جاء في مقال سابق، بعنوان: المختصَر المفيد لما يريده المواطن من الرئيس الموريتانيّ الجديد(نُشِر في مدونتي"اللغة العربية أمّ اللغات"، بتاريخ 06/16/ 2014م، وكنا في ذلك الوقت نستعد لتنظيم انتخابات رئاسية)، ما يأتي: "... كما أنَّ هناك موضوعًا يؤرّق جميعَ المواطنين، والزائرين من خارج الوطن، أشرتُ إليه سابقا، ويتجسد في انتشار البَعُوض(الناموس) في بلادنا، بصفة عامة، وفي عاصمتنا الفتية، على وجه الخصوص. ومن المعلوم أنّ البيئة المناسبة لتكاثر البعوض هي الأوساخ والمستنقعات. وبالإضافة إلى ما يسببه البعوض من إزعاج ومضايقة، فإنّ ارتباطه بحمى الملاريا الفتاكة المترتبة على لسعاته، يجعل مكافحته والقضاء عليه من أولويات المشروعات والبرامج الوطنية، بل إنّ الأمرَ يتطلب تنسيقا وتعاونا، في هذا المجال، مع الدول المجاورة ومع المجتمع الدوليّ.
إننا ننتظر من الرئيس الجديد ومن الحكومة ومن جميع المواطنين-كل فيما يخصه-بذل المزيد من الجهود الخاصة بقطاع النظافة في مفهومها الوطنيّ الواسع، وعلى مستوى انواكشوط، بصفة خاصة، حتى تكون لنا عاصمة حديثة يتوفر فيها الحد الأدنى من معايير المدن العصرية، على غرار ما يجري في العالَم المتحضر. إنّ المواطن الموريتانيّ القادم من الخارج-على سبيل المثال- يحلم بأنه عندما تحلق به الطائرة فوق مدينة انواكشوط يرى مدينة جميلة: بأضوائها ومساحاتها الخضر، وشوارعها الواسعة، وبناياتها المتناسقة في ألوانها وأحجامها وتخطيطها العُمرانيّ... وعندما يتجول بالسيارة، يجد: الشوارع المعبدة، والأرصفة النظيفة، والمحلات التجارية المزدهرة، والمكتبات وأكشاك بيع الصحف والمجلات، والملاعب الرياضية، والحدائق والمُتَنَزَّهات، ودُور الفن والثقافة، والمطاعم والمقاهي، ودورات المياه العمومية...وعندما ينزل بالفندق أو بمنزله الخاص، لا تكدِّر صفوَه الروائح الكريهة، ولا الذباب نهارا، ولا البَعوض ليلا... ولا يحتاج عندما يدخل الحمام أن يحمل معه الماء ليتوضأ به لأن الماء لا يصل إلى الحنفية بسبب ضعف ضغط شبكة المياه...فهل ستحقق السلطات الجديدة هذا الحلم البسيط للمواطن الموريتاني المتواضع المسالم ؟ إنّ المواطن الموريتانيّ الصبور القنوع، لا يطلب أكثر من أن يعيش حياة كريمة، تتناسب مع الإمكانات المعتبرة والخيرات التي يتوفر عليها بلده. أعتقد أنّ السلطات الجديدة لو نجحت في تحديث عاصمة البلاد السياسية-في ضوء الملامح العامة المشار إليها-سيكون ذلك مؤشرا إيجابيا لنجاحها في جميع المجالات".
واليوم، ونحن نستعد للاحتفال بالذكرى (54) لعيد الاستقال، انتشرت في بلادنا في الآونة الأخيرة-بشكل شبه وبائيّ- حُمَّى نغصَت علينا فرحتنا بهذه المناسبة الوطنية الخالدة. تشبه أعراض هذه الحُمّى- حسب بعض الأطباء- أعراض ما يُعرَف بحمّى الضنك. ومن هذه الأعراض: سيلان من الأنف، وارتفاع شديد في درجة حرارة الجسم، وصُداع، وقيء، وتعب عام، وآلام في الظهر والمفاصل...ويبدو أنّ هذه الحمّى تدخل ضمن الأمراض الفيروسية التي لا علاج لها غير الراحة والمسكنات...ويرى بعض الأطباء أنّ الفيروس المسبب لها ينتقل من البَعُوض(الناموس) إلى الإنسان.
ونظرا إلى ما يسببه انتشار هذا النوع من الأمراض من إزعاج، ومن خسائر-على مستويات عديدة- فإنّ مكافحة البعوض أصبحت تفرض نفسها أكثر من أيّ وقت مضى. ومن اللافت للأنظار، أننا لم نرَ أصواتا ترتفع ولا كتابات مدوية، تحث على مكافحة البعوض، على الرغم ممّا يجري في البلد- يوميا تقريبا- من مبادرات ومظاهرات ومسيرات ووقفات احتجاجية، تطالب بأشياء أقل أهمية من القضاء على هذا الخطر الداهم(البعوض). ولعل من الإجراءات العاجلة التي يجب القيام بها، دون تأخير: محاربة الأوساخ والمستنقعات، واستعمال المبيدات الحشرية في الشوارع(وإن أمكن بواسطة طائرات صغيرة)، وفي المنازل وغيرها من الأماكن الموبوءة. وممّا يبشر بخير، هذه الحملة التي قِيمَ بها على مستوى العاصمة وبعض المدن الأخرى. مع الإشارة إلى أنّ هذا النوع من الحملات الموسمية لا يحل مشكلة مثل مشكلة تراكم الأوساخ التي تتجدد يوميا. ويكمن الحل الجذري والدائم في وضع آلية لجمع النفايات بشكل يومي ووضعها في مكبات خاصة ومعالجتها بالطرق الحديثة المعروفة دوليا. وعلى الرُّغم من أهمية الاحتياطات التي يتخذها بعض المواطنين-القادرين على ذلك- مثل: استعمال الناموسيات المشبعة، ووضع شبكات خاصة على نوافذ المنازل لمنع دخول البعوض إليها، وغير ذلك من الوسائل الاحترازية المتاحة، فإنّ العلاج الفاعل للقضاء على انتشار البعوض يبدأ بتجفيف منابع تكاثره( المستنقعات والقُمامات والأوساخ...). وعلينا جميعًا- كل من موقعه- أن نتصدّى-بإصرار وحزم- لهذا المخلوق الضعيف المضر والمزعج(البَعوض/ الناموس)، وأن نجعل من ذلك قضية وطنية-بامتياز- نلتف حولها جميعا، بكل ما أوتينا من قوة ووسائل. وبذلك ننتصر على هذا العدو الذي يتسلل إلى أجسادنا في الظلام ليحقنها بسمومه الفتاكة.