
«ليس لدي شيء محدد مسبقا، أنا منفتح على كل الاحتمالات، لماذا لا أدرب فريقًا آخر في الدوري الإسباني؟ أبحث عن مشروع مثير، ولدي الطموح للفوز بالألقاب… سأستمع إلى العروض المختلفة. أحب مشاهدة الفرق التي تلعب كرة قدم جميلة، سواء بأسلوب أو بآخر. يعجبني غوارديولا وأرني سلوت وفينسنت كومباني، وآخرون. أريد أن يستمتع لاعبو فريقي، وأن يقدموا كرة قدم جذابة للجماهير، وأن يفوزوا بالألقاب، أريد الفوز بدوري الأبطال، واليورو، وكأس العالم»، بهذه الكلمات الواضحة، كشف المايسترو تشافي هيرنانديز، عن خططه وطموحه للعودة مرة أخرى إلى مجال التدريب، وذلك في مقابلة أجراها مع صحيفة «ليكيب» الفرنسية أواخر شهر مارس/ آذار الماضي، على أمل أن يلفت أنظار الأندية الأوروبية الكبرى التي كانت تبحث عن مدرب جديد قبل انطلاق الموسم الجديد، لكن الشيء المحير والمثير للدهشة، أنه لم يعد حتى وقت كتابة هذه الكلمات، والأكثر غرابة، أنه نادرا ما يرتبط مستقبله بأندية تتماشى مع طموحاته الكبيرة، على الأقل في آخر شهرين، باستثناء الإشاعات التي تحدثت عن رغبة إدارة نادي مونتيري المكسيكي في التوقيع معه، وبعدها اختفى الحديث عنه مرة أخرى، ما جعل البعض يُشكك في إمكانية عودته من الباب الكبير مع أحد أندية الصفوة في البريميرليغ أو أوروبا، لكن في المقابل هناك من يراهن على عودته أقوى من أي وقت مضى في نهاية هذا العام أو بمجرد انتهاء الموسم الجاري على أقصى تقدير، والسؤال الذي يفرض نفسه في الآونة الأخيرة هو: لماذا تأخرت عودة مدرب برشلونة السابق؟ وما هو يا ترى المشروع المثالي بالنسبة له في أول تجربة بعد التحرر من ضغوط برشلونة؟ هذا ما سنستكشفه معا في هذا التقرير.
وظائف محدودة
واحد من أكثر الأسباب التي حالت دون عودة صاحب الـ45 عاما إلى الحقل التدريبي في الموعد المحدد بعد الانتهاء من فترة التعافي والاستشفاء الذهني عقب إقالته المفاجئة من تدريب البلو غرانا في مايو/ أيار 2024، هو طموحه الكبير في عالم التدريب، بالتركيز فقط على الأندية الطامحة في الفوز بالبطولات المحلية والقارية، وكما نعرف جميعا، أن الأماكن التي تتماشى مع خطط وأهداف تشافي، تكاد تكون شبه منعدمة، على الأقل منذ بداية عام 2025، باستقرار الأندية الكبرى في البريميرليغ وباقي الدوريات الكبرى على طاقمها الفني حتى إشعار آخر، وبالأخص الأندية التي ارتبطت به في الماضي، وهذا في حد ذاته، قد يكون سببا وراء تجاهله للعروض التي تأتي من الأندية المتوسطة والمشاريع التي لا تتوافق مع أحلامه الكبيرة، أو بالأحرى أندية لن تساعده على تحقيق هدفه الرئيسي في المرحلة القادمة، وهي أن يثبت للعالم أنه بالفعل مشروع مدرب من الصفوة في العشرية القادمة، لأنه بالفعل مدرب يملك المقاومات والموهبة، وليس لأنه أفضل من ارتدى القميص رقم (6) في العصر الحديث وربما في كل العصور، وهي الصورة التي اجتهد في رسمها لنفسه طوال فترة وجوده في سُدّة الحكم في «كامب نو»، كمدرب يجمع بين الهيبة والكاريزما والشخصية القيادية وبين عين الخبير التي لا تُخطئ أبدا في صيد المواهب الثمينة والجواهر النادرة، كيف لا والحديث عن الشخصية الأسطورية التي تحولت إلى رمز ومثال يُحتذى به في أكاديمية «لا ماسيا» وكل فرق العالم بالنسبة للاعب الوسط المايسترو، وفي نفس الوقت، هو نفس الرجل الذي فتح الباب أمام أطفال ومراهقين الأكاديمية لاقتحام الفريق الأول، وفي مقدمتهم أفضل لاعب في العالم في الوقت الحالي لامين يامال، الذي كان سباقا في منحه الفرصة مع الفريق الأول قبل حتى أن يحتفل بعيد ميلاده الـ16 على هذا الكوكب، ومعه قائمة عريضة منها على سبيل المثال لا الحصر كوبارسي وبالدي وكاسادو وفيرمين لوبيز، الذي كان في منتصف رحلة المجهول مع أحد أندية دوري الدرجة الثالثة، ثم فجأة وبدون سابق إنذار، تحول إلى قطعة ذهبية سواء تحت قيادته أو مع المدرب الحالي هانزي فليك.
مؤثر وعملي
صحيح الانطباع العام بالنسبة للمشاهد العادي، أن تشافي هيرنانديز، لم يُحقق تلك النجاحات المنتظرة منه على مدار موسمين ونصف الموسم في الإقليم الكتالوني، لكن في حقيقة الأمر، يُمكن القول بضمير مستريح، إنه حقق أكثر من المطلوب منه، أو على أقل تقدير، نجح في إعادة الكتلان إلى الطريق الصحيح، بما عُرفت رباعيات برشلونة في ريال مدريد، والأهم إعادته سريعا إلى منصات التتويج بالألقاب الكبرى، من خلال التتويج بلقبي الدوري الإسباني والكأس السوبر المحلية في موسمه الثاني مع الفريق، كأول ألقاب تزين خزائن «كامب نو» في عصر ما بعد الهداف التاريخي للفريق والليغا بوجه عام ليونيل ميسي، وقد حقق ذلك الإنجاز، في ظروف مادية أقل ما يُقال عنها مُعقدة، وصلت لحد قيام الإدارة بتقليل عدد الوجبات للعمال والموظفين، في ما كانت أشبه بالمحاولة البائسة لتقليل النفقات بعد وصول الديون إلى مستويات غير مسبوقة في نهاية حقبة الرئيس السابق جوسيب ماريا بارتوميو، وهو ما دفع الرئيس الحالي جوان لابورتا، لابتكار فكرة «الرافعات الاقتصادية»، التي كانت وما زالت ترتكز على بيع أجزاء من أصول النادي وحقوقه من علاماته التجارية لسنوات قادمة، بهدف إنعاش الخزينة على المدى القصير، وهو ما ساهم في ضم رافينيا وروبرت ليفاندوسكي وجول كوندي وفرانك كيسي في صفقة انتقال حر من ميلان، وفي الموسم التالي، نجح في تحقيق ما عجز عنه أسلافه في المنصب المرموق، بتخلصه ممن يُعرفون باسم «الأبقار المقدسة»، والإشارة إلى عواجيز الجيل الذهبي المتمسكين بالبقاء على حساب مصلحة الفريق، في مقدمتهم جيرار بيكيه وزميله في خط الدفاع جوردي ألبا وسيرجيو بوسكيتس وقائمة أخرى عريضة من الفائضين عن الحاجة في المشروع الجديد، ما يعكس قدرته على التكيف مع الظروف الصعبة، وأيضا قدرته على تحمل الضغوط، بفضل شخصيته المؤثرة وما يملك من إرث كروي وغيرها من الأشياء التي تسهل من مهمته في التواصل مع اللاعبين وإقناعهم بتنفيذ أفكاره داخل المستطيل الأخضر، وقبل هذا وذاك، لا ننسى نجاح مشروعه الرياضي مع برشلونة، بانتشال الفريق من براثن الضياع بعد تقهقره إلى المركز التاسع في جدول الترتيب العام في نهاية حقبة المدرب السابق رونالد كومان، لإنهاء الموسم في المركز الثاني خلف الريال، ثم بعد ذلك توج بلقب الدوري على حساب ريال مدريد كارلو أنشيلوتي، وتبعها بكسر عقدة البارسا مع الخروج المبكر من دوري مجموعات أبطال أوروبا، بعدما قاده للوصول إلى الدور ربع النهائي، ولولا هفوة أراوخو الساذجة في مباراة الإياب أمام باريس سان جيرمان، لربما تأهل إلى الدور نصف النهائي مثل فليك في الموسم الماضي، وهذا يعني أن الرجل ترك بصمة لا يُستهان بها مع البلو غرانا، بل بعبارة أكثر وضوحا، هو من وضع حجر أساس ذاك الفريق الذي تحول إلى مجموعة من الوحوش البشرية الكاسرة تحت قيادة المدرب الألماني الحالي، ما يعزز فرصه في العودة مرة أخرى لقيادة أحد الفرق الأوروبية الكبرى سواء على المدى القصير أو المتوسط.
بالنظر إلى الوجهة المثالية لتشافي، سنجد أنه فريق مانشستر يونايتد، وذلك بسبب أوضاعه المأساوية مع مدربه الحالي روبن أموريم، الذي بدأ يلمح لاقتراب نهاية رحلته في «أولد ترافورد»، ربما لشعوره بتآمر بعض اللاعبين عليه، ربما لإخفاقه في تحمل ضغط العمل مع ناد بحجم «الشياطين الحمر»، مقارنة بالضغوط التي كان يتعرض لها مع ناديه السابق سبورتنغ لشبونة في الدوري البرتغالي، لكن الشيء المؤكد وما يتم تداوله على نطاق واسع في وسائل الإعلام المقربة من النادي، أنه في حال استمر وضع أموريم كما هو عليه في الأسابيع القليلة القادمة، فبنسبة كبيرة سيتم التخلص منه إلى الأبد قبل التوقف الدولي الخاص بشهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وفي هذه الحالة، قد يتصدر تشافي قائمة المطلوبين لخلافة أموريم في «مسرح الأحلام»، باعتباره الرجل المختار، الذي جاء إلى عملاق البريميرليغ ليعيده مرة أخرى إلى الطريق الصحيح بعد سنوات من التخبط والضياع منذ تقاعد شيخ المدربين سير أليكس فيرغسون، وسيكون الرهان على شخصية المايسترو التي تبدو مختلفة عن كل من أشرف على تدريب اليونايتد في السنوات القليلة الماضية، كمدرب بشخصية أب أو أخ أكبر لكل اللاعبين، بالأحرى مدرب لا يتصادم أبدا مع اللاعبين، مقارنة بجوزيه مورينيو وإيريك تن هاغ وأموريم، كل منهم دخل في أزمة أو اثنتين وربما ثلاث مع النجوم، وفي كل مرة، إما يرحل المدرب وإما اللاعبون، لكن مع تشافي، سيتفادى المان يونايتد هذه الإشكالية، والشيء الأكثر أهمية هو توافق كلا الطرفين من حيث الأحلام والطموح في المستقبل، برغبة جامحة من قبل النادي للعودة إلى زمن ما قبل اعتزال السير أليكس، وبالمثل المدرب يتطلع للذهاب إلى ناد يملك المال والرغبة في بناء مشروع قوي للمستقبل، وهذا ما قد يسفر عن شراكة ناجحة، خاصة وأن المدرب الكاتالوني لن يكون مطالبا بتحقيق البريميرليغ في أول موسم أو اثنين.
فقط سيكون هدفه الرئيسي إعادة اليونايتد للمشاركة بشكل منتظم في دوري أبطال أوروبا، مع إمكانية خطف واحدة من الكؤوس المحلية، على أن تكون الخطوة التالية هي التفكير في المنافسة على لقب البريميرليغ والأبطال، كما فعل ميكيل آرتيتا في مشروع إعادة آرسنال إلى الواجهة مرة أخرى، أما إذا لم يُكتب النجاح لهذه الخطوة، فقد يخلف مواطنه تشابي ألونسو في باير ليفركوزن، وذلك بعد طرد إيريك تن هاغ من بطل البوندسليغا الموسم قبل الماضي بعد أول 3 جولات، وعلى الرغم من عدم ارتقاء المفاوضات إلى المستوى الرسمي حتى الآن، إلا أن شخصية تشافي وأفكاره الكروية، تكاد تكون مثالية بالنسبة لمشروع إدارة باير ليفركوزن، التي تخطط لبناء فريق بنفس جودة العناصر التي صنع بها ألونسو التاريخ، لكن بلاعبين أقل في العمر، وكما أشرنا أعلاه، تاريخ المايسترو مع التقاط المواهب يتحدث عنه، أو قد يتوجه إلى جنة كرة القدم، للإشراف على تدريب يوفنتوس، لكن هذا سيتوقف على مستقبل المدرب إيغور تودور، وأيضا على رغبة إدارة اليوفي في التغيير في شكل وهوية الجهاز الفني، من خلال الاعتماد على المدرسة التدريبية، بعد عقود من التركيز على المدرسة الإيطالية الكلاسيكية، بينما على المدى المتوسط، فقد يخلف مواطنه ميكيل آرتيتا في ملعب «الإمارات»، شريطة أن يفشل المدرب الحالي في تحقيق الهدف المنشود والمطلوب منه، إما معانقة البريميرليغ أو دوري الأبطال في نهاية هذا الموسم، بعد وصول الإنفاق إلى مستويات غير مسبوقة لبناء مشروع آرتيتا الحالي.
والسؤال الآن لك عزيزي القارئ: هل تعتقد أن تشافي سيعود قريبا إلى عالم التدريب؟ وما هي الوجهة الأفضل بالنسبة له؟