كما كان متوقعا على نطاق واسع قررت منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» أمس الخميس الإبقاء على سقف إنتاجها النفطي دون تغيير، رغم وجود فائض في المعروض العالمي من النفط مما أدى إلى انخفاض أسعاره بشكل كبير (30٪ منذ حزيران/يونيو الماضي).
وفي مؤتمر صحافي اعلن عبد الله البدري الأمين العام للمنظمة «لقد تناقشنا وفي النهاية قررنا الاحتفاظ بالثلاثين ملايين (برميل في اليوم) كمستوى (انتاج) للاشهر الستة المقبلة».
وفي الأسواق هوت أسعار العقود الآجلة لخام برنت القياسي أكثر من 6 دولارات إلى 71.25 دولار للبرميل، وهو أدنى مستوى لها منذ يوليو/تموز 2010، بعد انتشار خبر ان «أوبك» قررت عدم خفض سقفها الإنتاجي. ولكنها قلصت خسائرها بعد ذلك ليجري تداولها في أحدث التعاملات منخفضة 4.94 دولار إلى 72.84 دولار للبرميل.
وتراجع سعر الخام الأمريكي بشكل حاد أيضا إلى 67.75 دولار للبرميل، وهو أدنى مستوى له منذ مايو/أيار 2010، قبل أن يقلص خسائره إلى 4.65 دولار ليجري تداوله عند 69.04 دولار للبرميل.
وكان بعض أعضاء الكارتل النفطي المتضررون ماليا جراء هبوط الأسعار، وعلى رأسهم فنزويلا، قد دعوا إلى خفض سقف انتاج «أوبك»
للحد من النفط الفائض في الأسواق والذي قدره بعض المحللين بـ1.5 مليون برميل يوميا، والناجم عن فورة النفط الصخري الأمريكي، والتباطؤ الاقتصادي المسجل حاليا في اوروبا والصين والذي يكبح استهلاك النفط.
وقبل الاجتماع الوزاري لإوبك أمس في فيينا دعا عدد من اعضاء «أوبك»، بينهم فنزويلا وإيران، إلى العمل مع الدول النفطية التي لا تنتمي إلى المنظمة من اجل إعادة التوازن إلى السوق، وجرى اجتماع مع ممثلين عن روسياوالمكسيك (وهما ليستا عضوين) الثلاثاء الماضي في فيينا، ولكن بدون التوصل إلى اتفاق على خفض معمم للانتاج.
وكان وزير البترول السعودي علي النعيمي ونظيره الإماراتي سهيل بن محمد المزروعي قد قالا أمس الأول انهما يتوقعان أن تستقر سوق النفط من تلقاء نفسها، ملمحين إلى انه لاتوجد حاجة لخفض أنتاج «أوبك».
بينما قال وزير النفط الكويتي، علي صالح العمير، ان على المنظمة أن تقبل بأي سعر تمليه السوق سواء 60 أو 80 أو 100 دولار للبرميل. وقال وزير النفط العراقي عادل عبد المهدي إنه يتوقع أن تجد أسعار النفط دعما عند 65 إلى 70 دولارا للبرميل.
وقال أوليفييه جاكوب من «بتروماتركس» الاستشارية «نفهم من هذا أنالسعودية تروج لفكرة أنه ينبغي أن تنخفض أسعار النفط في المدى القصير بحد أدنى عند 60 دولارا للبرميل كي تنعم باستقرار أكبر في السنوات القادمة عند 80 دولارا فأكثر.»
وأضاف «بعبارة أخرى من مصلحة أوبك أن تتعايش مع الأسعار المنخفضة لفترة وجيزة من أجل كبح جماح مشاريع التطوير في الولايات المتحدة.»
ويرى محللون ان خفض انتاج «أوبك» كان يمكن ان يسبب للكارتل امكانية ان يخسر اعضاؤه حصصا في السوق لصالح دول منتجة أخرى الا في حال عمدت هذه الاخيرة إلى خفض مماثل لانتاجها.
وتتصدر مسألة التصدي لإنتاج النفط الصخري الأمريكي وتداعياته قائمة أولويات السعودية. وبحسب بعض المحللين، فان السعودية ستسر بان تتأذى الدول المنتجة للنفط الصخري، وحتى بعض دول «أوبك» ايضا، من تراجع الأسعار.
وأمس الأول قال المحلل الاقتصادي السعودي عبد الوهاب ابو داهش ان «السعودية ستحاول ان تطلق رصاصة الرحمة على منافسيها الذين ينتجون النفط الصخري».
وبحسب هذا المحلل ومحللين آخرين، فإن السعودية القوية ماليا يمكنها ان تتحمل تداعيات انخفاض الأسعار «لسنتين او ثلاث سنوات».
وبالرغم من قدرة السعودية، ومعها الكويت والامارات وقطر، على تحمل فاتورة اي خفض للانتاج، الا انها لن تقوم بخفض إنتاجها بحسب الخبير فهد التركي من مؤسسة جدوى للاستثمار، وذلك «لانها ستخسر حصتها من السوق».
وبحسب احصائيات أمريكية رسمية، فقد انخفضت الصادرات النفطية السعودية إلى الولايات المتحدة بنسبة 30 في المئة، من 1.25 مليون برميل يوميا في تموز/يوليو إلى حوإلى 900 الف برميل في اب/اغسطس، وان كانت المملكة تبقى ثاني مورد للنفط بالنسبة إلى الولايات المتحدة بعد كندا.
وبحسب دراسة نشرها مصرف «كومرتس بنك» فان السعودية تريد ان «تركز اكثر على حماية حصتها في السوق الأمريكية» امام تنامي إنتاج النفط الصخري.
وقبل أسابيع خفضت المملكة سعر نفطها المصدر إلى الولايات المتحدة ما اسفر عن تراجع بمقدار دولارين في أسعار النفط العالمية، وقامت في الوقت نفسه برفع سعر نفطها المصدر إلى آسيا وإلى مناطق اخرى.
وقال التركي «ان المستفيدين الوحيدين من خفض العرض هم منتجو النفط الصخري الذين يخسرون حاليا الكثير من المال مع انخفاض أسعار الخام».
وسمحت الابتكارات التقنية بتعزيز انتاج النفط الصخري بشكل كبير في أمركا الشمالية، وقد ارتفع الانتاج النفطي الأمريكي بفضل ذلك بنسبة 40٪ منذ العام 2006، الا ان كلفة انتاج النفط الصخري هي اكبر بثلاثة او اربعة اضعاف كلفة انتاج النفط في الشرق الاوسط.
وقال التركي انه اذا ما انخفضت الأسعار إلى 70 دولارا للبرميل، «فسيعاد النظر في قدرة منتجي النفط الصخري على الاستمرار».
وبحسب هذا الخبير فان السعودية ليست مضطرة إلى اجراء خفض كبير في انتاجها، اذ ان استمرار تراجع الأسعار سيدفع منتجي النفط الصخري إلى الخروج من السوق ما سيؤدي إلى انخفاض الفائض في العرض وبالتالي ارتفاع الأسعار مجددا.
وقال التركي ان «السعودية مرتاحة مع هذا الوضع».
وقالت دراسة نشرتها مؤسسة «كابيتال ايكونوميكس» ان السعودية في «وضع قوة» اقتصاديا مقارنة مع باقي اعضاء اوبك، وهي قادرة على مواجهة الضغوطات من اجل خفض انتاجها. وأضافت انه «على المدى الطويل، تريد السعودية ان يصب انخفاض الأسعار في مصلحتها» من خلال تحفيز الطلب.
وخلصت الدراسة إلى القول ان «السعوديين سيكونون من جهة اخرى مسرورين ايضا بان يرزح منتجون غير اصدقاء لهم في الشرق الاوسط، لاسيماايران، تحت الضغط».