة” ومنزوعة المخالب والأنياب، لكن من يحكم قطاع غزة اليوم ليس مِثل الذي كان يحكمه والضفّة بتفويضٍ إسرائيليٍّ قبل 30 عامًا.
***
خريطة طريق بايدن، لا تختلف مُطلقًا عن خريطة طريق “اللّجنة الرباعيّة الدوليّة” التي كانت تتكوّن من أربع أطراف: أمريكا، روسيا، أوروبا، والأمم المتحدة، ووعدت الفِلسطينيين في حينها بدولةٍ مُستقلّة إذا ما ألقوا السّلاح، وأوقفوا انتفاضتهم المُسلّحة، التي جرى إشعال فتيلها بعد أن اتّضح لقيادة منظّمة التّحرير بعد مُفاوضات كامب ديفيد عام 2000، أنها مصيدة، وأن أمريكا وإسرائيل مُتّفقتان على منع قيام أي دولة فِلسطينيّة مُستقلّة.
الخريطة التي يطرحها ويُسوّق لها بايدن، ويدّعي أنها مُبادرة إسرائيليّة، وتتضمّن الشّروط والبُنود والمطالب التي قبلت بها حركة “حماس” تتكوّن من ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: مُدّتها ستّة أسابيع وتتضمّن وقفًا مُؤقّتًا لإطلاق النّار، وانسِحاب القوّات الإسرائيليّة من المناطق “المأهولة” بالسكّان، والإفراج عن الأطفال والمرضى والمُسنّين من الأسرى الإسرائيليين، مُقابل الإفراج عن بضعة مئات من المُعتقلين الفِلسطينيين، وعودة النّازحين إلى الشّمال.
المرحلة الثانية: تبدأ بعد تطبيق “جميع” بُنود المرحلة الأولى، وتمتدّ لستّة أسابيع أُخرى، وتَنُصّ على انسِحاب الجيش الإسرائيلي بالكامِل من قطاع غزة، وإفراج حركة حماس عن جميع الرّهائن المُتبقّين من العسكريين، ويُصبح وقف إطلاق النّار المُؤقّت دائمًا.
المرحلة الثالثة: بدء عمليّة إعادة الإعمار في القطاع بأموالٍ عربيّة ودوليّة، تحت إشراف قوّات مُختلطة.
هُناك عدّة مُلاحظات يجب التوقّف عندها بعد فحصٍ سريع لهذه المراحل الثّلاث:
الأولى: أنّ هذه الخريطة الأمريكيّة “الملغومة”، لا تتحدّث بشكلٍ واضح وصريح عن ما بعد تطبيق هذه الخريطة، والمُستقبل الفِلسطيني على وجه الخُصوص، أي إقامة دولة فِلسطينيّة مُستقلّة، ومُستقبل الاستيطان الإسرائيلي، وإن كانت تُشكّل اعترافًا رسميًّا أمريكيًّا بحركة “حماس” ولا تتطرّق بشكلٍ مُباشر لإنهاء حُكمها للقِطاع.
الثانية: المرحلة الأولى من هذه الخريطة مليئةٌ بالثّقوب، وتُحقّق مُعظم المطالب الإسرائيليّة، إن لم يكن كلّها، أي الإفراج عن مُعظم الأسرى المدنيين الذين يُشكّلون المطلب الأساسي للمُحتجّين الإسرائيليين دُون التزامٍ إسرائيليّ بالوقف الدّائم لإطلاق النّار إلّا بعد نهاية المرحلة الثّانية، وبعد اكتِمال التّطبيق الكامِل لبُنود المرحلةِ الأولى.
الثالثة: الحديث عن انسِحاب قوّات الجيش الإسرائيلي في المرحلةِ الأولى انحصر في “المناطق المأهولة” دُونَ أي تحديد لها، وربّما يُفيد التّذكير أن 80 بالمئة من مناطق القطاع غير مأهولة الآن بما في ذلك مدينة غزة وشِمالها، ومدن رفح وخان يونس في الجنوب، ومُعظم المُعسكرات الوُسطى في الوسَط، فمَنْ الذي سيُحَدِّد هذه المناطق وكيف؟
الرابعة: المرحلة الثانية المُحدّد لتطبيقها 6 أسابيع هي الأخطر، ولا يُمكن الوصول إلى وقفٍ دائمٍ لإطلاق النّار، أو الانسِحاب الكامِل من القطاع، إلّا بعد الاتّفاق على جميع بُنودها، وتطبيقها، وهذا يتطلّب مُفاوضات قد تمتدّ لستّة أشهر، هذا إذا وُجِدَت النّوايا الإسرائيليّة الطيّبة، ونضرب مثلًا بمسألة إعداد وإحكام المُعتقلين الفِلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم، وأين سيذهبون بعد إطلاق سراحهم، خاصَّةً أصحاب الأحكام المُؤبّدة.
الخامسة: اللّافت أنّه لم يتم مُطلقًا في هذه “الخريطة” الإشارة إلى مُستقبل محور صلاح الدين (فيلادلفيا) ومعبر رفح والسّيادة عليه، ومحور نتساريم والحُدود.
السّادسة: إذا كان الانتقال من المرحلة الأولى إلى الثّانية ربّما يكون وَعِرًا جدًّا، وقد يكتفي نتنياهو بالمرحلةِ الأولى فقط، ويبدأ بخلقِ مشاكلٍ لعرقلة الوصول إلى الثانية، واتّهام حركة “حماس” بالتسبّب في هذه العرقلة، ولا يلتزم بالتّالي، لا بوقفٍ دائمٍ لإطلاق النّار، ولا الانسِحاب الكامِل لقوّاته إلّا بعد القضاء على المُقاومة.
السّابعة: إذا تعرقلت المُفاوضات حول أهداف المرحلة الثانية، وهذا احتمالٌ قويٌّ جدًّا، فإنّه لن يتم الانتقال للمرحلة الثّالثة، أي إعادة الإعمار، تمامًا مثلما حدث بعد عُدوان عام 2014 فلم يتم صرف دولار واحد حتّى الآن من الخمسة مِليارات دولار التي تمّ رصدها في مُؤتمر شرم الشيخ في هذا الصّدد الذي تزعّمه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.
***
لا نعتقد أنّ تعاطي قيادة حركة “حماس” بطريقةٍ إيجابيّة مع هذه المُبادرة الأمريكيّة يعني القُبول بها دون تفنيد جميع بُنودها، ويَصُبّ في رأينا في إطار الالتزام باستراتيجيّة “نعم ولكن” وهذا قمّة الدّهاء، ورهانٌ صائب على رفض نتنياهو لها، مثلما فعل في المرّة الأُولى، واتّضح ذلك في بيانه الذي أصدره مكتبة بعد دقائق من خطاب بايدن وقال فيه “لا وقف لإطلاق النّار ولا انسِحاب للجيش إلّا بعد القضاء على “حماس” وإطلاق سراح كُلّ الرّهائن وضمان عدم قُدرة القطاع على شنّ هُجومٍ على إسرائيل مثلما حدث في السّابع من تشرين أوّل أكتوبر الماضي”.
بايدن يُريد وقف إطلاق نار مُؤقّت، وكسب أكبر وقتٍ مُمكن قبل الانتخابات الرئاسيّة، وإزاحة حرب غزة عن طريقه للتّفرّغ مجددًا للتّصعيد الحالي الذي يُخطّط له لمُواجهة انتِصارات الجيش الروسي في أوكرانيا، وإعطاء ضُوء أخضر للجيش الأوكراني لقصف العُمُق الرّوسي بصواريخٍ أمريكيّة بعيدة المدى، لاستِفزاز الرئيس فلاديمير بوتين وجرّه إلى حربٍ نوويّة.
خِتامًا نقول، ليس أمام نتنياهو الآن إلّا “خِيار شارون” أي الانسِحاب الكامِل من قطاع غزة دُونَ أيّ شُروط تقليصًا للخسائر، وتَجَنُّبًا للهزيمةِ الكُبرى على غِرار ما حصل في عام 2005.. والأيّام بيننا.