ارتفع الروبل الروسي بشدة أمس الأربعاء، بعد انخفاض حاد على مدار اليومين الماضيين، إذ ضغطت الحكومة على شركات التصدير لعدم الاحتفاظ بأرباحها بالعملة الصعبة، وأعلن البنك المركزي عن إجراءات جديدة لدعم الاستقرار المالي.
وزاد الروبل نحو تسعة في المئة أمام الدولار، وسط تعاملات متقلبة مدعوما بخطط البنك المركزي لتبديد القلق بشأن سداد الديون الخارجية للشركات الروسية وتحقيق الاستقرار للروبل.
وشهد المتعاملون أيضا مبيعات للعملة الأجنبية من قبل شركات التصدير ترجع في جزء منها لقرب فترة تحصيل الضرائب.
وفي الساعة 1530 بتوقيت غرينتش زاد الروبل تسعة في المئة إلى 61.50 مقابل الدولار، ونحو عشرة في المئة أمام اليورو عند 76.55 روبل.
كانت العملة الروسية تعرضت لضغوط بيع شديدة هذا الأسبوع وتراجعت 20 في المئة تقريبا امام الدولار امس الأول، مما أثار مخاوف من حدوث انهيار مالي رغم قرار البنك المركزي رفع سعر الفائدة الرئيسي 6.5٪ إلى 17٪.
وبالرغم من هذا التعافي المتواضع مازال الروبل منخفضا 45 في المئة تقريبا أمام الدولار هذا العام، مما يجدد ذكريات أزمة 1998 حينما انهارت العملة الروسية خلال بضعة أيام.
ويشكل هذا تحديا كبيرا للرئيس فلاديمير بوتين الذي يهدد هبوط الروبل شعبيته التي تستند جزئيا إلى تحقيق الاستقرار والرخاء، إذ يقوض هذا الهبوط مصداقية روسيا أمام المستثمرين.
وفي وقت سابق أمس دعا رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف كبار شركات التصدير الروسية إلى التصرف «بمسؤولية» في عائداتها من النقد الأجنبي عقب اجتماعه برؤساء شركات حكومية منها «غازبروم» و»روسنفت».
من جهة ثانية صرحت متحدثة باسم وزارة المالية الروسية أمس ان الوزارة تقوم ببيع عملاتها الاجنبية لدعم الروبل. وقالت المتحدثة سفيتلانا نيكتينا ان «وزارة المالية تعتبر الروبل اقل من قيمته الحقيقية بكثير، وبدأت في بيع فائض العملات الاجنبية لديها في السوق».
وقالت وزارة المالية انها تملك نحو 7 مليارات دولار لدعم الروبل، واكدت «سنفعل ذلك للمدة الضرورية».
الا ان الحكومة تتردد في المساس بصندوق الضمان الوطني الطارئ المقدرة قيمته بنحو 3 ترليون روبل.
ونقلت وكالات الأنباء الروسية عن نائب وزير مالية روسيا ألكسي مويسيف قوله ان الحكومة ستواصل بيع العملات الأجنبية «مادام ذلك ضروريا» في مواجهة اضطراب الروبل.
واسفر اجتماع طارئ للحكومة دعا اليه رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف أمس الأربعاء عن اصدار «قائمة بالاجراءات التي ستساعد على استقرار الوضع»، بحسب وزير الاقتصاد اليكسي اوليوكاييف، نافيا الشائعات حول فرض ضوابط على حركة رؤوس الاموال.
وقال الوزير بعد الاجتماع «حددنا مجموعة من الاجراءات يجب ان تتيح استقرار الوضع المعقد جدا».
واضاف ان هذه الاجراءات تقضي بـ»ضمان إقامة توازن بين العرض والطلب في سوق الصرف عبر زيادة السيولة المقدمة إلى المصارف الروسية».
كما تتضمن الاجراءات ايضا آليات دعم للقطاع المصرفي لضمان عمله بشكل سلس وعبر «إعادة رسملة» بعض المؤسسات.
على صعيد آخر ذكر خبراء اقتصاديون في «كابيتال ايكونوميكس» الاستشارية في لندن بان استراتيجية البنك المركزي برفع أسعار الفائدة يترتب عليها ثمن هو «تشديد جديد في شروط القروض للأسر والشركات وتراجع اكبر في الاقتصاد الفعلي عام 2015».
فمع معدل فائدة رئيسية بمستوى 17٪ فان اي قرض عقاري سيمنح من الان فصاعدا بنسبة فائدة لا تقل عن 22٪، وفق حسابات موقع «لينتا.ار.يو»، وهو مستوى يصعب على الأسر احتماله في وقت تراجعت قدرتها الشرائية نتيجة ارتفاع الاسعار.
ولاحظ مراقبون ان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لم يدل باي تصريحات حول الازمة الاقتصادية هذا الاسبوع، الا ان المتحدث باسمه قال ان هذه مسألة تتعلق بالحكومة وليس بالكرملين. وكان بوتين وصف المشاكل الاقتصادية مرارا بانها مؤقتة.
ورأى بعض المراقبين السياسيين ان الأسباب وراء انهيار الروبل لا تعود لمسائب اقتصادية فقط.
وقالت المراقبة السياسية يوليا لاتينينا «ان قيمة الروبل تعكس قيمة حكم بوتين في أعين السوق .. تستطيع ان تخدع الناخبين ولكن لا تستطيع ان تخدع الأسواق».
إلا ان ديمتري بسكوف المتحدث باسم بوتين عزا الاضطرابات الاقتصادية الى «العواطف والمضاربات».
كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان لديه «اسبابا جدية للغاية» تدفعه الى الاعتقاد ان العقوبات الغربية هي محاولة لتغيير النظام في موسكو.
ويعتقد العديد من خبراء الاقتصاد ان انهيار الروبل يعكس ازمة ثقة في الاقتصاد الروسي وسط المواجهة بين بوتين والغرب وعدم استعداد بوتين لتغيير نهجه في أوكرانيا.
واعرب العديد من الروس عن صدمتهم لانهيار الروبل. وقالت مواطنة اسمها يوليا وهي واقفة في صف انتظار امام احد مصارف موسكو «الوضع في البلاد غير مستقر على الاطلاق، وهذا يخيفني كثيرا» مضيفة «اخشى ان نعود الى الوضع الذي كان سائدا في التسعينيات».
وحتى دون التوترات والعقوبات بسبب اوكرانيا فان انهيار اسعار النفط هو مصدر قلق لروسيا التي تستمد نصف عائداتها من صادرات النفط والغاز.