
يشكل الصيد البحري أحد أعمدة الاقتصاد الموريتاني، حيث يشغل نسبة معتبرة من اليد العاملة النشطة، غير أنّ الوزن الاستراتيجي لهذا القطاع يتناقض مع القيود الطاقوية التي يواجهها. فاعتماده الكبير على المحروقات الأحفورية بات مثيراً للقلق من الناحية الاقتصادية.
ويمثل الصيد التقليدي في موريتانيا، وفقاً للوكالة الدولية للطاقات المتجددة حوالي 80 في المئة من القيمة المضافة وفرص العمل في قطاع الصيد، لكن معضلة الطاقة تعترضه بشكل كبير.
ففي عام 2023، وفّر القطاع بمجمله نحو 66 ألف وظيفة مباشرة و300 ألف وظيفة غير مباشرة، كما ساهم بما يقارب 20 في المئة من عائدات الصادرات الوطنية، إلا أن هوامش ربح الصيادين التقليديين والعاملين في مجال التحويل والتصنيع البحري تبقى مهدَّدة بسبب الارتهان للوقود الأحفوري؛ إذ تمثل النفقات الطاقوية ما يصل إلى 40 في المئة من إجمالي التكاليف، وهو ما يضعف تنافسيتهم.
وتشير بيانات الوكالة إلى أنّ 95 في المئة من الوحدات الكبيرة (المصانع، المخازن، غرف التبريد، إلخ) و96 في المئة من الفاعلين الصغار (الصيادون، الوسطاء) يعتبرون الطاقة أكبر عائق أمامهم.
فمحركات القوارب الصغيرة ذات قوة 15 حصاناً تستهلك وحدها نحو 30 لتراً من البنزين في كل رحلة صيد، أي ما يعادل 34 في المئة من التكلفة الإجمالية لعملية الصيد.
وعلى الطرف الآخر من سلسلة القيمة، يؤدي غياب حلول تبريد فعّالة إلى خسائر كبيرة بعد عملية الاصطياد.
ولمواجهة هذه الإشكالية، يقترح تقرير الوكالة المعنون: «الطاقة المتجددة اللامركزية من أجل الصيد التقليدي في موريتانيا»، جملة من الحلول العملية بينها اقتناء ألواح شمسية مرتبطة بالشبكة لتزويد المصانع بالطاقة، وغرف تبريد وثلاجات شمسية لحفظ المنتوجات، ومحركات كهربائية تعمل بالبطاريات مخصصة للقوارب.
ويبرز التقرير الجدوى المالية لهذه الحلول، حيث تتراوح معدلات العائد الداخلي بين 12 في المئة و24 في المئة تبعاً لنوعية التدخلات، فيما يبلغ معدل استرداد الكلفة حوالي ثماني سنوات بالنسبة للأنظمة الشمسية في المصانع.
أما الفوائد البيئية، فهي بدورها لافتة، إذ يُمكن تجنّب انبعاث حوالي 96.200 طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، ينبعث أكثر من 80 في المئة منها من خلال كهربة المحركات.
غير أن نجاح هذا الانتقال يظل رهيناً بعنصر هش، هو التمويل. حيث إن 90 في المئة من الوسطاء و75 في المئة من الصيادين يعجزون عن الحصول على قروض لتجهيز أنفسهم، في ظل غياب آليات تمويل مناسبة وأسعار فائدة معقولة.
صحيح أن صندوقاً دوّاراً بقيمة 12 مليون يورو، مدعوماً من مؤسسة ك.ف.واي KfW الألمانية، بات يتيح قروضاً بفائدة 6 في المئة تمتد لسبع سنوات، إلا أن الاحتياجات تبقى أضعاف هذه الإمكانيات، ولا تزال قدرات التمويل الأصغر محدودة.
وترى الوكالة الدولية للطاقات المتجددة أن الحل يكمن في مقاربة شاملة، تقوم على حوافز ضريبية، وتوحيد معايير المعدات، وقبل كل شيء دمج الطاقات المتجددة في إستراتيجية وطنية للاستخدامات الإنتاجية.
فغياب هذه المقاربة يعني، حسب الوكالة، بقاء هذا القطاع الاستراتيجي رهينا للمحروقات الأحفورية، بما يترتب على ذلك من مخاطر على مستقبل البلاد وبخاصة على الاقتصاد والبيئة والأمن الغذائي.
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»