ضجت الصحف والمواقع الرياضية العالمية، بعد تعثر ريال مدريد أمام مضيفه ريال مايوركا في أمسية عطلة نهاية الأسبوع الماضي، التي جمعتهما على ملعب «سون مويس» وانتهت بالتعادل الإيجابي بهدف في كل شبكة، في أول مغامرة للنادي الميرينغي في حملة الدفاع عن لقب الدوري الإسباني، وفي رواية أخرى لإنهاء عقدة الفريق مع بطولة الليغا، بالاحتفاظ بها مرتين على التوالي تحت رئاسة القرش الأبيض الكبير فلورنتينو بيريز، سواء في ولايته الأولى التي امتدت في الفترة بين عامي 2000 و2006 أو ولايته الثانية التي بدأها في خريف العام 2009 وحتى وقت كتابة هذه الكلمات، وما تسبب في إثارة الجدل والقيل والقال في وسائل الإعلام وعالم «السوشيال ميديا» بعد المباراة، ليس فقط سقوط الفريق المدجج بالنجوم وفئة «الغالاكتيكوس» في فخ التعادل وضياع أول نقطتين في أول اختبار يندرج تحت مسمى «في المتناول» خارج القواعد، بل الأخطر من ذلك، ما وُصفت إعلاميا وجماهيريا بـ «حالة الفوضى العارمة» التي سيطرت على الفريق بأكمله بوجه عام، ورباعي الأحلام «كيليان مبابي، وفينيسيوس جونيور، وغود بيلينغهام ورودريغو غوس» بالأخص، تجلت في تكرار مشاهد اللوم والعتاب بين المهاجمين، قبل أن تنفرد شبكة «موفيستار» المحلية بتلك التسريبات، التي كشفت الحلقة المفقودة بين الرباعي المدمر، وتم تفسيرها على نطاق واسع، على أنها مؤشر أو علامة إلى غياب التفاهم والانسجام بين اللاعبين في الثلث الأخير في الملعب، وبالنسبة لبعض النقاد والمتابعين، دليلا على سوء توظيف المهاجمين، استنادا إلى بعض الحالات الهجومية التي كشفت الجانب المظلم من فكرة الاعتماد أو الاستفادة من أكبر عدد ممكن من النجوم والأسماء اللامعة في التشكيل الأساسي، ويكمن في الانتشار السلبي في التحولات من الحالة الدفاعية إلى الهجومية، وكأن لا أحد يعلم مركزه في البقاع السحرية في الملعب، لتبدأ الانتقادات وعلامات الاستفهام والتعجب في مطاردة المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي ورجاله، منها على سبيل المثال.. هل تتحول نعمة النجوم والميغا ستار إلى نقمة؟ هل جاءت صفقة كيليان مبابي بنتائج عكسية؟ ماذا يحتاج الميستر لتحقيق أهداف وتوقعات المشجعين في نهاية الموسم؟ وغيرها من الأسئلة التي سنسلط الضوء عليها في موضوعنا الأسبوعي.
بداية المخاوف
اتفق الغريم قبل المؤيد قبل بداية الموسم، على أن الريال سيصبح قوة غاشمة لا يمكن إيقافها حتى باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، وذلك بطبيعة الحال بعد وصول الهداف التاريخي لباريس سان جيرمان كيليان مبابي، في صفقة أقل ما يُقال عنها «ضربة معلم» -بموجب قانون بوسمان-، وتبعه اليافع البرازيلي أندريك، ما أعطى إيحاء لعالم الساحرة المستديرة، وكأن الرئيس التاريخي للوس بلانكوس فعل كل الأشياء الصحيحة، من باب أن التوقيع مع بطل العالم 2018 سيعطي قوة جبارة لأقوى وأفضل فريق في القارة العجوز الموسم الماضي، كيف لا والحديث عن واحد من أفضل وأسرع 3 لاعبين على هذا الكوكب، وهذا في حد ذاته، ضاعف توقعات المشجعين، بدعم أو رهان على حنكة العراّب الإيطالي وخبرته العريضة في التعامل مع النجوم والأساطير، بالأحرى لما لديه من «كاريزما» وحضور قوي لفرض سيطرته على الجميع بدون استثناء، كما فعلها في منتصف العقد الأول للقرن الجديد مع ميلان الرهيب «باولو مالديني، أليساندرو نيستا، ياب ستام، ريكاردو كاكا، بيبو إنزاغي، أندري بيرلو، وباقي أبطال أوروبا عامي 2003 و2007 وأيضا مع تشيلسي، أبدع في السيطرة على ديديه دروغبا، وفرانك لامبارد، وبيتر تشيك، ونيكولا أنيلكا وباقي المجموعة التي اشتهرت في أواخر نفس العقد، بالتمرد والانقلاب على المدربين، والأهم على الإطلاق، نجاحه في وضع حجر أساس جيل الكأس ذات الأذنين «العاشرة» لريال مدريد، كريستيانو رونالدو، وكريم بن زيمة، وغاريث بيل، وسيرخيو راموس وبقية النجوم والأساطير الذين حكموا القارة 3 سنوات على التوالي في الفترة بين عامي 2016 و2018 تحت قيادة الأيقونة زين الدين زيدان، ومنذ عودته في ولايته الثانية الحالية عام 2021 يعمل على تأسيس فريق الأحلام، الذي من المفترض أن يقود النادي إلى هيمنة غير مسبوقة على الألقاب القارية والمحلية في ما تبقى من العقد، لا سيما بعد تمرس المجموعة على معانقة الأبطال، بالحصول عليها مرتين في آخر 3 مواسم، وذلك قبل وصول المدمر الفرنسي. لكن سرعان ما بدأ الشك يتسلل إلى المشجعين والمحيط الإعلامي المقرب من المؤسسة، وكانت البداية بظهور الفريق بمستوى أقل ما يُقال عنه بائس في جولة الاستعداد للموسم الجديد في الولايات المتحدة، تجسدت في الهزائم المحبطة أمام ميلان وبرشلونة، والفوز الباهت على تشيلسي المفكك، حتى أبرز بدلاء الموسم الماضي الذين اعتمد عليهم المدرب، وفي مقدمتهم المغربي براهيم دياز والمخضرم لوكا مدريتش وأسماء أخرى قدمت مباريات أقل ما يُقال عنها للنسيان، وكل ما سبق، جاء بالتزامن مع سلسلة من الإخفاق والفشل خارج الخطوط، والإشارة إلى الصفقات التي كانت مُستهدفة في بداية الصيف، أبرزهم المدافع ليني يورو، الذي انضم إلى قائمة المتمنعين على نادي القرن الماضي والحالي، بعدما فَضل الذهاب إلى مانشستر يونايتد، لخوفه من «التجميد» أو «التهميش» على مقاعد البدلاء في «سانتياغو بيرنابيو» هذا في الوقت الذي يطمح فيه المدافع اليافع لتثبيت أقدامه مع أحد كبار القارة، لتحقيق أحلامه وطموحاته، بالتحول إلى واحد من أفضل لاعبين في العالم في مركزه في المرحلة القادمة، وبالمثل توقفت أو ربما انهارت فكرة استقدام مدافع ليفربول والمنتخب الإنكليزي ألكسندر أرنولد، وظهير بايرن ميونخ الطائر ألونسو ديفيز، الذي على ما يبدو سينتظر 12 شهرا إضافية، من أجل ارتداء القميص الأبيض على طريقة زميل الأمس ديفيد آلابا، في صفقة انتقال حر فور انتهاء عقده مع الكبير البافاري، في المقابل، سمح النادي برحيل بطل الموسم الماضي خوسيلو، ومعه المدافع المقاتل ناتشو، والشاب العشريني رافائيل مارين، المنتقل حديثا إلى صفوف نابولي، وقبل هؤلاء، خسر الريال جهود وإبداعات مهندس الوسط الألماني توني كروس بعد اعتزاله، لكن دعونا نتفق، أن الاستحواذ على أصل ثمين مثل كيليان، يعد نجاحا ساحقا على المستوى التسويقي قبل الفنيات والمواصفات الفضائية داخل المستطيل الأخضر، وفي نفس الوقت، هناك من يرى عكس ذلك، وفي أقل التقديرات صفقة تنطلق عليها المقولة المأثورة «سلاح ذو حدين».
انفراجة وانتكاسة
بينما كان النقاد وعتاولة التحليل يتسابقون في قراءة أفكار أنشيلوتي التكتيكية في الموسم الجديد، وخصوصا اللمحات الفنية حول أبرز الضحايا والخاسرين بعد انضمام صاحب القميص رقم 9 الجديد، وكما تابعنا، كانت الأغلبية ترجح فكرة إبقاء الميستر على إستراتيجية موسم ثنائية الليغا وكأس الأبطال الخامسة عشر، بنقل السهم البرازيلي فينيسيوس جونيور إلى الجانب الأيمن، على حساب مواطنه ورجل اللحظات المعقدة في ليالي الثلاثاء والأربعاء الأوروبية رودريغو غوس، في المقابل سيعتمد المدرب على الوافد الجديد في مركزه المفضل مع منتخب بلاده أو فريقه السابق، كمهاجم أقرب للجناح الأيسر الهداف في الأساليب الحديثة، وذلك لعدم التأثير على دور أو المساحة التي يتحرك فيها صانع السعادة في الموسم الماضي غود بيلينغهام، الذي لم يستغرق وقتا طويلا، لتقديم شهادة اعتماده، كواحد من القلائل الذين قال عنهم بيريز في حملته الانتخابية عام 2000 «نجوم العالم وُلدوا من أجل اللعب لريال مدريد» لكن على أرض الواقع، تفاجأ 99.9% من خبراء وعشاق اللعبة، من الطريقة التي لعب بها أنشيلوتي في أول اختبار رسمي هذا الموسم أمام أتالانتا، باعتماده على الثلاثي رودريغو وكيليان وفينيسيوس في الخط الأمامي، ومن خلفهم الدولي الإنكليزي بيلينغهام، ورغم نجاح الفريق في تحقيق الهدف المطلوب، بالفوز بهدفين نظيفين وافتتاح الموسم بكأس السوبر الأوروبية، فقد كانت كانت الكثير من علامات الاستفهام والتعجب على نجاعة وفاعلية رباعي أو ثلاثي الهجوم، وخصوصا في أول 45 دقيقة، قبل أن يتدخل عامل الخبرة وشخصية البطل في الشوط الثاني، ومع تعثر الفريق في أول معركة في رحلة الاحتفاظ بلقب الدوري الإسباني على التوالي، تحولت علامات الاستفهام إلى موجة عارمة من الانتقادات، خوفا من الآثار السلبية الناتجة عن صفقة مبابي، وسط تسونامي من التوقعات التشاؤمية، التي تحذر من تكرار سيناريو جيل «الغالاكتيكوس» الأوائل، الذي أخفق في تحقيق أبسط توقعات الجماهير، بعد المبالغة في استقطاب ألمع نجوم اللعبة آنذاك، تحديدا منذ التتويج بالكأس التاسعة بفضل هدف زيزو الخرافي في شباك باير ليفركوزن في نهائي «هامبدن بارك» عام 2002 بعدها جاء الظاهرة رونالدو البرازيلي، ثم الثنائي الإنكليزي ديفيد بيكهام ومايكل أوين، ومعها دخل النادي في دوامة من الفشل القاري والمحلي، إلى أن اضطر بيريز لتسليم عرش الملوك للرئيس السابق رامون كالديرون في العام 2006 ليعود الريال إلى منصات التتويج باحتكار لقب الليغا مرتين على التوالي -الأمر الذي لم يتحقق أبدا تحت رئاسة بيريز-.
وهذا يفسر هجوم نشطاء «السوشيال ميديا» على الفريق بعد مشاهد الفوضى بين رباعي الهجوم، أو بعد انتشار تسريب «موفيستار» الذي وُصف إعلاميا بـ «الصادم» أولا بسبب الطريقة التي كان يتحدث بها غود مع الثلاثي فيني ورودريغو ومبابي، قائلا في الطريق المؤدية إلى غرفة خلع الملابس بين الشوطين «أنت الثلاثة.. عليكم إنهاء الهجوم بطريقة أو بأخرى لأن الظهير الهجومي قوي للغاية»، ليرد عليه الفرنسي بتكرار نفس الجملة التي أزعجت فينيسيوس في الشوط الأول «هذا ما أقوله.. هذا ما أقوله، يجب أن ننهي الهجمات بطريقة ما، أعتقد أنه عندما نغير أماكننا، لا يتوقعون وجودنا هناك، ويمكنك تمرير الكرة إلى الجانب الآخر بسرعة» مع ذلك، لم تسر الأمور كما خطط لها غود ورفاقه في الشوط الثاني، الذي لم يفرق كثيرا عن الشوط الأول المحبط أمام فريق غاسبيريني في كأس السوبر الأوروبية، بل إن هدف مايوركا جاء من تحول عكسي من الحالة الدفاعية إلى الهجومية بعد خطف الكرة في وسط ملعب الريال، كأفضل استغلال لحالة البطء الشديدة في تدوير الكرة بشكل عرضي في وسط الملعب، عكس ما أراده الفتى الإنكليزي بإنهاء الهجمات بأقل عدد ممكن من التمريرات، ومن قبله المدرب أنشيلوتي، الذي عبر عن استيائه من أداء الفريق في حديثه الروتيني مع الصحافيين بعد المباراة، قائلا «تمكنا من بدء المباراة بشكل جيد، لكن في الشوط الثاني افتقرنا إلى التوازن، كانت مباراة يمكن أن نخسرها لأننا سمحنا بالهجمات المرتدة والكرات العرضية، وعلينا أن ندافع بشكل أفضل، نحن فريق هجومي والتوازن أمر أساسي»، في أول اعتراف لأنشيلوتي بصعوبة المهمة التي تنتظره لخلق التوزان المطلوب بين الدفاع والهجوم، وإلا ستصدق توقعات رئيس نادي برشلونة جوان لابورتا، الذي يراهن على فشل الغريم الأزلي في تحقيق التوقعات المطلوبة منه في نهاية الموسم، باجتياح الأخضر واليابسة على المستوى القاري والمحلي، لاعتقاده بأن زيادة المعروض من النجوم وفئة «الميغا ستار» عادة ما يأتي بنتائج عكسة، مثلما حدث في أغلب التجارب السابقة، آخرها سقوط نجوم وأساطير العالم مع باريس سان جيرمان في الفترة بين عامي 2021 و2023 في وجود أسماء بحجم ليونيل ميسي ونيمار جونيور وكيليان مبابي في الهجوم، وفي الدفاع سيرخيو راموس وكوكبة لا تُقارن بأي تشكيلة أخرى في الدوريات الأوروبية، مع ذلك فشلوا في فك عقدة أثرياء عاصمة الضوء مع دوري أبطال أوروبا، بالخروج المبكر من الإقصائيات مرتين على التوالي.
أين الخلل؟
بإلقاء نظرة سريعة على الخريطة الحرارية الخاصة بتحركات المهاجمين في أول مباراتين في الموسم أمام أتالانتا ومايوركا، سنلاحظ على الفور سبب الخلل أو غياب الفاعلية بشكل حقيقي على مرمى الخصوم، بالرغم من الوفرة العددية الهائلة في الثلث الأخير من الملعب، وتكمن في تواجد فيني ومبابي ورودريغو على بعد 15 ياردة من بعضهم البعض في اليسار الهجومي للميرينغي، إذ أننا نتحدث عن ثلاثة لاعبين يلعبون بالقدم اليمنى، ومصدر قوتهم وخطورتهم عادة ما يأتي من التوغل أو الانطلاق من جهته المفضلة في اليسار، حتى رابعهم بيلينغهام، هو الآخر يفضل التحرك بين الخطوط في نفس الجهة، ما يعني أن المدرب بات مكرها على إجراء تعديلات في طريقة توظيف المهاجمين، قد تصل لحد التضحية بواحد من ثلاثي الهجوم، وفي الغالب سيكون رودريغو، ليبقى على وضعه، كفتاح سحري قادر على صنع الفارق في الأوقات الصعبة، بنفس الصورة التي رسمها لنفسه تحت قيادة الميستر كارليتو، ومعها قد يضرب المدرب عصفورين بحجر واحد، الأول والأكثر أهمية، هو إعادة التوازن إلى دائرة المنتصف، مع انكشاف تأثير اعتزال المايسترو توني كروس، الذي كان يبدع في القيام بدور بيلينغهام الجديد، بنقل الفريق من الحالة الدفاعية إلى الهجومية بومضة سحرية في ظهر المدافعين إما لفيني في الجهة اليسرى أو رودريغو أو فالفيردي في اليمين، وما زاد الطين بلة في بداية الموسم، ذاك الفراغ الكبير الذي تركه القلب النابض في وسط الملعب إدواردو كامافينغا، بسبب الإصابة السيئة التي تعرض لها في الحصة التدريبية الرئيسية قبل مباراة السوبر الأوروبي، أما الثاني، بإنهاء حالة الفوضى والزحام في الجهة اليسرى، حيث سيسهل على فينيسيوس ومبابي تبادل مراكزهم بما يخدم المنظومة الجماعية، بدلا من تركيز الأفكار والغارات من جهة واحدة، بتلك الطريقة التي تسببت بشكل أو بآخر في وصول عدد المحاولات بين قائمين وعارضة حارس مايوركا إلى 5 تسديدات من 13 محاولة على مدار الـ90 دقيقة، دليلا على أن مبالغة المدرب إعطاء الحرية لرباعي الهجوم، جاءت بنتائج عكسية، وبنسبة كبيرة لن يوافق على تكرار نفس المشاهد في قادم المواعيد، وبالتبعية سيعيد حساباته بشأن إستراتيجيته الجديدة 4-2-1-3 وقد يعود إلى أسلوب الموسم الماضي السحري، باللعب بطريقة 4-3-3، وأحيانا 4-3-1-2 بتوظيف بيلينغهام في مركز يجمع بين دور صانع الألعاب والمهاجم الصريح خلف ثنائي الهجوم البرازيلي، أو قد يعود إلى طريقته المفضلة العقد الماضي 4-4-2 وكل ما سبق لن يتحقق إلا بتضحية بواحد من الثلاثي مبابي وفينيسيوس ورودريغو، وعلى الرغم من تفوق الأخير على زميليه، على الأقل في أول مباراتين في الموسم الجديد، إلا أنه على الأرجح سيكون الضحية المتوقعة في المرحلة القادمة، وذلك كما أشرنا أعلاه، لإفساح المجال أمام الوافد الجديد ونجم الموسم الماضي، وأيضا لاستعادة التوازن على مستوى خط الوسط، لاستحالة الرهان على ثلاثة لاعبين دفعة واحدة لا يُجيدون ولا يحبون فكرة إهدار الطاقة بعيدا عن الأمتار المميزة في الثلث الأخير من الملعب.
بوجه عام، يحتاج مبابي ورفاقه في كل مكان في الملعب، أن يكونوا أذكياء تكتيكيا بما يكفي لإيجاد المساحات الجيدة في الثلث الأخير من الملعب، وذلك للرد على المشككين في نجاح شراكته مع رفاقه الجدد، كما حدث في تجربته السابقة مع نيمار وميسي، بصارع كربوني من الصراع الحالي على الجانب الأيسر، انتهى برحيل الثنائي اللاتيني في صيف 2023 في وقت كان يحظى فيه كيليان، بالاهتمام الأكبر من جانب الإدارة والجماهير، باعتباره القائد وحجر الزاوية الذي سيبنى عليه فريق العقد، مع ذلك لم تتحسن الأوضاع كثيرا بعد انفراده بلقب «نجم الشباك الأول» لدى مشجعي «بي إس جي» كان آخرها اختفاؤه في ليلة الخروج من الأبطال على يد بوروسيا دورتموند، مثل كل اختفاء في ليلة أوروبية حاسمة، والقاسم المشترك بالأمس القريب مع العملاق الباريسي وفي الوقت الراهن مع الملكي، أنه لا يقوم بأي دور أو مهمة دفاعية، شأنه شأن فينيسيوس جوينور، الذي يقوم بمثل هذه المهام عن استحياء، مقارنة بطيب الذكر رودريغو، الذي يُبدع في تنفيذ تعليمات المدرب بعمل التوازن المطلوب بين مهامه الثانوية الدفاعية ودوره الرئيسي في المناطق المحظورة في دفاع الخصوم، والظاهرة الواضحة وضوح الشمس في ظهيرة الصيف، أن بيلينغهام، يصب كل تركيزه على أدواره الهجومية رفقة ثلاثي المقدمة، وذلك على حساب مهامه على دائرة المنتصف، بالوقوف على مسافة قريبة من فالفيردي وتشواميني، على الأقل لإظهار الخط أكثر تماسكا في أول اختبار حقيقي بدون الأسطورة كروس، ولأن المصائب لا تأتي فرادى، كان العشريني الأوروغوياني في أسوأ حالاته على الإطلاق في أول ظهور بالقميص رقم 8 عكس النسخة البراقة المحفورة في الأذهان عن فالفيردي المرن، الذي يفعل كل شيء في وسط الملعب، من تغطية دفاعية لتمريرات ثعبانية وانطلاقات عنترية وتصويبات يُقال عنها «لا تُصد ولا تُرد» إلى شبح يعيش على أطلال الماضي في وسط الملعب، وبالمثل تشواميني، اكتفى ببعض اللمسات الأنيقة، التي افتقدت إلى الجوهر أو المضمون، وهو اختراق وسط ودفاع الخصم بتمريرات طولية دقيقة، فقط مجرد لعب استعراضي لإعطاء رسائل للمشجعين والرأي العام، بأن وسط الريال لم يفقد اللمسة المميزة مع اعتزال كروس، والحل؟ انتظار عودة كامافينغا إلى وسط الملعب، ليشكل رباعيا متناغما رفقة فالفيردي وتشواميني وبيلينغهام، والأخير على وجه التحديد، سيكون مطالبا باستعادة الكثير من النسخة الرائعة التي كان عليها الموسم الماضي، وهذا في الغالب سيحتاج بعض الوقت، بعد عودته المتأخرة من عطلته الصيفية، شأنه شأن مبابي، الذي التحق بالفريق بعد عودة المجموعة التي اعتمد عليها أنشيلوتي في الجولة الأمريكية، والشيء الأكثر أهمية على الإطلاق، انتظار تأثير أنشيلوتي وقدرته على خلق التوازن بين الدفاع والهجوم، إما بالعودة إلى الأساليب التكتيكية، أو بالمضي قدما في سياسته المفضلة في السنوات القليلة الماضية، بالرهان على اللحظات الإبداعية لنجومه الكبار في الثلث الأخير من الملعب، فهل يا ترى سينجح المدرب سريعا في احتواء مخاوف وذعر المشجعين ببعض التعديلات التكتيكية الطفيفة لإخراج أفضل ما لدى مبابي وفينيسوس وبيلينغهام ورودريغو؟ أم سيستغرق الأمر بعض الوقت؟ لكن في كل الأحوال، لن نتفاجأ بتكرار نفس البروبغاندا الإعلامية كلما تعثر الفريق المدجج بـ «الغالاكتيكوس» في قادم المواعيد.