سيكون على حكومة ولد أجاي التي انقضى أسبوعان فقط على تشكيلها، أن تجد حلاً سريعاً لمشكلة العطش التي يعانيها حالياً في عز حرارة الطقس، سكان العاصمة نواكشوط المقدر عددهم بـ 2.5 مليون نسمة (54.5% من إجمالي السكان).
وأثارت مشكلة العطش جدلاً كبيراً في أوساط الساسة والمدونين، ومنحت معارضي نظام الرئيس الغزواني وخصومه مجالاً لانتقاده لكونه لم يتمكن خلال المأمورية الرئاسية المنقضية من حل معضلة توفير ماء الشرب لسكان العاصمة التي توجد أحياء منها بدون ماء منذ عدة أشهر، طبقاً لما أكده السكان في تصريحات للصحافة.
ويرابط المئات من المواطنين أمام نقاط بيع المياه بنواكشوط، للحصول على حاجاتهم من ماء الشرب، وهو ما يتطلب جهداً كبيراً وانتظاماً طويلاً في الطوابير، ودفع مبالغ يعتبرها المواطنون غالية.
ووفقاً لما أكده سالم ولد بلال بائع مياه في مقاطعة عرفات جنوب العاصمة نواكشوط، فقد “وصل سعر برميل الماء من فئة 200 لتر المحمول إلى المنازل على عربات يجرها الحمير، ما بين 500 إلى 100 أوقية موريتانية قديمة (حوالي 2.5 دولار)، ويتغير السعر حسب قرب وبعد المنزل من نقطة بيع الماء”.
أما صهريج الماء المتسع لخمسة أطنان فقد قفز سعره، إن وُجِد، من 20 ألف أوقية قديمة إلى 50 ألف أوقية قديمة أو أكثر (أي من 50 دولاراً إلى 128 دولاراً تقريباً).
ومع أن الحكومة لم تقدم لحد صباح أمس الأربعاء أي توضيح عن أسباب هذه الأزمة والحلول المؤملة لها، فقد أكدت مصادر بوزارة المياه الموريتانية “أن سبب أزمة نقص المياه في العاصمة يعود لثلاثة عوامل، أولها خلل في خدمة الكهرباء، والثاني ارتفاع الطمي والطين في نهر السنغال الذي يشكل المصدر الرئيس لتموين العاصمة بالماء، والثالث صيانة معدات تصفية وضخ الماء من نهر السنغال الذي يبعد بحوالي 200 كلم من نواكشوط.
وأكد المدير الناشر للوكالة الموريتانية للصحافة نقلاً عن مصادر رسمية “أن سبب أزمة المياه الحالية هو ارتفاع نسبة الطمي في مياه نهر السنغال، حيث وصلت نسبيته في الماء المُعَالَج إلى 2000 وحدة خلال الأيام الماضية، مع العلم أن منشآت معالجة المياه مصممة لعلاج 900 وحدة فقط”.
وقال: “هذه ظاهرة موسمية خفّت هذا العام نسبياً مقارنة مع العام الماضي نتيجة لأعمال الصيانة التي قيمَ بها للمنشآت خلال السنة الماضية، لكن لن يتم وضع حد نهائي لها إلا من خلال توسعة منشآت آفطوط الساحلي التي يتم عبرها تموين العاصمة، وتوسعة منشآت إديني المصدر الثاني لتغذية نواكشوط بالماء، والتوجه نحو تحلية مياه البحر”.
وتعكف آمال منت مولود وزيرة المياه الجديدة، وفقاً لمصدر بوزارة المياه والرصف الصحي، على دراسة مجمل ملفات المياه بغية تسريع إيجاد حلول لها.
وشهدت العاصمة نواكشوط في الفترة نفسها من السنة الماضية أزمة عطش مماثلة ناجمة عن انخفاض في إنتاج محطة آفطوط الساحلي التي تغذي العاصمة بمياه الشرب انطلاقاً من نهر السنغال.
وتفقد الرئيس ولد الغزواني خلال أزمة عطش 2023، محطات المعالجة والضخ في مدينة كرمسين، حيث أكد “ضرورة العمل على إيجاد حلول عاجلة لتخفيف وطأة هذه الأزمة”، والعمل من أجل حلول مستديمة، تضع حداً نهائياً لمثل هذه الأزمات”.
ودعا حزب تكتل القوى الديموقراطية المعارض في بيان له “الحكومة للتدخل السريع والعاجل لحل أزمة العطش التي تؤرق المواطنين، والتي طال أمدها بشكل لم يعد السكوت عنه ممكناً”. وندد الحزب بما سماه “سياسة اللامبالاة والتجاهل التي تقابل بها كل الحكومات هذه الانقطاعات، وبالسياسات الارتجالية والزبونية التي تسير بها مرافق الخدمات العمومية الحساسة كالماء والكهرباء”، مؤكداً “وجوب إشعار المواطنين بأي انقطاعات محتملة في إحدى الخدمات الأساسية، من أجل أخذ الاحتياطات الضرورية في الوقت المناسب”.
وأكد “أن سكان العاصمة نواكشوط يعيشون هذه الأيام على وقع أزمة عطش حادة، بسبب الانقطاعات المتواصلة في شبكة المياه دون سابق إشعار من لدن الجهات المعنية، وهو ما أدى إلى تفاقم معاناة المواطنين، وذلك في ظل عجز تام لكافة الحكومات المتعاقبة عن إيجاد حل لهذا المشكل المزمن”.
وأكد جميل منصور رئيس حزب المواطنة والعدالة المُوالي “أنه لم يعد مفهوماً أن تتكرر أزمة الماء الشروب كلما اشتدت الحاجة إليه؛ وفي العاصمة أيضاً يستحق المواطنون على المعنيين في الحكومة والشركة المعنية شروحاً وتوضيحات، وعلاجاً وحلولاً قبل ذلك”.
وعلق المدون النشط سيدي المختار سيدي على أزمة العطش مؤكداً “أن عدم توصل شركة الماء لحلول، وأعذارها بأن الطمي ارتفع في الصيف؛ وأن الطلب على الماء ارتفع في الشتاء، وأن مشاكل في الكهرباء سببها “شركة الكهرباء”، هي أعذار أقبح من أعذار البخيل”.
وتعاني العاصمة الموريتانية منذ تأسيسها عام 1959 من مشكلة الماء وفقاً لما ذكره الرئيس المختار ولد داداه في مذكراته “موريتانيا على درب التحديات”.
وأكد “أن مشكلة تزويد العاصمة بالمياه أرقتنا سنوات عديدة، ففي المرحلة الأولى قامت فرنسا بحفر آبار في منطقة إديني شرق العاصمة، جُلِب منها الماء إلى نواكشوط بواسطة أنابيب تم مدها على طول 60 كلم تقريباً”، مضيفاً “أنه سرعان ما تبين أن كمية المياه التي توفرها هذه الأنابيب لا تفي بالحاجة نظراً إلى الازدياد السريع لسكان مدينة نواكشوط”.
وقال: “حصلنا بعد ذلك على مجموعة من الاقتراحات فوجدنا أحدها وجيهاً وتبنيناه، وهو تحلية مياه البحر، وقامت الحكومة الفرنسية ببناء مصنع لتحلية مياه البحر ما لبثنا أن اضطررنا إلى إغلاقه بعد بضعة أشهر، لارتفاع كلفة المياه التي ينتجها، فقد كانت فوق طاقة المستهلكين بمن فيهم الدولة، واتجهنا إلى الصين، فألفينا لديها الحل المناسب لهذه المشكلة الشائكة، وكان الحلُّ هو حفرَ آبار جديدة في منطقة إديني وجلب المياه منها بواسطة خط جديد للأنابيب تصل سعته أضعاف سعة الأنابيب السابقة”.
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»