من الواضح جليا والذي لا يخفى على أي متتبع للساحة السياسية أن جل النقاشات والحوارات حول معالجة الأزمة السياسية الخانقة والتي لا تذهب ظمئا ولا تغنيى من جوع عبر وسائل إعلامنا المرئية والمقروءة و الثلاثة عشر إذاعة محلية والتي تفتقد صحافتها إلى الموضوعية في المواضيع المطروحة للنقاش والتحاور والكفاءة في إدارة المواضيع الحساسة والبناءة خاصة المتعلق منها بالقضايا الوطنية (كالوحدة الوطنية، واللحمة الاجتماعية، ومقدرات الدولة والأمن والذي مهمته ضبط كل كبيرة وصغيرة تضمن استمرارية المحافظة على الحوزة الترابية والحيز الجغرافي للوطن.
فحري بنا جميعا كنخبة وطنية، السياسي منا والاقتصادي والاجتماعي والمتخصص في التنمية البشرية والفقيه والمرشد الديني أن نعترف أن أي حوار لا وسطية فيه فهو فاشل، فالأغلبية تريد ان تكون هي القيادة، والمعارضة في الحضيض والمعاهدة في الدرك الأسفل من النار ، والمعارضة هي الأخرى همها الشاغل بنود موقعة قبل الشروع في الحوار حتى تخرج هي البطل الذي لا يشق له غبار فتكون بذلك قد كسبت ثقة الشعب الموريتاني لأي استحقاقات قادمة سواء كانت رئاسية، بلدية نيابية ((والعظك ما عظيت أكول أعلنك أبلا سنين)) "إتفاقية دكار"، أما عن المعاهدة فحدث ولا حرج كأس كبير ومنفوع قليل، معنى ذلك أن ليس لها من الأمر شيئا مرة تنتصر للأغلبية ومرة للمعارضة لا إلى هؤلاء ولا إلى أولئك تنتظر فقط نتيجة او حصيلة المعركة بين منتدى المعارضة والأغلبية " منكم أغلب هو صاحبن" فهذا ليس ذم أو عيب تلام عليه المعاهدة فهو من فنون السياسة قديما و علوم السياسة حديثا بل هو فخر ونجاح للسياسي الماكر،
أما عن المجتمع المدني (المنظمات الحقوقية، والحركات والإنعتاقية، ومخلفات حركة الحر، والكونفدرالية، وميثاق الحراطين، وحركة أفلام، وأحزاب جيوب الثقة الذين يسميهم البعض ب ( Les poches de confiance) واللائحة تطول دورهم في هذا دور المتفرج على مباراة قدم يبدي مساندته للمبادر بالتسجيل من الفريقين وعندما تنقلب الكفة لصالح الفريق الآخر تراه يتقلب وجهه في السماء أين أولي وجهي، فولي وجهك قبلة ترضاها ودريهمات تجنيها.
إن السؤال الذي يطرح نفسه:
كيف يمكن للحوار أن يأتي أكله مادام يفتقد إلى قوة وطنية وسطية؟
إن التنظيمات السياسية الوطنية وللأسف تحتاج إلى ما يجمعها لا إلى ما يشتتها ويبعثرها، على حب شعبها ( قواعدها، منتسبيها، مناضليها إلخ...) والشوق إلى تحريرهم من الترحال السياسي الذي بات مرضا ينخر أفكارهم ويبيع ضمائرهم للولاء للأغلبية و المعارضة بشقيها، لو أنه تم تشكيل قوة وطنية وسطية تدير الحوار، او سميه ما شئت المصالحة الوطنية لما كنا نحتاج إلى حوار دكار ولا إلى الحوارات المتكررة الفاشلة ولما دفعت بنا الضرورة إلى الحوار المرتقب والذي هو أقرب إلى حوار سياسي بين نخب سياسية متناحرة ومتصارعة بدل أن يكون حوار وطني يشمل كل المكونات الدينية والسياسية والنخبوية والقبلية نحن مازلنا نعيش تحت القبلية شئنا أم أبينا شاء النظام والمعارضة ام أبيا فهذه سنة الله في خلقة وقد ورد ذلك في محكم كتابه ولا ننسى حكمته صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية فالحادثة معروفة في كتب السيرة وهي خير مثال يحتذى به للخروج بنتيجة مرضية من الحوار.
في حقيقة الأمر بات غائبا عن كل منا سواء نخبا أو سياسيين أو وطنيين، هل نحن ننتظر حوار سياسيا ام وطنيا، مرة يقال لنا الحوار سياسي ومرة أخرى وطني، إن كان الأمر يتعلق بحوار سياسي فلنتركه يجري بين مختلف الأطراف السياسية المتصارعة، بذلك تكون الأحزاب السياسية هي من تختار مندوبيها الى هذا الحوار، أما إن كان الحوار وطنيا اشمل واوسع ويشمل كافة الفئات والاطراف التي في تصورها أنها مقصية او مهمشة، هناك بعض الامور كان من الممكن ان تبدأ بها كل الأطراف السياسية الوطنية الأغلبية منها والمعارضة بشكل ادبي واخلاقي خاصة فيما يخص بالتهيئة للحوار وتلطيف الخطاب الاعلامي وتنوير الملعب السياسي، فهذه التزامات كان يجب على الأغلبية وأحزاب المعارضة البدء بها في أولى لقاءات الفريقين ولكن هذا يعتمد بدرجة اساسية على نية وصدق الأطراف السياسية، في نجاح بنود الحوار.. فجميع المكونات السياسية تتغنى بشروط للحوار وممهدات للحوار المشروطة واللامشروطة ، لكن الكل لم يقم بنقل هذه الشروط الى التنفيذ.
يمكنني القول بان الحوار المرتقب حسب تصوري وممارستي للسياسة في السنوات الماضية سيكون سياسيا لكن بنكهة وطنية نظرا للحاجة الماسة للحوار ورغبتنا جميعا للخروج من الأزمة السياسية الخانقة و ما آلت إليه الاوضاع بين صراع المعارضة المناوئة والمحاورة او المعاهدة والأغلبية من جهة، إخوتي السياسيين الماكرين المكر شكر وليس عيب، ليس المهم شكل الحوار ولا كيف يجري اهم شيء اننا بحاجه لحوار تلتقي حوله الاطراف السياسية ونخرج منه بحلول للازمة مع ملاحظاتي شخصيا على ممهدات المعارضة المناوئة ( منتدى الديمقراطية) بشأن حل كتيبة بازب إلخ... والمعاهدة التي تريد الرد مكتوبا والأغلبية المتعنتة والتي تحاول فقط دفع عجلة الحوار والقفز بالجميع إلى فرضية الدخول في حوار مازال في طوره التمهيدي وكأن الجميع يريد من قاضي القضاة الحكم لصالحه.
فأنا في اشد الخوف أن يكون هذا الحوار المرتقب كالجنين في أحشاء أمه بدايته نطفة ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظاما، فكسونا العظام لحما إلخ...، ثم يكتب رزقه وعمره وأجله.
إن المواساة الحقيقية لهذا المسكين المتعطش إلى إيجاد مخرج لنفسه، تتمثل في :
- تعجيل تنفيذ البنوده الممهدة والمشروطة واللامشروطة من طرف الاطراف الثلاثة
- صياغة الدستور بإضافة نصوص دستورية جديدة إن تطلب الأمر ذلك
- استحداث او إنشاء هيئة عليا أو قوة وطنية وسطية معنية ومشرفة على الحوار يشعر كل طرف انه ممثل فيها هذا ما يحتاجه هذا المسكين السجين
- معالجة حقيقة وجوهرية للمشاكل الكبرى وطي صفحة الماضي والشروع في ما هو أهم
- توفير كافة المقومات البشرية والمادية وجو ملائم لنجاح الحوار السياسي او الوطني
- استحداث نص او مادة في الدستور تلزم الجميع فرضية التعايش السلمي وإحترام الرأي والرأي الآخر والابتعاد عن الملاسنات والتهم الباطلة و تعاقب كل مرتكبيها في حق القيادات العليا للبد ( كرئيس الجمهورية، ورؤساء أحزاب المعارضة المناوئة منها والمعاهدة وإحترام شخصياتهم بعيدا عن التنكيل والتجريح بهم فهم مواطنون يلزم إحترامهم.
- هذا المسكين يريد من نفسه أن يكون حوارا متمدنا إذا أعانته النخبة في ذلك
وفي الأخير لو فشل هذا الحوار لا قدر الله فما مآلنا وما هو البديل؟.
إنها لآخر فرصة فإما إلى الجنة وإما إلى النار فعلى الكل اغتنامها؟
تصور أخي القارئ، المثقف، السياسي، الفقيه، المرشد، المتخصص في علم الاجتماع، كل من ناحية تخصصه، يلاحظ جيدا بل ويلتمس إن صدق كل منكم نفسه تعطش كل القيادات الوطنية إلى الوصول إلى سدة الحكم وأي حكم هذا إنه الخزي والعار والحقوق الكثيرة المترتبة على ذلك في الدنيا والآخرة والخروج بسمعة سيئة على الصعيدين الوطني والدولي، إن لم يكن فيه المواطن يشعر بعدالة اجتماعية، اقتصادية، إدارية، سياسية، أما على مستوى الأحزاب فهنالك عزوف كبير للشباب عن السياسة بسبب الإقصاء والتهميش والبطالة والوعود الكاذبة، هنالك تناحر بين فئة الشباب على قيادة الأحزاب وخير مثال على ذلك حزب الحراك وحزب الوحدة من أجل التنمية واللائحة تطول وحتى في الأحزاب المحسوبة على المعارضة حدث ولا حرج كبرياء تطاول دكتاتورية رفض التناوب على قيادة الحزب إلخ....،
تأمل أخي القارئ جل الأنظمة المتعاقبة على بلادنا كان هذا هو نهجها إلا من رحم ربك.. الصراع قديم منذ نشأة الدولة الموريتانية، إنها مخلفات المستعمر هو من صنع منا سياسيين متناحرين على كرسي الحكم وحب السلطة والتسلط بدون شكل حضاري يضمن لنا مواكبة كل مستجد، لكنهم عرفوا أننا مجمتع بدوي نعيش ( فوضية البادية وإباحية المدينة) فكانت الفرصة سانحة لهم لنشر الفوضى الفكرية وتركونا نتخبط في الظلام الدامس ولم تسلم من ذلك مجتمعات الدول النامية.
من هنا علينا أن نخرج من هذه الفوضية ونضع أنفسنا وخاصة قيادات البلد الرئيس ورؤساء أحزاب المعارضة المعروفون أما مسؤولياتهم كل يمسكن جانه من الرداء ( الحوار) ولا يتركه يذهب أدراج الرياح حتى نصل إلى حوار بناء وشفاف يرضى كل منا فيه عن مساهمة الآخر في نجاحه.
وفي الأخير إذا حدث العكس لا قدر الله، فإني استبق الأحداث لأكون أول من يعزيه ويواسيه من صميم قلبي، لأن غيابه سيترك فراغا واسعا ليس بالسهل ملئه، فنكون قد فرطنا في خدمة شعبنا الشنقيطي الغالي وربما قد نتركه لمستقبل مجهول.
يقول الله تعالى " وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"
وللحديث بقية عن السياسة الوطنية والمحلية والتي آن الأوان لتسليط الضوء عليها
الكــــاتب والمــــــــدون
محمد ولد رمظـــــــــــان
مقاطعة بـــــــــــــــــــــــــوكى