
قادني "الفضول الاستقصائي" لأن أزور حساب المجرم القاتل يحيى سيسي على الفيسبوك، فصادفتني ـ في هذه الزيارة السريعة ـ منشورات ومقاطع صوتية وبعض الصور التي تستحق التعليق، وكان مما صادفني مقطعا صوتيا نشره حساب يحمل اسم "بوكاري سيسي" في يوم: 02 ـ 12 ـ 2023 ، وشاركه المجرم القاتل يحيى سيسي على حسابه، وتحدثت في هذا المقطع المحامية فاتيمتا أمباي رئيسة الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان (AMDH)، فشجعت في حديثها المجرم يحيى سيسي، ووصفته بأخيها، وأكدت له أن معركته هي معركة الجميع، وبمن في ذلك أولئك الذين يشتغلون في الخفاء بعيدا عن الأضواء.
لما استمعتُ لهذا المقطع الصوتي وجدتني ملزما بطرح السؤال: لماذا تُدافع فاتيمتا أمباي الحقوقية الشهيرة ـ وغيرها من "الحقوقيين والحقوقيات" ـ عن مجرم أجنبي قاتل؟
ولأن الجريمة تُذَّكِر بالجريمة، والتضامن يذكر بالتضامن، والسؤال يقود إلى السؤال، فلنطرح سؤالا آخر: لماذا تتضامن المنظمات الحقوقية دائما مع عتاة المجرمين الذين يرتكبون أبشع الجرائم؟ ولكم أن تتذكروا قصة أستاذ اللغة الفرنسية الذي حُكِم عليه بعشرين سنة في جريمة قتل كانت ضحيتها والدته، فهذا السجين الذي سيصبح فيما بعد ممثلا لبعض المنظمات الحقوقية في السجن، سيرتكب في سجنه جريمة بشعة أخرى تتعلق هذه المرة بتصوير أفلام إباحية من داخل السجن.
إن علاقة المنظمات الحقوقية بمرتكبي الجرائم البشعة بحاجة إلى تحقيق استقصائي، ونرجو أن تبادر إحدى المؤسسات الصحفية الجادة بإجراء ذلك التحقيق.
هذا عن التضامن مع المجرمين، ولكن ماذا عن غياب التضامن مع الضحايا؟
فلماذا لم تتضامن هذه المنظمات الحقوقية مع مسن موريتاني، كان ضحية لجريمة بشعة نفذها من وصفته الحقوقية بالأخ، وذلك بالتعاون مع شركائه الأجانب، فقتلوا ذلك المسن، وقطَّعوا جسده إربا إربا في جريمة بشعة هزت مدينة نواذيبو؟
إنه لشيءٌ مؤلمٌ حقا، ومحزنٌ حقا، ومثيرٌ للاستغراب والتعجب حقا، أن تتضامن منظمات حقوقية مع القاتل الأجنبي، ولا تتضامن مع المقتول الموريتاني؟
فهل يمكن أن نستحضر اللون هنا للإجابة على هذا السؤال؟
وإذا لم نستحضر اللون، فدعونا نسأل من جديد: ما هي مشكلة هذه "المنظمات الحقوقية" مع بعض الضحايا الموريتانيين؟
في يوم 9 سبتمبر 2012 ارتكبت فرقة من الجيش المالي مجزرة راح ضحيتها تسعة دعاة موريتانيين، وقد أجمع الكل على إدانة تلك المجزرة باستثناء المنظمات الحقوقية الموريتانية التي بخلت بإصدار بيان تضامن من سطر أو سطرين، وذلك على الرغم من أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية أصدرت بيانا نددت فيه وبشدة بقتل الدعاة الموريتانيين، وطالبت بتطبيق العدالة على الجناة في أسرع وقت ممكن.
ولماذا لم تتضامن هذه المنظمات الحقوقية مع الشعب الموريتاني والدولة الموريتانية، ومع أسر 29 موريتانيا قتلتهم فرقة من الجيش المالي في قرية "ربينة العطاي" في مطلع شهر مارس من العام 2022 ؟
ولماذا لم تتضامن هذه المنظمات الحقوقية مع سبعة موريتانيين آخرين قتلهم جنود ماليين بدم بارد في يوم 19 يناير 2022؟
من الغريب حقا، أن هذه المنظمات الحقوقية التي بخلت بالتضامن مع موريتاني قُتل من طرف مجرمين من مالي في مدينة نواذيبو، وبخلت كذلك بالتضامن مع عشرات الضحايا الموريتانيين الذين قتلهم الجيش المالي في مناسبات مختلفة، هي نفسها المنظمات التي تكون شديدة الحساسية، وسريعة التضامن، عندما يكون الضحايا أجانب!
ويكفي لتأكيد ذلك، أن نتوقف مع البيان الذي سارعت الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان، والتي ترأسها المحامية فاتيماتا أباي إلى إصداره، عندما بدأت الحكومة في ترحيل المهاجرين غير النظاميين من بلادنا.
لقد عبرت هذه المنظمة، وفي بيان شديد اللهجة أصدرته يوم 06 مارس 2025، عن استيائها الشديد مما تعرض له المهاجرون الأفارقة في موريتانيا، وأدانت في بيانها ـ وبأشد العبارات ـ عمليات: "الاعتقال الجماعي والتعسفي"، و ظروف "الاحتجاز اللاإنسانية" التي تعرض لها المهاجرون في موريتانيا، واعتبرت المنظمة في بيانها أن ما ترتكبه موريتانيا في حق المهاجرين يشكل "انتهاكا صارخا للكرامة الإنسانية، وللالتزامات الدولية والإقليمية". ولم يفُت المنظمة أن تُطالب في بيانها بالوقف الفوري "للاعتقالات التعسفية" و"الترحيل القسري للمهاجرين"، داعية المجتمع المدني وكل المدافعين عن حقوق الإنسان إلى التدخل العاجل ل"حماية كرامة المهاجرين" في موريتانيا.
هذه المنظمة التي تبالغ دائما في إظهار الانحياز للأجانب على حساب المواطنين، هي نفسها المنظمة التي زكتها النائب كادياتا مالك جالو في بيانها الذي نشرته في يوم 09 أبريل 2025، والذي جاء فيه: "يتعلق هذا الاستجواب بعمليات الطرد الجماعي للأجانب الذين يُعتقد أنهم في وضعية غير قانونية في بلادنا. ووفقًا لشهادات الضحايا، ولمنظمات حقوقية موثوقة مثل الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان (AMDH)".
ألم تظهر هذه المنظمة ومن بعدها النائب كادياتا انحيازا واضحا لصالح الأجانب على حساب المواطنين الموريتانيين، والمصلحة العليا للبلد؟
مرة أخرى أجدني مضطرا لإعادة طرح السؤال السابق: هل يمكن أن نستحضر اللون هنا للإجابة على هذا السؤال؟
وإذا لم نستحضر اللون، فدعونا نسأل من جديد: متى سيتوقف هذا التمييز الذي تمارسه بعض نخبنا السياسية والحقوقية لصالح الأجانب على حساب حقوق المواطنين ومصلحة الوطن؟
ألا يمكن أن نضع هذا التمييز لصالح الأجنبي، ولأسباب تتعلق باللون، في خانة العنصرية المسكوت عنها؟
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين الفاضل
Elvadel.blogspot.com