العلاقات المغربية الموريتانية.. من التعاون الثنائي إلى الشراكة الاستراتيجية

أربعاء, 2024-08-21 13:28

بقلم: الكاتب الموريتاني السيد ولد اباه

من المأثور عن العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني القول إن المغرب عانى، خلال قرون مستمرة، بحدة من الحصار الجغرافي؛ منذ حروب الاسترداد التي قطعت أجزاء من البلاد لا تزال تسيطر عليها إسبانيا، ومنذ السيطرة العثمانية على الجزائر التي أغلقت المنفذ الشرقي، ولم تتغير الصورة إلا قليلا مع الاستعمار الفرنسي وما تلاه من استقلال الجارة الشرقية. ولذا، فإن المغرب، منذ عهد المرابطين، لم يحكم في الغالب إلا من الجنوب الذي هو المجال الحيوي الجوهري للمملكة. لقد أدرك هذه الحقيقة العميقة قادة كبار للمغرب تركز اهتمامهم على هذا المجال الحيوي؛ من أبرزهم السلطان أحمد المنصور الذهبي في بداية القرن الحادي عشر الميلادي، والسلطان مولاي إسماعيل في نهاية القرن السابع عشر.

لا تختلف المعادلة بالنسبة لموريتانيا، التي يشكل المغرب تاريخيا وحاضرا عمقها الاستراتيجي والثقافي والروحي والبشري؛ ذلك ما أدركه قادة هذه البلاد ورموزها الكبرى من ملوك المرابطين إلى الأمراء المغافرة وزعماء الحركة الوطنية المعاصرة.

المفارقة الكبرى هي أن هذه العلاقات الاستراتيجية الخاصة نادرا ما ترجمت في واقع حقيقي وفعلي، على الرغم من الوعي القائم في البلدين بضرورة ذلك التجسيد العملي الحي؛ بل إن الديناميكية الشعبية تجاوزت بكثير المعادلة السياسية والدبلوماسية الرسمية.

للتأكد من هذه الحقيقة، يكفي الاستئناس بمؤشرات التبادل التجاري، التي زادت في السنوات الأخيرة بوتيرة تجاوزت ضعف المعاملات السابقة. كما أن حركة التنقل البشري وصلت إلى مستوى غير مسبوق، إلى حد أن السفارة المغربية في نواكشوط أصدرت السنة الماضية ما يقارب خمسين ألف تأشيرة دخول للموريتانيين الذين أصبح المغرب وجهتهم الخارجية الأولى للاستشفاء والدراسة بالإضافة إلى قضاء العطلة الصيفية (مع العلم أن الأمر في الحقيقة يتعلق بوثيقة سفر وليس تأشيرة بالمعنى الدقيق للعبارة؛ بالنظر إلى التسهيلات الخاصة الممنوحة الموريتانيين في السفارة).

ما لا بد من التنبيه اليه هو أن علاقات التعاون بين حكومتي البلدين شهدت، في السنوات الأخيرة، طفرة واسعة. في لقاء أخير مع سعادة السيد حميد شبار، سفير المغرب في نواكشوط الذي كان له فضل كبير في دفع علاقات الشراكة الوثيقة بين الدولتين وهو الخبير في أوضاع الإقليم، أخبرني الدبلوماسي المثقف واللبق بأن حجم زيارات المسؤولين من البلدين زادت بنسبة 57 في المائة في الآونة الأخيرة. كما أن المغرب أصبح المستثمر الإفريقي الأول في موريتانيا، ولمؤسساته المصرفية والصناعية والاتصالية دور كبير في تنشيط الحقل الاقتصادي الموريتاني.

وكما يرى السفير شبار: مع طرح المغرب مبادرة الشراكة الأطلسية مع دول الساحل، بعد طرحه لمشروع التكتل الاطلسي الإفريقي، وشروعه في إنجاز أنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا والمغرب عن طريق عدد من دول غرب إفريقيا من بينها موريتانيا، تنفتح آفاق جديدة للتكامل الاستراتيجي بين البلدين اللذين حكمت عليهما مقومات التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة بأن يكونا نواة نظام إقليمي جديد في شمال وغرب إفريقيا.

فمن البدهي أن مشروع اتحاد المغرب العربي الذي طرح سنة 1989 تعطل لأسباب معروفة، ومن غير المجدي محاولة إحيائه جزئيا، كما أن إقصاء المغرب وموريتانيا من الصيغة التي يروجها البعض خطأ لا يمكن تبريره.

الحقيقة التي لا مراء فيها هي أنه لا يمكن الفصل بين شمال وغرب إفريقيا، أي منطقة الصحراء والساحل في دلالتها الموسعة الشاملة التي أطلقت عليها أدبيات القرون الوسطى عبارة “الغرب الإسلامي”.

لقد شكلت هذه المنطقة، في السابق، منظومة مندمجة أو “اقتصاد- عالم” بعبارة المؤرخ الفرنسي الشهير فرناند بروديل، وليست خطوط الفصل القائمة حاليا بين مكوناتها سوى نتاج الاستراتيجيات الاستعمارية.

كان الرئيس السنغالي الراحل ليبولد سيدار سنغور يقول إن الصحراء لم تكن حاجزا بين شمال إفريقيا وغربها؛ بل كانت جسر تواصل حضاري عميقا جسدته مدينة تمبكتو على الطرف الأقصى من الصحراء على حافة نهر النيجر؛ وهي ـ حسب سنغور ـ “أثينا بلاد السودان”.

المهمة العاجلة المطروحة اليوم على المغرب وموريتانيا هي انتشال هذا المحور الجنوبي الساحلي من الصحراء الكبرى من الضياع والتفكك، وصولا إلى مقاربة استراتيجية جديدة تتركز على ثلاثة مقومات أساسية هي:

ـ بلورة تكتل إقليمي جديد مفتوح لكل بلدان الساحل والصحراء، يتأسس على أهداف واضحة تتمحور حول الاندماج الاقتصادي والأمن المشترك والتنسيق السياسي الوثيق؛

ـ تفعيل مشروع الشراكة الساحلية- الأطلسية الذي من شأنه دفع التبادلات التجارية وتوفير فرص تنموية نوعية لبلدان المنطقة، وسيكون لموانئ المغرب وموريتانيا الدور الأساسي في توفير الإطلالة البحرية لهذه البلدان الشريكة؛

ـ العمل على استكمال مشروع أنبوب الغاز النيجيري- المغربي، الذي سيغير نوعيا طبيعة الحياة والعيش في غرب إفريقيا. ومع البدء الوشيك لتصدير الغاز الموريتاني – السنغالي سيكون لهذا المشروع أفق أقوى وأوسع.

خلاصة القول إن الشراكة الموريتانية- المغربية ليست فقط ضرورة موضوعية للبلدين؛ بل هي الأمل المستقبلي لمنطقة الساحل والصحراء بكاملها.