معظم الفضائيات العربية بأغلبها، حشيش عالي الجودة، وعموم ما تقدمه أصناف متفاوتة حسب ذوق المتلقي!
ومن بين كل تلك الأصناف التي نتجرعها يوميا بمواقيت محددة، وحسب المزاج، يظهر الفنان الفلسطيني المبدع عماد فراجين على شاشة تلفزيونفلسطين مع أول قصف على غزة ليتحدث بلهجته الفلسطينية المحببة والقريبة للقلب ليعطينا جرعة حقيقة موجعة، تحدث فينا بما نحاول ان نتجنب التفكير به كعرب. لقد تحدث فراجين ببساطة وعفوية مرتجلة أجبرت من شاهده أن يخرج رأسه «النعامي» من كثبان رمال الفضائيات.
لكن، وكالعادة، رمال الفضائيات من النوع المتحرك.. فانزلقنا من جديد في عمقها اللا متناهي.. حشيش الفضائيات حالة إدمان، وغزة ليست أكثر من إدراج عابر على الـ»فيسبوك».. وتسلم إيدين اللي لف السيجارة الدرامية للعالم العربي!
وطن ع وتر
وهذه كوميديا حقيقية بامتياز، لم أجد صعوبة في هضمها، كما لم أجد مقاومة في متابعة ما فاتني منها عبر الـ»يوتيوب» كلما سنحت لي الفرصة.
لطالما اعتقدت أن الفضائية الفلسطينية ستكون متخمة بحشو فضائي يتناسب وسياسات السلطة الفلسطينية، لكن متابعة تلك الفضائية في الأيام الأخيرة جعلتني أشكك باعتقادي وربما أن في الفضائية الفلسطينية إدارة مستقلة عن سياسات السلطة.
الفضائية الفلسطينية التي «صحصحت» أخيرا لترتقي مع مستوى الحدث في غزة، أعادتنا بالذاكرة إلى أيام الانتفاضة الفلسطينية الأولى في الثمانينات، وصارت تبث الأغاني التي عهدنا سماعها حينها قبل عصر الفضائيات عبر إذاعة القدس، على طريق تحرير الأرض والإنسان!! والتي اختفت عن الأثير تماما بعد أوسلو وملحقاتها التحريرية، فراحت الأرض، وتدمر الإنسان…أما تحرير، فلقد تزوجت وأنجبت كوم اتفاقات!
أجندات فضائية في الدراما
سياق أوسلو ترافق مع ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إياها، وكانت الفضائيات الظاهرة حديثا، أدوات «اللعب» الجديدة والمتنوعة وفائقة القدرات.
قناة «أم بي سي» قبل تفريخها كانت من أوائل المحطات في الفضاء العربي، وأنا شخصيا من رواد هذه القناة – وكل فراخها فيما بعد- بما يجعلني أدقق كثيرا وبعين المراقب في ما تقدمه من محتوى برامجي أو درامي، وعلى الرغم من أن صناعة الترفيه في تلك القناة تحاول المقاربة دوما مع صناعة الترفيه العالمية الاستعراضية، إلا أنني لم أستطع أيضا أن أفوت ملاحظة لصديق لي كثير الغلبة، حين لفت انتباهي إلى أمر، كان لبيدو عاديا لولا غلبته في التدقيق.
فقناتي المفضلة ذات خصوبة الإنجاب العالية لقنوات وليدة، تبث في رمضاننا هذا العام، مسلسلا تم تقديره أنه الأضخم إنتاجا في تاريخ الدراما، ونعني «سرايا عابدين»!!
المقالات كثيرة من متخصصين حول كم الأخطاء التاريخية الهائل في المسلسل الذي لو أطفأت خاصية الصوت أثناء متابعته، لدخلت في متعة متابعة نسخة أكثر تلوينا للدراما التركية «حريم السلطان»، ولعل معرض الأزياء الدرامي بكل ألوانه الفاقعة هو ما دفع «أحلام» إلى انتقاد كثرة الدعايات التي تقطع المسلسل عبر تغريدة لها على تويتر، ومن التغريدة التاريخية للمفكرة القومية أحلام نستخلص أمرين هامين:
- أحلام تتابع سرايا عابدين.. وهذا يتوافق مع التوجه الفكري العميق للفنانة المعروفة.
- حجم القيمة المضافة في المحتوى الدرامي للمسلسل، والدليل متابعة أحلام له.
وبعيدا عن رأي صديقي كثير الغلبة بأن سرايا عابدين هو العمل الدرامي الوحيد الذي لا يمكن للدعايات أن تقطع خط المتابعة الدرامي فيه، إلا أنه لفت انتباهي بخباثته المعهودة إلى هذا التبجيل التاريخي للخديوي إسماعيل، والملكية فيمصر، رغم أن وقائع التاريخ تقول إنه كان الأكثر نموذجا للإستبداد والاستعباد في التاريخ الحديث للمحروسة.
صديقي كثير الغلبة جدا، غمز من طرف الهوية السعودية للقناة.. مع مرور عابر لهوية الكاتبة الكويتية التي ألفت أحداث المسلسل، دون أن تنسى الإشارة إلى أن الدراما «مستوحاة» من أحداث واقعية كحيلة على ما يبدو للخروج من مأزق التوثيق التاريخي.
«صديق العمر»
كثير الغلبة إياه، وأمام عدم اقتناعي بوجهة نظره الخبيثة في حق قناة «أم بي سي»، أخبرني بعد أيام، بضرورة متابعة الأحداث التي يسردها مسلسل «صديق العمر» على نفس القناة، حيث يقوم الفنان السوري جمال سليمان فيه بتأدية دور جمال عبدالناصر، وتدور أحداثه حول العلاقة الملتبسة بينه وبين صديقه ورفيق ثورته المشير عبدالحكيم عامر ويؤدي دوره الممثل المصري باسم سمرة.
لم أفهم في البداية، لكن أقر وأعترف أنه وبعد متابعات متفرقة للمسلسل، ومتابعة مرافقة لما يكتب عنه، بدأت أستعيد وسوسات صديقي كثير الغلبة وتقليبها بالتفكير العميق.
خصوصا بعد أن نشرت صحف مصرية مقالا «راصدا» كتبه سامي شرف، مدير مكتب عبدالناصر الرئاسي، وهو من آخر شهود عيان المرحلة برمتها.
المسلسل، فيه تشويه ذكي لسيرة عبدالناصر، وإذا أخذنا برأي كثير الغلبة، فإن التشويه لصانع ثورة يوليو على الملكية يتزامن مع دراما «بإنتاج ضخم» تعمل على تلميع العهد الملكي في مصر بشكل يصنع من الأمر مصادفة بل ومفارقة مدهشة.
وساوس كثير الغلبة، وللحق، أخذت طريقها إلى طريقة تفكيري، مما يجعلني أتساءل عن دور الفضائيات في دس «أجنداتها» وتلقيمها في العقل الباطن للمتلقي العربي، سؤال برسم القلق لا أكثر!!
عودا على بدء
موسم تضليل السنة الدرامي، من الصنف الممتاز.. وهذا الامتياز في نوعيته يتناسب مع حجم الوجع في غزة المكلومة بقصف بوحشي للمرة الرابعة على التوالي.
تسطح واستخفاف درامي، يجعل الفضائيات العربية بمجملها «غرزة» قادرة على تغييب العقل والإحساس وبث «التخدير» القومي الشامل بطريقة يصبح فيها الدم المراق في غزة.. جزءا من الدراما.. وهاتوا القطايف.. ليتحلى الصائمون العرب.
كاتب من الاردن
مالك العثامنة