أحبطت السعودية أمس الأول دعوات من أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» لخفض الإنتاج لوقف انهيار أسعار النفط العالمية، وهو ما هوى بأسعار الخام القياسي لأدنى مستوياته في أربع سنوات.
وذكرت «أوبك» في بيان أن الأعضاء اتفقوا على بقاء سقف الإنتاج عند 30 مليون برميل يوميا، وهو أعلى بمليون برميل على الأقل من تقديرات أوبك للطلب على نفطها في العام المقبل.
وخسر سعر برنت أكثر من ست دولارات ليصل إلى 71.25 دولار للبرميل، بعدما ترك أعضاء المنظمة الذين اجتمعوا في فيينا سقف الإنتاج دون تغير، برغم الفائض الهائل في المعروض العالمي في تحول كبير عن سياسة طالما تبنتها «أوبك» بالدفاع عن الأسعار.
وتمهد هذه النتيجة لمعركة على الحصص في السوق بين دول «أوبك» والدول الأخرى، نظرا لهبوط الأسعار بالفعل بنحو الثلث منذ يونيو/حزيران بسبب طفرة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، إلى جانب ضعف النمو الاقتصادي في الصين وأوروبا.
وقال وزير البترول السعودي علي النعيمي لدى خروجه مبتسما عقب الاجتماع الذي استمر خمس ساعات «كان قرارا عظيما».
وكان النعيمي قد أبلغ زملاءه خلال الإجتماع أن عليهم أن يكافحوا طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة، رافضا خفض إنتاج الخام بهدف الضغط على الأسعار وتقويض ربحية المنتجين في أمريكا الشمالية.
ورجحت كفة النعيمي في الاجتماع على غير رغبة وزراء آخرين من أعضاء أقل ثراء في أوبك، مثل فنزويلا وإيران والجزائر، كانوا يريدون خفض الانتاج للتصدي للانخفاض السريع في أسعار الخام.
وكانت تلك الدول نفسها غير مستعدة لعرض تخفيضات كبيرة وأذعنت في النهاية لضغوط النعيمي، مفضلة عدم الاصطدام بالسعودية وحلفائها الخليجيين الأثرياء الآخرين.
وقال مصدر تحدث مع وزير من خارج «أوبك» عقب اجتماع الخميس «تحدث النعيمي عن التنافس على الحصص بالسوق مع الولايات المتحدة. وأدرك من كانوا يريدون خفض الانتاج أنه لا يوجد خيار لتحقيقه لأن السعوديين يريدون معركة على الحصص بالسوق».
وقال مندوب لدى أوبك من دولة طالبت بخفض الانتاج «أتعتقد أننا اقتنعنا؟ هل كان أمامنا خيار آخر؟»
وأكد عبد الله البدري الأمين العام للمنظمة فعليا أن المنظمة بصدد دخول معركة على الحصص بالسوق. وقال يوم الخميس ردا على سؤال عما إذا كان لدى المنظمة رد على تزايد انتاج الولايات المتحدة «لقد قدمنا الرد. نحن نبقي مستوى الانتاج دون تغيير. هذا فيه رد».
وقال محللون إن قرار عدم خفض الانتاج في مواجهة الهبوط الحاد للأسعار شكل تحولا استراتيجيا بالنسبة لأوبك.
وقال المندوب لدى أوبك «أوبك فقدت المصداقية. لا أعلم كيف يمكن عمليا السعي لإخراج النفط الصخري من السوق».
وخرج عدد من وزراء أوبك الذين كانوا يريدون خفض الانتاج من الاجتماع وقد بدت عليهم خيبة الأمل والتزموا الصمت لعدة ساعات برغم أنهم قالوا عندما تحدثوا لاحقا إنهم قبلوا القرار.
وقال رفاييل راميريز وزير خارجية فنزويلا ردا على سؤال عما إذا كانت هناك حرب أسعار داخل أوبك «نحن متحدون.»
واضاف «تتصارع أوبك دوما مع الولايات المتحدة لأن الولايات المتحدة تعلن أنها دائما ضد أوبك … النفط الصخري كارثة من حيث وسيلة الانتاج… لكنه أيضا باهظ التكلفة. وسوف نرى ما سيحدث بشأن الانتاج.»
وقال مندوب خليجي لدى أوبك إن النعيمي طمأن الأعضاء بأن سعر الخام سيتعافى لأن الطلب سينتعش في نهاية المطاف. لكنه أصر على أنه إذا خفضت أوبك الانتاج فسوف تفقد حصة بالسوق.
وقال آخر «التوصل إلى قرار نهائي تطلب وقتا طويلا لإقناع الآخرين.»
وأشار عدد من المحللين إلى أن ظهور تأثير على انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة سيحتاج شهورا طويلة.
وقال الدكتور غاري روس، الرئيس التنفيذي لمجموعة «بيرا إنرجي غروب» الاستشارية «هذا عالم جديد بالنسبة لأوبك لأنه ببساطة لم يعد بوسعها التحكم في السوق. إنه دور السوق الآن لإملاء الأسعار ومن المؤكد أنها ستواصل الهبوط.»
وأوضحت دول الخليج الثرية أنها مستعدة لتحمل الانخفاض في الأسعار، والذي أضر بدول أخرى مثل فنزويلا وإيران العضوين في المنظمة واللتين تواجهان ضغوطا كبيرة على الميزانية ولا يمكنهما تحمل خفض الإنتاج وحدهما. ودعت فنزويلا والجزائر في السابق إلى خفض الإنتاج بما يصل إلى مليوني برميل يوميا.
وقال وزير الخارجية الفنزويلي رفاييل راميريز إنه يقبل القرار باعتباره قرارا جماعيا، وعبر عن أمله في أن يساعد انخفاض السعر في خروج بعض إنتاج النفط الصخري الأمريكي المرتفع التكلفة من السوق.
وخلا بيان أوبك عقب اجتماعها من أي ذكر لضرورة التزام الأعضاء بهدف سقف الإنتاج الحالي، أو أي اجتماع استثئنائي لبحث سقف الإنتاج قبل اجتماع دوري مقرر في يونيو/حزيران المقبل.
وتنتج أوبك نحو ثلث النفط العالمي.
وقد تجعل حرب أسعار محتملة بعض مشروعات النفط الصخري المستقبلية في الولايات المتحدة غير تنافسية بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج وهو ما يخفف ضغوط المنافسة على «أوبك» في المدى البعيد.
وقال أوليفييه جاكوب من بتروماتركس الاستشارية «نفهم من هذا أن السعودية تروج لفكرة أنه ينبغي أن تنخفض أسعار النفط في المدى القصير بحد أدنى عند 60 دولارا للبرميل كي تنعم باستقرار أكبر في السنوات القادمة عند 80 دولارا فأكثر.»
وإضاف «بعبارة أخرى من مصلحة أوبك أن تتعايش مع الأسعار المنخفضة لفترة وجيزة من أجل كبح جماح مشاريع التطوير في الولايات المتحدة».
من جهته قال وزير النفط الكويتي أمس الأول ان قرار «أوبك» جاء بسبب مخاوفها من فقدان حصتهل في السوق. وأضاف «اليوم هناك الكثير من المنافسين وأوبك لا تضخ سوى ثلاثين في المئة من الإنتاج العالمي». وتابع «كان لا بد من اتخاذ القرار الصحيح بعدم خفض الإنتاج لان اي خفض يمكن ان يعوضه (منتجون) آخرون موجودون في السوق».
وقال ايضا «لذلك قررنا ان الاسعار يجب ان تصحح تبعا للعرض والطلب وانه على اوبك حماية حصتها من السوق حتى لا تفقد زبائنها».
واكد العمير ان «اوبك لن تقبل بعد أمس بتحمل العبء الإضافي لخفض الإنتاج بينما يسارع آخرون إلى زيادة إنتاجهم».
وقال فيل فلين الخبير في مجموعة «فيتشرز» ان «أوبك ستواصل إغراق العالم بنفطها على أمل انهاء إنتاج النفط الصخر الاميركي» الذي تهدد فورة إنتاجه حصص اعضاء اوبك في السوق.
وإضاف ان «الوسطاء يعرفون ما هي المسألة، وإن كان الأمين العام لأوبك عبد الله البدري أكد انهم لا يريدون توجيه اي اشارة إلى أحد. انه اعلان حرب بشأن الإنتاج. كل الكميات مطروحة واوبك تغامر بوجودها».
وقال كريستوفر ديمبيك، المحلل في «ساكسو بانك» في باريس «انه انتصار لتحالف دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية والكويت». وأضاف «انهم يملكون احتياطات كافية لتحمل سعر منخفض».