من غير المقبول و لا المعقول لجوء كاتب متمرس - أو هكذا يفترض به، كالسيد توفيق المديني - إلى تسْطير مشاهدات سطحية غير علمية عن بلد مغاربي رائد في ميدان الديمقراطية و حقوق الإنسان كموريتانيا.
ففي مقاله الأخير المنشور بتاريخ 27-06-2014 و المعنون جزافا ب " موريتانيا و التحديات الديمقراطية " يتوقع القارئ أن " توفيق " ، الذي لم يصاحبه التوفيق هذه المرة ، سيأتي بما لم يأت به الأوائل !... لكن المكتوب لم يكن على المستوى المتوقع.
فالمدخل الذي اختار " المديني " الولوج منه، كان في حقيقته مخْرَجَ طوارئ أفقد مقاله الرزانة من أول وهلة، و كشف عن ساقيْ عدم مصداقيته.
فقد اختار الكاتب البدء بجملة " الجنرال " و " الرئيس المنتخب الذي تم الانقلاب عليه " ، ليقفز بشكل بهلواني إلى النتيجة:
" وفي18 يوليو2009 تم انتخاب الجنرال محمد ولد عبدالعزيز رئيسا لموريتانيا".....
دون أن يكلف قلمه كتابة الحقيقة التي تقول: قدّم الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله استقالته و جرت انتخابات ديمقراطية نزيهة و شفافة، شارك فيها جميع الفرقاء السياسيين، و تمت مراقبتها دوليا، و فاز بها المرشح محمد ولد عبد العزيز.
و سافر كاتبنا الجهبذ في الزمن الموريتاني بسرعة تقترب من سرعة الضوء، لو كان أنشتاين بيننا لكان سعيدا جدا !!...سافر " توفيق " ليصل إلى تاريخ 21 يونيو 2014 ، و هو يوم تصويت الموريتانيين لاختيار رئيسهم، و كعادته، سرد الكاتب بعض ما سمع و شاهد في بعض الفضائيات و المواقع الالكترونية المغرضة ، متجاهلا - كعادته السالفة - ما عبر عنه المراقبون الدوليون من تقدير و احترام لجو الشفافية و النزاهة اللتين شهدتهما العملية الانتخابية الموريتانية.
و هنا تظهر عُقدة نَصّ " توفيق المديني " التي ستبقى دون حلٍّ في مقاله، ألا و هي : المرشح بيرام ولد اعبيدي، الذي أسماه ب " متبني ملف العبودية في موريتانيا " و " العازم على وضع حد لحُكم العرب " في موريتانيا.....
أنا لا أمازحكم، فهذا هو الأسلوب الذي ارتضاه " توفيق " لمقاله !!.
كما أنه من المعيب و المخل بالمصداقية ، ما أورده الكاتب من إحصائيات لا تستند على معطيات علمية من جهة رسمية، حيث كتب أن نسبة إحدى الشرائح العرقية الموريتانية تصل إلى 40% من مجموع السكان، و لم يذكر " توفيق " مصدر رقمه السحري هذا، و أنا أسأله : هل سبق لموريتانيا أن اعتمدت إحصاء عرقيا لشعبها ؟!....
ما هكذا تورد الإبل يا " توفيق " !!.
يُكْمل الكاتب ما قد يظنه البعض - خطأً - كتابةَ متخصص في سوسيو لوجيا العقل الموريتاني، فيقول:
" وهناك مسألة العبودية في موريتانيا، فالخصوصية الحقيقية للنظام العربي- البربري أو الموري في موريتانيا، لا تعود إلى أنواع السلوك العبودي التي مورست، وإنما إلى الدرجة التي بلغتها في مستوى السلوك العبودي العام ". انتهى الاستشهاد.
فالناظر للأسطر أعلاه، يعتقد أنها فقرة من رسالة لعريف في الجيش الفرنسي أيام احتلاله لموريتانيا بدايات القرن العشرين، و ليس لكاتب تونسي شقيق يعيش في القرن الواحد و العشرين .
فكيف تكون العبودية موجودة في موريتانيا، بحسب الإحالات الذهنية لتوفيق المديني، و اللجنة المستقلة للانتخابات و المجلس الدستوري و الجمعية الوطنية الموريتانية يتولى رئاستهم مواطنون موريتانيون من العرب السمر ؟! و كيف يكون مرشحان رئاسيان من أصل خمسة هما من نفس الشريحة ؟!... ففي موريتانيا يتساوى الجميع في الفرص و أمام القانون يا " توفيق ".
تتوالى صولات و جولات الكاتب كخبط عشواء، فيزعم أن عشرات آلاف الموريتانيين الأفارقة هم على خطيْ الحدود بين موريتانيا و السنغال و موريتانيا و مالي، متجاهلا تسوية ملف الإرث الإنساني و تعويض الآلاف عن ما عانوه من ظلم في عهود ماضية.
بعد ذلك التخبط، يعود كاتب مقال " موريتانيا و التحديات الديمقراطية " إلى الإعلام الموريتاني إبان الحملة الرئاسية، ليجمع منه معلومات عامة عن تلك الحملة ليوظفها لاحقا كخبير بالشأن الديمقراطي الموريتاني !!...
و كانت إنجازات الرئيس محمد ولد عبد العزيز في مأموريته الأولى، قد وجدت هي الأخرى نصيبها من التجاهل و التمييع في مقال " توفيق المديني " ، و إن كان ذلك في حقيقة الأمر لن ينسف ما تم على أرض الواقع من إنجازات تمت في الخمسية الأولى للسيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز .
و يختم صاحبنا ما كتبه بما أراد له أن يكون القنبلة المزدوجة التي تفتك بالحداثة و الديمقراطية في موريتانيا، حيث كتب " المديني " ما نصه:
"هناك عوائق بنيوية تقف بين الدولة الموريتانية التي هيمن عليها العسكر لأكثر من أربعة عقود وانتصار الفكرة الديمقراطية والحريات في بلد لا يزال يحبو على طريق الحداثة، مثل موريتانيا، الذي رغم أنه عرف نموا كبيرا لحركات معارضة فإنها لم تستطع أن تكون مجتمعا مدنيا قادرا على الصمود أمام وطأة الدولة، وعلى التفاوض مع هذه الدولة، وبالتالي على تزويد المجتمع السياسي باستقلاليته الفعلية"......
فيا ترى كيف تنمو الحركات المعارضة نموا كبيرا في بلد لا زال يحبو على طريق الحداثة و يحكمه العسكر و تنعدم فيه الديمقراطية و الحرية ،بحسب المفهوم " التوفيقي " ؟!
من الصعب جدا على " توفيق المديني " إجابتنا على هذا السؤال الإشكالية، و من الصعب عليه كذلك إقناعنا بأنه كاتب يجيد معرفة ما يكتب عن موريتانيا.
إن " توفيق المديني" الذي اختار الكتابة هذه المرة بالأبيض و الأسود ، قد وقع - للأسف - في فخ المعالجة السطحية السريعة التي لا تهدف إلى الموضوعية بقدر ما تسعى لتحقيق غايات في نفس صاحبها، فجاء مقاله مبتورا خالٍ من أية قيمة معرفية حقيقية.
بقلم : محمد محمود ولد محمد أحمد - كاتب صحفي موريتاني