في عالم مواز، يقوم المدرب البرتغالي نونو إسبيريتو سانتو، بما يُمكن وصفه بالعمل الرائع والمثير للإعجاب مع فريقه نوتنغهام فوريست، معيدا إلى الأذهان زمن الأسطورة برايان كلاف، الذي قاد النادي للفوز بأول وآخر ألقابه المحلية والقارية الكبرى في أواخر السبعنات وبداية ثمانينات القرن الماضي، على غرار الدوري الإنكليزي (قبل مسمى البريميرليغ) عام 1978، بالإضافة إلى لقب دوري أبطال أوروبا مرتين عامي 1979 و1980، ومنذ ذلك الحين، لم يتمكن الفريق من الحصول على تأشيرة اللعب في دوري أبطال الكأس ذات الأذنين، قبل أن ينجح المدرب الحالي في رفع مستوى توقعات وطموحات الجماهير لإمكانية رؤية الفريق بين كبار القارة في الموسم المقبل، وذلك بعد سلسلة العروض والنتائج المذهلة التي حققها نوتنغهام فوريست في النصف الأول لموسم الدوري الإنكليزي الممتاز، والتي وصلت لحد التربع على المركز الثالث في جدول ترتيب أندية البريميرليغ، برصيد 40 نقطة، بفارق الأهداف فقط عن الوصيف آرسنال، وكلاهما خلف المتصدر ليفربول بست نقاط ومباراة مؤجلة للأخير مع جاره في المدينة إيفرتون، والسؤال الذي يفرض نفسه: ماذا فعل سانتو لإحياء نوتنغهام العريق بعد عقود من السبات العميق؟
مهمة معقدة
في مثل هذه الأيام من العام الماضي، كانت الشكوك تحاصر نونو سانتو، على اعتبار أن اختياره لقيادة الفريق بعد إقالة المدرب السابق ستيف كوبر، لن يساهم في حل مشاكل الفريق، بعد تراجعه إلى المركز السادس عشر في جدول ترتيب أندية الدوري، وذلك عشية جولة عيد الميلاد في الدوري الأكثر تنافسية عالميا، وأيضا لأسباب أخرى تتعلق بعلامات الاستفهام التي أثيرت حول المدرب وفلسفته، بعد التراجع الملموس في مسيرته المهنية منذ خروجه من ولفرهامبتون، الذي كان سببا في ارتفاع أسهمه في سوق مدربي البريميرليغ على مدار 4 سنوات، قبل أن يخوض تجربته غير الموفقة مع توتنهام، التي انتهت بعد أشهر قليلة من تعيينه، لينتهي به المطاف بالخروج من القارة العجوز بشكل مؤقت، من خلال عمله مع نادي اتحاد جدة، وحسنا فعل في موسمه الأول في دوري روشن، بالحصول على لقبي الدوري والكأس السوبر المحلية، لكن بعد ذلك، راح ضحية نزعاته الشخصية مع الميغا ستار كريم بنزيمة، حيث أجمع الإعلام السعودي، على أن توتر علاقة نونو بقائد ريال مدريد السابق، هي ما عجلت بانتهاء رحلته مع النادي الملقب بـ«العميد»، وبدرجة أقل، التراجع الملموس في نتائج الفريق، بعد التدعيمات الهائلة التي قامت بها الإدارة في موسم استيلاء الأندية السعودية على العشرات من نجوم ومشاهير الدوريات والأندية الكبرى في أوروبا، وعلى عكس أغلب التوقعات، نجح نونو في إنقاذ بطل أوروبا الأسبق، من الهبوط إلى غياهب دوري «تشامبيونشب»، بعدما أنهى الموسم في المركز السابع عشر بفارق 6 نقاط عن مراكز الهبوط، وذلك بعد تفعيل عقوبة خصم 4 نقاط من رصيد النادي بسبب انتهاك قواعد اللعب المالي النظيف، كأفضل رد من قبل المدرب، على كل من شكك في عودته إلى سابق عهده في وطن كرة القدم، سواء بعد فشل تجربته مع الديوك اللندنية، أو بعد طرده من اتحاد جدة في النصف الأول من الموسم الماضي.
ما قبل الثورة
أثبت نونو سانتو، أن مالك النادي إيفانغيلوس ماريناكيس، كان موفقا عندما تحدى الجميع، بوضعه على رأس القيادة الفنية للفريق بعد التخلص من المدرب السابق، فبعد وصول نوتنغهام إلى قاع الحضيض الكروي، وفي رواية أخرى في «وضع كارثي»، بعد تعاقد الإدارة مع ما مجموعه 44 لاعبا، منهم 13 على سبيل الإعارة منذ صيف 2022، ما تسبب في خصم نقاط من رصيد النادي، وتبعها غرامة قُدرت بنحو 750 ألف جنيه إسترليني، بسبب التشكيك في نزاهة الحكام، واكتملت بإيقاف مالك النادي، من خلال منعه من حضور 5 مباريات، بسبب قيامه بالبصق، أثناء مرور حكام المباراة في النفق المؤدي لغرفة خلع الملابس، لذا كانت أفضل التوقعات وأكثرها تفاؤلا في بداية موسم سانتو الثاني، أن يكون جيدا بتواجده في ما تعرف بالمنطقة الدافئة في جدول الترتيب العام، لكن ما حدث فاق توقعات أكثر الحالمين برؤية نوتنغهام فوريست على مسافة قريبة من الطامعين في الحصول على لقب البريميرليغ، وحدث ذلك بعد 12 شهرا من تعيينه في سدة حكم «سيتي غراوند»، وتحديدا منذ يوم 20 ديسمبر/ كانون الثاني 2023، حيث كان الفريق يقارع من أجل تفادي الهبوط إلى دوري القسم الثاني، إلى ما هو عليه وقت كتابة هذه الكلمات، بالوقوف على قدم المساواة مع وصيف آخر موسمين، وذلك بعد تحقيق الفوز التاسع هذا الموسم بشباك نظيفة، والذي جاء على حساب ناديه الأسبق ولفرهامبتون بثلاثية نظيفة في قلب ملعب «مولينيو» في ختام الجولة الـ20، وذلك من أصل 12 انتصارا و4 تعادلات ومثلها هزائم في تلك المباريات، متفوقا على أندية بحجم تشلسي ومانشستر يونايتد وحامل اللقب في آخر أربعة مواسم مانشستر سيتي، مرتكزا على أساس صلب، بالأحرى خط دفاع حديدي، وبلغة الأرقام ثاني أقوى خط دفاع في الدوري الإنكليزي الممتاز، بالتساوي مع ليفربول، وكل منهما اهتزت شباكه 19 مرة، مقابل 18 مرة لمدفعجية آرسنال، مقارنة بـ67 هدفا استقبلها الفريق الموسم الماضي، ما فتح الباب على مصراعيه، لوضع بصمة سانتو وإنجازه الكبير هذا الموسم، مع معجزة المدرب الإسباني تشابي ألونسو مع باير ليفركوزن في موسم إنهاء هيمنة بايرن ميونيخ على لقب البوندسليغا
جني الثمار
اعتقد البعض أن فوز نوتنغهام فوريست على ليفربول بهدف نظيف في قلب «الأنفيلد» في الأسبوع الرابع، كان مجرد ضربة حظ لم تتكرر في نفس المكان منذ أكثر من 5 عقود، لكن سرعان ما أثبت الوقت، أنها كانت مجرد بداية لما تُعرف مرحلة «جني الثمار» بالنسبة للمدرب نونو سانتو، بعد ظهور بوادر ثقة الإدارة في المدرب ومشروعه، باستقطاب الصفقات التي حددها بالاسم، في مقدمتهم صخرة الدفاع نيكولا ميلينكوفيتش، الذي لم يكلف الخزينة سوى 12 مليون بعملة المملكة المتحدة، مقابل الحصول على توقيعه من ناديه السابق فيورنتينا، ومعه شريكه في هدفهما المشترك في شباك مانشستر يونايتد إيليوت أندرسون، مكونا شراكة فولاذية برفقة موريلو في قلب الدفاع، يكفي أنه وفقا لإحصائيات «هو سكورد»، فاز بنسبة 79.4% من المواجهات الهوائية مع المنافسين، وبفضل هذه الشراكة، ظل الفريق متماسكا في مغامرته الجريئة لاقتحام دائرة المنافسة على ما هو أبعد من المركز الرابع المؤهل لدوري أبطال أوروبا. والمثير للإثارة والإعجاب، أن العم نونو، لا يحقق هذه النتائج، بالموضة الحديثة، من خلال أساليب الضغط العالي من الأمام لإجبار المنافس على الخطأ، كما يفعل ليفربول وبرشلونة ومانشستر سيتي وآرسنال وباقي رموز كرة القدم الحديثة، بل بفلسفته الخاصة التي وصفها جيمي كاراغر في أكثر من تحليل بـ«النونو بول»، بالتركيز على إغلاق العمق والمساحات في الثلث الأول من الملعب، ثم مباغتة الخصم بأقل عدد ممكن من التمريرات. يكفي أننا نتحدث عن فريق لديه نسبة استحواذ لا تزيد أبدا على 40%، كثاني أقل فريق استحواذا على الكرة في الدوري بعد إيفرتون (38.7%)، لكن شتان بين الأرقام والحصيلة النهائية هنا وهناك، بتواجد فوريست في المركز الثالث، بينما أزرق الميرسيسايد يقبع في المرتبة السادسة عشر، بفارق نقطة واحدة عن المنطقة السوداء في جدول ترتيب الأندية، وكلمة السر، تكمن في استغلال سانتو، لسرعة وإمكانات لاعبية في الثلث الأخير من الملعب، في مقدمتهم كابوس «الآنفيلد» أنتوني إيلانغا، صاحب الـ20 مساهمة تهديفية منذ قدومه من مانشستر يونايتد في العام 2023، ونفس الأمر بالنسبة لطريد تشلسي كالوم هدسون أودوي، ومورغان غيبس وايت، والمهاجم المركزي كريس وود وبديله تايو أوونيي، فقط يتبقى التحدي الوحيد، أن تنجح الإدارة في الإبقاء على الأسماء المستهدفة من قبل عمالقة وأثرياء الدوري قبل غلق الميركاتو الشتوي مع أول ساعات الشهر الجديد، والأهم، أن يواصل المضي قدما في طريقه، بالعمل على صناعة المزيد من النجوم والوجوه المبشرة، بعد إخفاقه في تجاربه مع الأندية المدججة بالنجوم وأصحاب الشعبية الجارفة في توتنهام والاتحاد، والعكس في تجاربه البعيدة عن الضغوط، كما نجح من قبل مع الذئاب والآن مع نوتنغهام فوريست، ومن يدري؟ فمع استمرار مسلسل ترنح الكبار هذا الموسم، بطريقة لا تختلف كثيرا عن موسم معجزة ليستر سيتي، فلن تكون مفاجأة إذا تمكن سانتو من إعادة الفريق إلى دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى منذ أكثر من 4 عقود.